المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

السبت، 4 أغسطس 2018

الإبداع الشذري

------------الإبداع الشذري -------------
---تاريخه ---خصائصه ---مميزاته ------
                -----------------------
الكتابة الشذرية ، أو الكتابة المقطعية هي إبداع نصي منقسم ومنفصل إلى مجموعة من القطع والفقرات والمتواليات المستقلة بنقسها على المستوى البصري ، ومتكاملة مع الشذرات الأخرى المتوالية  دلاليا وتركيبيا وتداوليا ، فتنقسم الشدرة وتتمفصل على مستوى الظاهر ، وتتميز على مستوى العمق بالوحدة العضوية والموضوعية ، ويلاحظ أيضا أن الشذرات الأدبية عبارة عن نصوص صغيرة الحجم ، متناهية في الدقة ، وتمتاز كذلك بروعة الأسلوب ، وجودة التعبير ، علاوة على ذلك تتسم بالتكثيف ، والاضمار ، والايجاز ،والحذف ، والتركيز ، والتبئير ، كما تتكئ على التتابع تارة ، والانفصال تارة أخرى . غالبا مضامين الشذرات رؤى فلسفية وتأملية عميقة ، تعبير عن علاقة المبدع بذاته أو واقعه الموضوعي ، كما ان الإبداع الشذري جمل أو ملفوظات أو مقاطع أو نصوص نثرية أو شعرية أو فلسفية أو صوفية أو تأملية أو غبرها ، قائمة على الانزياح ، والمفارقة ، والسخرية ، والإيحاء ، والترميز ، والإرباك ، والإدهاش ، والعصف
الذهني .

تتميز تتابع الشدرات بحركات إيقاعية سريعة ، قوامها النشاط والحركة والديناميكية ، والدأب المستمر .
تجمع الشذرات الأدبية بين الفلسفة والشعر أو مختلف العلوم الحقة والنثر وكذلك الشعر ، متأرجحة بين الذهن والوجدان ، والشعور واللاشعور ، والعقل واللاعقل ، والصحوة والهذيان . ..معتتمدة على التركيز ، والاختزال ، والاقتضاب ، والاقتصاد والتحرك السريع ، والتخلص من الحشو والاطناب ، والاعتماد على بلاغة الثكيف .

تتمظهر الكتابة الشذرية في القصة والرواية والشعر في الكثير من الأعمال الادبية العربية شرقا وغربا ..
نقدم نموذجا للكتابة الشذرية للشاعرة ( إيمان الخطابي ) من ديوانها ( حمالة الجسد )

الشذرة / 1

لا أمت لدمي
إلا بصلة الألم
ومع هذا أواظب
على مشقة الانتماء

الشذة /2

أيها الحزن الكاذب
لا تفتك بي
مثلما فعل فرح كذاب ،
لا تتربص بي عند منعطفات الضعف
وتسلبني الظحكات الجديدة
وأنا متسللة إلى النسيان
وحيدة وخائفة .

ليس أدب الشذرة اختراعا عربيا ، وليس من مبتكرات وسائل الاتصال الحديثة ، بل هو فن أدبي ضارب في القدم ، ويوجد في جميع اللغات ، لكن ليس كنوع أدبي مصنف و مقعد ، إنما هو ممارسة أدبية وفلسفية عميقة  .
لقد كتب الفلاسفة اليونان شذرات مثل طاليس ، وأنكسيمندربس ، وأكسانوفان ،وبارمنيدس ، وزنون وغير هؤلاء . وبرى بعض الباحثين أن الشذرة الأدبية تمتد لأكثر من 1000 عام ، وخاصة مع الشاعرة اليبانية سيي سوناغون .

أما في الغرب فستخدت الشذرات الأدبية والفلسفية باشكال مختلفة ومتنوعة ، نذكر منها ما كتبه بارث ، وجورج بيرك ، وهنري ميشو ، وغيرهم كثير . ولعل نيتشه كان  يميل إلى الكتابة الشذرية بصيغة مغايرة ، تميل الى التأليف الفلسفي .
نيتشه يمزج بين المقطعية الرقمية وبين الشذرة الشعرية أو الحكمة الفلسفية ، وغالبا ما يطلق العنان لنفسه في تقديم مقطعيات تبدو وكأنها مقطوعات أدبية مستقلة عن المتن  الأصلي ، ثم بجد لها رابطا بمهارته الخاصة .

أما شذرات فرناند وبيسوا فهي مشبعة بأفكار وجودية ، وخارجة عن السياق المعهود في الكتابة ، وضع مقطعياته في كتابه المعروف ( اللاطمأنينة ) .

هل وجد الابداع الشذري في التراث العربي ؟

نجد عند العرب  مجموعة من الكتابة  الشذرية ، وكان المنطلق في الكتابات الصوفية والعرفانية التي اتخذت من القرن الرابع الهجري شطحات شذرية كما في كتاب ( النطق والصمت / عند المقري ) وابن عربي والحلاج .

هناك مؤلفات كثيرة  تحمل كلمة ( شذرة ) نذكر منها ( شذرات الذهب في وصف من ذهب ) لأبي العماد الحنبلي ، وكتاب ( الفضة المضية في شرح الشذرات الذهبية في في السيرة النبوية ) للعلامة أبي أوديس محمد بوخبزة الحسيني التطواني وغيرها من الكتب والأعلام .

انتقلت الكتابة الشذرية حديثا الى الشعر العربي فالتحمت بالقصيدة النثرية مع أدونيس ، ومحمد بنيس ، ومحمد الأشعري وغير هؤلاء كثير .
وتتمظهر الكتابة الشذرية الروائية والقصصية عند بنسالم حميش في ( مجنون الحكم ) ، وغادة السمان ، وأحلام مستغانمي وغيرهم .
------------------------------------
-----------عبدالرحمن الصوفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق