المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الجمعة، 10 أغسطس 2018

---------------قصة قصيرة -------------- عنوانها : (شخصيات من ورق ) -------------------------------------------- تعودت أن تفتح كل صباح نافذة غرفتها المتواجدة في الطابق الأول للعمارة ، يعرف كل الناس أن المعلمة ( الضاوية) أول ساكنة بهذا الحي ، لقد أحسنت اختيارها للطابق القريب من الأرض ، لتجنب إرهاق صعود السلالم زمن الشيخوخة ، وهي الآن تعيش لحظاتها التي تفرض عليها النزول مرة واحدة في اليوم لقضاء مآربها ، مصحوبة دوما بلائحة متطلباتها حتى لا يتكرر الصعود ، فهي لا تعتمد على زوجها الذي يصغرها بثلاثين سنة ..تتذكر أنها تعرفت عليه عاملا في ورشة ميكانيك ..وفتحت له ورشة خاصة به ..فهي تعرف أسباب هجره للبيت ، لقد كانت تخشى الوحدة ، لكنها الآن تعيش الوحدة عينها ..تعذره لأنها هي التي خطبته لنفسها وقبلت به زوجا أو ابنا ..لا تسطيع تفسير دوافع نفسها ..ومن تضربه يده لا يبكي ..هكذا دوما تنهي حوارها الداخلي ... أخرجت رأسها من النافذة لتستنشق نسيم الصباح المصحوب بضجيج الأطفال .. تعيش (الضاوية ) إحساسات غريبة أحيانا لاتعرف لها تفسيرا ..لا يمكن أن تعيش بعيدة عن شغب وضجيج الأطفال .. إحساس عزاؤه الدموع والالتجاء إلى محفظة جلدية كبيرة ممتلئة بأوراق لرسومات التلاميذ الذين درستهم طيلة السنوات التي قضتها في التعليم ، (الضاوية ) ليست معلمة اللفنون التشكيلية ، بل تتطفل مرة واحدة في السنة وتطلب من تلاميذها تشكيل رسم والتعليق عليه دون التوقيع بالاسم ..ثلاثون سنة في التعليم ..رسومات كثيرة ،تخلت عن غير الهام ، واحتفظت بالأهم في المحفظة الجلدية .. ولو أن كل رسم لا يحمل اسم صاحبه فهي تعرف مبدعه مثل ما تعرف الأم أبناءها..مسحت دموعها ، وأخرجت من المحفظة مجموعة رسومات ، تحفظ حفظا الكثير من التعليقات ، وتحن إليها في لحظات الإحساس الغريب الذي لازمها سنوات طوال ..أفرغت المحفظة فوق مكتبها ... أخذت الورقة الأولى : _ رسم لقلم : ( القاف قوة المال ، اللام كلام بلا ملح ، والميم موحا حارس المدرسة ، يسجل به المتغيبين ! ) تبسمت ووضعت الورقة جانبا ، تذكرت تلميذتها ( ابتسام ) ، التي زفت لفلاح في سن الرابعة عشر ، وهي الآن أم لسبعة أطفال ، أحيانا تبتاع منها البيض أو اللبن ...تتذكر حين اخبرتها أن زوجها ركب قوارب الهجرة السرية بعد توالي سنوات الجفاف ..وتتذكر أن ابتسام لا تعلم شيئا عن زوجها منذ يوم وعدها وودعها ... _رسم لطائر : ( أرجوك أبي لا تضرب أمي ، وتهددها برميها من النافذة ...اللهم اجعلني طائرا تركب أمي ظهره فلا يرتطم رأسها بالأرض ..لكن ما العمل حين يكون يضرب رأسها بالجدار !؟ )..تنهدت ( الضاوية ) ورمت بالرسم ، تعرف صاحب الرسم ، ملقب ب ( بسيف الحق ) وهو من أكبر قطاع الرؤوس الداعشيين ... _رسم لوردة : (اسقوها خمرا ومخدرات وسجائر أمريكية مهربة وقرقوبي ... ! !! ) ..الرسم ل ( بوراس ) وهو الدراع الأيمن لأخته ( زبيدة ) التي تحولت في لمح البصر من راقصة كاباريه إلى أكبر منعشة عقارية ..رمت بالرسم جانبا ... _رسم لزوجة أب وهي تقول : ( موتوا بالجوع ، ولن تذهبوا للمدرسة ، فأنتم عالة علي ، لعنة الله على أمكم !! ) ، صاحب هذا الرسم لن تنساه أبدا ، فهو دكتورها الخاص الذي تسافر إليه حين تشعر بألم المفاصل ..ولو أن مدينة الرباط بعيدة عنها ، فهي لا ترتاح لغيره ..تزوره كباقي المرضى ، فهو لا يتذكرها ، وهي تتذكر عنه الكثير ... _رسم لرجل بلحية : ( حرام المذياع ! .. حرام الموسيقى !.. حرام التلفاز !. حرام التعليم ...حرام...حرام...! ) ..صاحب الرسم هو إمام وخطيب مشهور في مدينة الدار البيضاء ، وهو متزوج لأربع زوجات ، تعرفت عليه من خلال فتاويه الغريبة في اليوتوب .. _رسم لمنزل صغير : ( ارجوك يا مالك المنزل ، لا ترم بأغراضنا إلى الشارع ..حين أكبر أمنحك كل المال الذي تريد !) هذه الأسرة هاجرت ألى مدينة بركان ... _رسم لدجاجة : ( عمتي هل الحرية أن تنامي النهار في المنزل وااليل خارجه ؟ ) ..نظرت الضاوية إلى السماء وهي تدعوا بالرحمة والمغفرة لعمة أيوب ... _رسم لزوجة : ( أخونك اليوم وغدا ، أيها المعوق العقير ، كيف أكون لك زوجة !؟ ) ، رمت بالرسم وهي تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... _رسم لحمار :( أتمنى أن أكون فريقا في قبة البرلمان ، لأدافع عن حقوق الحمير ! ) ... _ رسم قلب : ( أحبك معلمتي ، لما أكبر أتزوجك ! ) ، تذكرت هذا الطفل الذي كان يعتقد أن أجمل شيء يقدمه لمعلمته كلمة ( أتزوجك ) ، وتذكر أنها كانت ترد عليه قائلة:( لما تكبير سأخطبك لنفسي ! ).. سمعت الباب يفتح ..زوجها وحده يملك المفتاح ..لم تهتم به ولم ترد عليه السلام ..وقف أمامها ليثير انتبهاها إلى حضوره ، وبدأ يشارمها رأية الرسم الأخير بين يديها ..قل لها بسخرية ( من هذا المعجب الذي يرغب من الزواج بعجوز في السبعين ! ؟ ) ، نظرت إليه وهي تتحاشى الاستفزاز ..أخذ منها الرسم وبدأ في تفحصه جيدا ..قال لها :( الرسم لي ، وعلى تلك المعلمة كنت أبحث لسنين !! ) ..ركز النظر فيها جيدا فتأكد انها المعلمة نفسها التي عوضت معلمتهم لمدة شهرين ..رسم قبلة على جبينها وهو يؤكد لها ولادته من جديد .. ------------------------------------- عبدالرحمن الصوفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق