المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

ملحوظة: هذه الرواية المعنونة ب (( سليم )) مكونة  من عدة  فصول،سأحاول ان انشر يوميا فصلا واحدا. أرجو من جميع الاخوة والاخوات ألا يبخلوا علي بملاحظاتهم ،كيفما كانت فإنها ستفيدني بدون شك.شكرا لكم جميعا على تفهمكم  وعلى سعة صدركم.

روية:                      سليم

الفصل:-1-

   تعيش قرية(( بومعيز)) غداة الإستقلال تحولا عمرانيا وديمغرافيا مهما، مما جعلها تقترب تدريجيا    منفيلاج  .وبسبب هذا التوسع فإنها تلتهم مزيدا من الأراضي الفلاحية ومعها كثيرا من صفاء العلاقات الإنسانية . فهذا التراكم السريع للأسمنت المسلح يخفي وراءه آلاما تعتمل وتعتصرفي الاحشاء والصدور . قليلا ما يفصح عنها ضحاياه ،( الهاء تعود ل: هذا التراكم )،ومن بينهم سالم و شركاؤه.
إلتحق سالم بالمدرسة الإبتدائية التي عين فيها معلما ، لأول مرة تغمره فرحة مشوبة  بنوع من التوجس والحذر وصادف أن كان الجو ممطرا بحيث تبللت ثيابه وعلا الوحل حذاءه،فلم يجد بدا من الإحتماء من إنهمار المطر غير الهرع نحو مقهى تراءى له على بعد عدة أمتار من الطريق المعبدة الرابطة بين ايمينتانوت ومراكش ،.ما إن صار بالداخل حتى أحس بالدفء يدب في جسده.إرتمى فوق أقرب كرسي، و أشار للنادل الذي يبدو أنه صاحب المقهى  .أقبل مسرعاَ.  فما هي إلا دقائق حتىسكب الفنجان الاول في جوفه .ازدادت حرارته وشعر بقليل من الراحة وهو يرتشف الكأس  الثالث من الشاي بالشيبة  فطفق يجول بناظره حول أرجاء المكان لعله يجد بعضا من الأجوبة   المحيرة.لا يحتوى المقهى سوى بعض الموائد و في الداخل فرش حصير .صاحب المقهى ربعة ،ما يميزه هو طاقيته الحمراء الأقرب إلى الطربوش. له لحية كثة و رقبة عريضة.على كونتوار خشبي متهالك يضع أربعة مجامير (مواقد) فوق كل واحد منها إبريق شاي يغلي بينما فوق المجمر الخامس طاجين استحال لونه من الأحمرإلى الأسود و إلى جانب المواقد الأربعة يوجد منفاخ زاهي الألوان قد يكون حديث العهدبالخدمة و في الجانب الأيمن للباب توجد مغسلة وحنفية وضع قربها كوب من الخزف وهو منقط بالقطران . على الجدران المطلية بالجير علقت بعض القفف و الجلابيب وفي أحد الأركان  بالسقف ترقد عنكبوت ضخمة في هدوء...كان سيستمر في طوافههذا داخل المقهى لولم تنتشله أصوات أطفال يتراشقون بكرة بلاستيكية جامدة بفعل الطقس البارد ثم لغط القرويين ونهيق الحمير وهي تجر عرباتها. تناهى إلى سمعهفرحة الفلاحين بالأمطار المبكرة  وان الموسم هذه السنة يبشر بالخير ، لولا  غلاء البذور.  الذي يرهق  الأغلبية منهم.  كان الوافد يتابع هذه المشاهد بإحساس ممزوج بالدهشة و الارتياح, انه ارتياح أقربإلى الشعور بالسعادة .لكن هذه النشوة لم تدم سوى لحظات، اذ تناهى إلى سمعه أذان المغرب و اشتعلت المصابيح فأدرك انه مجبر على التفكير في اين يقضي ليلته ..بدأت الوساوس تنتابه, قرب منه حقيبته ثم نادي النادل ولأول مرة سيحدق فيه هذا الأخير حيث بدا له شابا وسيما بشعر أملس قريب من الصفرة وعينين كحيلتين يشعالذكاء منهما أما بشرته فهي قمحية،  لا شيء يميزه عن سكان المنطقة من هذه الناحية إلا ملابسه التي تشي بانتمائه إلى سكان أهل المدينة فهو يرتذي بذلة زرقاءتحتها قميص أبيض  وربطة عنق زاهية الألوان من النوع الرفيع وبنطالا اسود : »هل يمكنكم, سيدي ان تدلوني  على  غرفة أبيت فيها الليلة ؟"–لم يتردد (لحرش)  في سؤاله عن سبب مجيئه إلى هذه القرية،فقد  أحس بارتياح نحوه، خاصة لما علم انه  معلم التحق لأول مرة بسلك التدريس و أنه من مدينة الدار البيضاء، لقد سمع عنها إنها اكبر مدينة بالمغرب و إن أحد  أبناء أعمامه يقطنها .كما تمنى  أن يصير احد ابنائه  معلما خاصة ذلك المشاغب (الصغير) ليمحو تلك الفكرة  الخاظئة  التي  كثيرا ما رددها أبواه حتى لا يرسلانه إلى المدرسة و هي أنها تعلم لغة  المستعمرين. طلب منه مرافقته إلى بيته فلا يمكنه تركه يقضي الليل مع المجرمين الذين يتقاطرونعلى القرية من كل حدب و صوب ،ليلة السوق الاسبوعي ، ثم ألم يمر هو نفسه من نفس الوضعية؟  ألم يقدم له احدهم يد المساعدة لما كان في أمس الحاجة إليها ؟ أسئلة طرحها على نفسه ثم :"تفضل أسي المعلم أدخل، لا تخجل " قدمه لزوجته( فاظمة) ولولديه (علي )و( الصغير) . تناول الجميع ما قسم الله من طعام بعدها  آوى  كل الى فراشه, وكان فراش الضيف إلى جانب الولدين الطفلين في نفس الغرفة أماالغرفة المغلقة فهي ل"لطيفة"وهي ألان عند إحدى خالاتها.
في اليوم الموالي كان آخر من استيقظ هو سالم .لم تذق عيناه  طعم النوم  ليس بسبب  شخير الطفلين وانما كانت توجسات تتلاطم في راسه كامواج اليم مرة ترتعد فرائصه هلعا واخرى تنتابه نوبة فرح غامضة.  ناداه رب البيت  (الحرش ) بصوته الجهوري  الاجش :  »    أسي المعلم ,أسي المعلم » كررها ثلاثا ثم قام الشاب متثاقلا وهو يفرك عينيه . "يبدو انك لم تنم كفاية ؟"-"لا-لا لم انم قط ."-"ما السبب؟.هل ازعجك هذان ؟"وأشار الى ابنيه (علي) و( الصغير).واصل تخميناته  وبعد ثوان –"اتفكر قي المدرسة؟"و بصوت متردد  أجابه-"الحق اني لا أعرف فيم كنت أفكر".-"لا عليك اسي المعلم ,مُدَّ  يدك لنفطر سويا  ."
اغتسل و صلى صلاة  الصبح ثم التحق بالعائلة المتحلقة حول مائدة الفطور المتكون من خبز  و شاي و زيت الزيتون وحساء.لم يشعر الضيف أنه غريب عن هذه  الاسرة و أفرادها  أيضا كان لهم نفس الإحساس. رافق لحرش المعلم الى باب المدرسة   و دعا له بالتوفيق في عمله ثم اكد عليه ان يعود  إلى المقهى فور الإنتهاء من عمله.
                        انتهى الفصل الاول.
عمر بنحيدي.                     4/9/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق