المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الجمعة، 10 أغسطس 2018

--------الإبداع والنقد الأدبي ------------- اللغة هي الجوهر الموروث في حياة كل أمة ، فهي الأداة التي تحمل الأفكار وتنقل المفاهيم ، فتقيم بذلك رابطا للتواصل بين الناس ، واللغة هي التي تحفظ للأمة كيانها وهويتها ووجودها . اللغة العربية هي سيدة اللغات، فلا تجاريها أي لغة أخرى في الدقة والروعة والجمال ، فهي لغة الأدب والعلم ...وهي اللغة التي شاء الله أن ينزل بها كتابه العزيز ، لأنها بحر زاخر بالألفاظ والمعاني والتراكيب والإيجاز والإطناب وغيرها من المميزات التي جعلت من لغة الضاد مفخرة العرب ... اللغة أشبه بمنجم ، فيها مشقة وعناء الحفر على الصخر لاستخراج الكلمات ، ورهبة أنفاق المناجم هي عالم المعاني والرمز عند المبدع.. ودهشة كشف المعدن الكامل خلف الركام ، كنز مهارة صناعة الأسلوب وتميزه ...فالناقد هو عامل المنجم الذي يتواجد وسط الأنفاق ينقب عن المعادن ، والكاتب يحفر في اللغة منقبا عن صنعة ما تسحر الألباب إبداعا دون كلل أو ملل ، و وكلاهما ( الناقد والكاتب ) يجهد النفس بحثا عن جواهر المكنونات ... الأدب عملية حفر متواصل في اللغة، وفيها يكتسب قيمته وشرعيته ، فتصبح عوالم الأدب عولم النبل الإنساني الذي يلامس الجرح والفرح والبياض والسواد والألم ...واقع البوح الأدبي المتناهي في الصنعة اللغوية . النص الأدبي يتكون من قشرة خارجية بصرية وعمق هو المضمون الداخلي، اي الفكرة او الموضوع، الجوهر ،ويمكن تمثيل هذا بهدية مغلفة بورق زينة، هذه الورقة الخارجية هي القشرة البصرية التي تقع عليها العين فتستمد منها الهدية سطوتها الاستحوازية ، وهي التي تعطي الهدية تجسيمها الخارجي، كما أن زركشتها و ألوانها تسحر و تثير النظر وترسل إلى العقل إشارات تكون رد الفعل حيالها متباينة، وهنا نحن أمام وصف بصري فقط لكننا نجهل حقيقة الهدية .كذلك النص الأدبي فله قشرة خارجية تتوضح فيه بصريا ملامح تجنيسه ، رواية ...نوع القصة ، نوع الشعر ... بعد إزالة ورقة الزينة يتكشف لنا جوهر الهدية، نعاينها باهتمام، لنجدها قطعة حلوى ، نبدأ بتذوقها لنحدد نوعها أكثر ، ...يمر القارئ والدارس الأدبي للنص الأدبي بنفس المرحلة ، فإن توقف الناقد عند مرحلة النظرة الأولى وبدأ بوصف قطعة الحلوى كان نقده انطباعيا تفسيريا قرائيا إنشائيا، وغيرها من المسميات التي يحلو لأمثال لهؤلاء تسميتها ... مكونات قطعة الحلوى المتعددة والتي تبدأ من الغلاف وتنتهي بآخر طعم يميزه اللسان، اكتشاف كنه هذه المكونات بدقة هي مهارة لا يمتلكها إلا المتخصصون بالتذوق ، والمتذوق البارع هو الذي ينزع القشرة او ورقة الزينة بحذر بالغ لأنه يعرف أنه سيعيد هذا الغلاف إلى موضعه بعد ان يتأكد من جودة أو عدم جودة قطعة الحلوة ليعيد تقديمها إلى المهدى إليه، أو يتباهى بها أمام معارفه . هذا الغلاف المزركش والملون هو قشرة النص البصرية، وما يظهر تحتها هي الهدية قبل أن نخضعها للتذوق الفعلي، فلا يمكن تجنبس النصوص بدون دراية متخصصة بتعرف الأجناس الأدبية وأنواعها وتداخلها وخصائصها ومكوناتها ومميزاتها ... وعملية التذوق واستخراج المذاقات المختلفة و وصفها وذكر مكوناتها بالوصول إلى العناصر الأولية هي النقد الأدبي العلمي ، هذه هي مرحلة اشتغاله ، أي أن النقد تحليل وليس تفسيرا ... فجاءت النظرية الذرائعية مضادة للفوضى والتخريب والتغريب في الأدب العربي . النقد علم حقائقه تطبيقية وحضنه العلم التطبيقي وبذلك تبني الذرائعية جسرا من التطبيقات البحثية التجريبية تصل بين ضفتي النقد ( الفلسفة والعلم)، وبتعبير ادق قامت الذرائعية بتعويم العلم على الفلسفة لتبقى الفلسفة تجذيرا للتفكير ، والعلم بحث عن الحقائق، وحدة الوصل بينهما هي البحث التطبيقي عبر المداخل العلمية، الفلسفة تفكير في التفكير ( تأمل)، والعلم بحث عن الحقائق الموجودة اصلا... يساعد النقد العلمي على عدم الارتجال والعشوائية في العمل الأدبي، بل يوجه صاحب العمل إلى الالتزام بالخطة العلمية والمنهج الواضح البحثي، أي بمعايير نقدية تحتاج إلى الموضوعية للوصول إلى نتائج بعيدة عن الإغراق المتكلف أو التفلسف الأجوف ، كما أنه لابد للناقد من الأهلية والكفاءة والموهبة النقدية والثقافة والواسعة والخبرة، والإلمام بالعلوم النفسية واللسانية والإنسانية..... -------------------------------------------- عبدالرحمان الصوفي / المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق