المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الاثنين، 27 أغسطس 2018

قصة قصيرة عنوانها ( زيارة ) / عبدالرحمن الصوفي / نشرت : 1994

قصة قصيرة       زيارة

بقلم        عبدالرحمن الصوفي

عاد مع نهاية السنة الدراسية من الجامعة وهو يتأبط محفظة جلدية ، يجر حقيبة مملوءة بالكتب والملابس وبعض الأواني ..دخل منزل والديه وهو في غاية السرور ، قبل رأسيهما ، وأخرج شهادة الإجازة ليبشرهما بنجاحه . سأله والده عن تخصص الشهادة ، رد الابن مبتسما وهو يذكره ، تخصص علم  الاجتماع . خرج الاب للالتحاق بمتجره المخصص لبيع السمك .

دخل بيته وأول ما قام به ، علق نسخة للشهادة على الجدار ، أحضرت أمه الفطور ، قدمته له وهي تردد  دعاءها لابنها الوحيد ( أيوب ) بالنجاح .

قدم أيوب طلبات كثيرة من أجل التوظيف لمختلف الوزارات ، وقدم كذلك الكثير من الشكايات للبلدية والولاية والمكاتب البيئة والصحية من أجل تغيير مكان برميل القمامة المحادي لنافدة بيته .

بقي ينتظر ردا على طلباته ، إما من أجل التوظيف أو قبول تغيير مكان البرميل الملعون .
فتح النافذة المواجة للبرميل ، تأمله كثيرا ، توصل إلى فكرة تحمس لها جدا ، لماذا لا يكون هذا البرميل موضوع دراسة تطبيقية في علم الاجتماع ، مادام العديد من افراد المجتمع يعيشون على بقايا بعضهم .

جرالمكتب قرب النافذة ، أخذ الاقلام الملونة وحزمة من الأوراق ، استيقظ فجرا ، بدأ في تسجيل الملاحظات الكبيرة والصغيرة .. يرتاد برميل القمامة القطط والكلاب والنساء والرجال والأطفال ، كل له حاجة فيه يأخذها ويغادر نحو برميل آخر  .

تكررت الأيام وتكررت نفس الملاحظات . حالة واحدة غريبة استعصت على فهمه ، شاب أسمر ضعيف البنية ، يتردد دوما على البرميل لا يجمع إلا الأوراق والجرائد ، يتفحصها جيدا ويرمي بعضها .

قرر ايوب أن يسبقه إلى جمع كل الأوراق ، ليسجل ردة فعله .

أدرك الشاب ان مهتما آخر أصبح يسبقه ، قرر ان يصبح مزودا لهذا المرتاد الجديد الذي قد يكون محبا للمطالعة ، يأتي ليلا خفية ويضع حزمة أوراق ويغادر ، يتلقفها أيوب ، ويأخذها الى المنزل  ، أصبحت مادته المقروءة طيلة اليوم . اكتسب ايوب بين تلك الاوراق محاضرات في علم الاجتماع وإبداعات شخصية مكتوبة بخط اليد ، شعر وقصص قصيرة وخواطر ...

آخر مرة لم يجد أيوب إلا نسخة لشهادة الدكتوراه ومعها ورقة صغيرة كتبت عليها كلمة ( الوداع ) ، عرف اسم صاحب الشهادة ، إنه نابغة الحي ، وبه يضرب المثل في تجمعات كل الأسر . هو قدوته بالرغم انه لا تجمعه به علاقة أو معرفة .

أسرع إلى منزل صاحب الشهادة ، طرق الباب ، فتحته امرأة طاعنة في السن ، سألها عن ابنها ، أدخلته المنزل وهي تخبره انه اختفى منذ أخبرته أنه ليس ابنها بل تبنته منذ الصغر .
شكرها وغادر متجها نحو منزله ، قبل راس امه وهو يسالها ( أمي أخبريني هل انا ابنك ؟) ، تكرر سؤاله ، وكان جواب الأم انها ابنها بالتبني .

دخل ايوب الغرفة واغلق عليه الباب ، تغير كلية ، لكنه أبقى على الاحترام لمربيه.
عاد للسؤال عن صديقه ، فإذا به يكشف موكبا لجنازة تخرج من نفس منزل صديقه ،  عرف أنه مات بعد ان غرق قارب للهجرة السرية الذي كان يركبه. قدم العزاء ، وعاد إلى المنزل يتكلم لوحده ملوحا بيده إلى السماء . ما إن اقترب من المنزل حتى رأى شاحنة النظافة أتت لتغير مكان برميل القمامة ، بدأ يجري نحوهم وهو يستعطفهم ان يبقوها في مكانها ، ولما رفضوا دخل معهم في صراع وعراك ، فتأكد لهم أنه فاقد العقل . أدخل مستشفى الامراض العقلية والنفسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق