المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

مقطع من رواية عنوانه ( حكواتي ) / الرواية بقلم عبدالرحمن الصوفي

قصة قصيرة ....منشرورة / 7 / 3 / 2011

عنوانها ...............حكواتي.....

سافرنا أثناء عطلة الصيف إلى مدينة مراكش ، زرنا ساحة ( جامع الفناء ) ، كانت الساحة غاصة بالسياح المختلفة جنسياتهم ، لم يثنيهم قر الصيف عن التجول ، وكذلك زوار من المغرب العميق ، كما يحلو للحكومات الحكيمة في الإبداع بالأسماء والمسميات. أثار انتباهي حلقية يتحلق حولها جمهرة من الناس ، مجتمعون حول عجوز يلوح بعكازته نحو السماء ، تسللت بين عرق الجمهور إلى الصفوف الأمامية المشكلة من الصبية والنساء . العجوز ينادونه ( البهجة ) ، تحيط وجهه لحية بيضاء مخضبة بالحناء ، لازال قلبه يعيش عنفوان الشباب ، يدخل بمرحه البهحة والسرور على نفوس الجمهور..يدور حول الحلقية وهو يرقص رقصة هوارية وعينيه تنظران إلى السماء في شموخ وكبرياء رافعا عكازته إلى السماء ، وبعد الاتهاء من الرقصة ، يبدا في طقيطقات ، يصفق بعدها الجمهور وترتفع الاصوات بالصلاة والسلامى على خير الانام  .

يجلس البهجة على كرسي مشكل من اخشاب صغيرة و ( الدوم )  . يضرب بعكازته الارض معلنا بداية الحكاية .
بدأ حكايته حول شخص مقاوم سماه ( الشبح) ، لا يعرف له بين الناس اسم او مسقط رأس او قبيلة . كان الشبح عادة كل صباح يجوب شوارع الاحياء الراقية التي يسكنها المعمرون ، ينبش براميل القمامة ، يجمع بعض المتلاشيات التي يمكن ترميمها او إصلاحها لبيعها في اسواق الفقراء . ذات صباح كالعادة كانت الصدفة غريبة ، حين وجد في احد براميل القمامة مسدسا صحبة علبة رصاص ، خبأه بسرعة في الكيس الذي يحمله على ظهره ، وغادر المكان وهو يرتجف من الخوف . وصل الى القنطرة التي يتخذها مسكنا وهو يحدث نفسه ، ايرجع المسدس إلى مكانه !؟ أيبيعه !؟ أيستعمله !؟ ، خبأه في مكان آمن . الغد باشر مهمة النبش في براميل القمامة وهو ينتظر دقيقة القاء القبض عليه ، طرد الخوف بعد ان تجاوز البرميل الذي وجد فيه المسدس ، لم يعره اي احد اهتماما . اصبح يتعمد الجلوس قرب البرميل المعلوم يدخن سيجارة مصحوبة بشاي بارد في قنينة .

ذات ليلة ، خرج باحثا عن علبة سجائر ، ما ان وصل مدخل المدينة حتى توقفت بالقرب منه دورية شرطة المعمر ، طلب منه شرطي بطاقة الهوية ، رد عليه الشبح متهكما مؤكدا انه مغربي ولا يحتاج إلى بطاقة شخصية ، صفعه الشرطي ، ورد الشبح الصفعة مضاعفة على خذ عميل الاستعمار .أدخل الشبح السجن وفيه أسس النواة الاولى للمقاومة . وقفت من مكاني وأنا أسأل البهجة ( اسمح لي سيدي ، وهل عاشرته او كنت معه ) ، ارفعت ضحكات وقهقهات الجمهور من حولي .

في اللحظة التي كان الجمهور يصلي ويسلم على سيدنا محمد ، وضع البهجة يده على كتفي وهو يهمس في أذني ( طالب جامعي سابقا ، ومناضل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، هل توظفت أم عضو في جمعية المعطلين !!؟؟ ) . لم ينتظر مني جوابا اجلسني على كرسيه ، وبدأ رقصته الهوارية وعينيه جاحضتين في السماء ممثلا عكازته بندقية ، وقبل أن ينهي الرقصة أخرج من حقيبته عدة صور لشخصيات أعرف بعضها ، بينهم وزير داخلية وإعلام و...سابقا ، وشخصيات من المخابرات الشرية وشخصيات حزبية .. وجه عكازته البندقية إلى الصور وكانه يفرغ فيها الرصاص . صفق الجمهور ، وقهقه قائلا ( إنصاف ومصالحة ) ،  بقيت حائرا جدا كيف تعرف علي هذا الحكواتي !؟ .جلس أمامي ، وبدأ في تتمة حكاية المقاوم الشبح . قال البهجة ( كنا نجتمع سرا في القنطرة المعهودة ، نتناقش ونضع الخطط الاولى للمقاومة . كانت عملياتنا في البداية رأس مالها عود ثقاب نحرق بها ممتلكات العدو . وفي إحدى الليالي أخبرنا الشبح أنه سيستعمل الرصاص لقتل العملاء والخونة ، تفاجأ الرفاق ، فنظر إلينا نظرته الحادة ، فتأكد لنا جدية الخطوة النضالية . قال الشبح ( من سيرافقني الليلة !؟ ) ، عانقته وانا أستعطفه ( دعني اكون معك الليلة فقط ) . تفرق الإخوان للقيام بالمهمات الموكولة لهم ، طلب مني ان انتظره ، لحظات عاد يلبس جلبابا ابيض اللون ، يستر به ما بحوزته . ركبنا معا دراجة هوائية إلى أن وصنا منطقة العملية بعد منتصف الليل ، بمجرد ما وصلنا غادرها عيننا في المكان ، بعد أن أعطى معلومات على انفراد بالشبح .

قبيل طلوع الفجر كنا نختبئ قرب فيلة فاخرة لأحد الأعيان ، كان الشبح يعرف عودة الأعداء بالدقيقة من الحانة .سمعته ينطق الشهادة ، ترجل خمسة اشخاص من سيارة فخمة يتمايلون من شدة مفعول الخمر . بدأ الشبح يطلق الرصاص ، أرداهم جميعهم قتلى كالشياه التي مزقتها ناب الذئب .تدخلت شرطة المعمر بسرعة وعلا صوت الرصاص . مع آخر طلقة من مسدس الشبح كان الرصاص اخترق كل جسده ، نظر إلي مبتسما وسقط جثة هامدة . ألقي القبض علي مصابا ، تمنيت لو مت لكي لا أصبح سلوقيهم الذي يتعقبون من خلالهم أسرار المقاومة . أدخلت السجن ، وحكمت على نفسي بالخرس وإن تعددت أنواع الإرهاب النفسي والجسدي . قبيل الاستقلال أفرج عنا ، لنبدأ مشوار النضال من جديد .

بدأت رقصته الهوارية كالعادة ، تلتها طقيطقات مراكشية ، ثم الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى ، رفع أكفه إلى السماء ،تبعه الجمهور ، ترحم على روح الشهيد الشبح وكل شهداء معركة التحرير . بدأ ظلام الغروب يلف المكان ، أشار إلي لأساعده في جمع اغراضه ، بعد أن ضرب موعدا للمتفرجين الجدد ، اما محبوه فيعرفون الزمان والمكان . أبقاني جنبه ،  اساعده في جمع الصور الملقاة على الارض والمثقبة بأعقاب السجائر . بالصدفة لمحت عيني صورا في حقيبة اخرى ، تعرفت على اصحابها بسرعة ، المهدي بن بركة ، الفقيه البصري ، أبراهام السرفاتي....تفرق من حوله الجمهور ، لكن الاجانب تجمعوا حوله ، يستجوبونه بلغاة مختلفة فيرد عليهم ، استغربت لثقافة الرجل . تعمد البهجة ان يلتقط له الأجانب صورا معي . تعرفت من خلال حواره مع سائحة فرنسية ، انه من معتقلي تازمامارت السيء الذكر..ودع الاجانب والتفت إلي وهو يعانقني بحرارة وشوق ، ثم سألني ( الم تتعرف علي !؟ ) قلت (سجين تازمامارت سابقا !) ،ضحك وقبلني على خذي الايسر ، وقال ( ألست واحدا من مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، واعتقلت في الاضراب العام ل14 دجنبر المجيدة ، ألم تكن منسقا بين طلبة جامعة القنيطرة وفاس ، اتذكر كيف زعزعتم الظلم في هضاب بوجلود وباب گيسة وظهر المهراز...!!!!) ، قلت له ( تذكرت اعتقلت مع  مجموعة رفاق ، واقتدنا الى سجن عين قادوس، وبعد اضراباتنا من أجل اعتبارنا سجناء سياسين ، حولونا الى السجن المركزي لمدينة القنيطرة ... ) ، طلب  مني ان اتوقف عن الكلام  ، ثم اضاف ( من كان يحكي لكم الحكايات في لمة السجناء  في ساحة السجن المركزي !؟ ) . تذكرته ، احتضنته بعمق لدقائق طويلة . قال لي (هل ستحضر غدا ؟) ، حركت رأسي موافقا . قال لي حكاية الغد حول الشهيد ( الغول ) ، تذكرته ، انهمرت الدموع من عيني، كان شريكي في الزنزانة ، ومات بداء السل بعد ان قضى سبعة وعشرين سنة في السجن . ودعته وانا أتذكر الماضي ، وأقرأ الحاضر ، وأعلق الآمال على المستقبل .
..........النهاية............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق