المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الخميس، 20 سبتمبر 2018

dghjkyrd$^&/ الحسين بنزهرة ⊙●●■♡:P:D=)=)

" مُحــــاورةُ الشيطانِ "
بقلم : الحسين ينزهرة

عند المساءِ نصلُ
عنْد المساء نعانق الموج أيها الشيطان
نجْعلُ من جسدنا مركبا للحوت الجائع ، و نغوص في باطننا بلا وداعٍ .
نأخُذ حفنة من الريق ، وندهن صورا في الذاكرة الميتة .
ندغْدغ بطْنا يلوحُ في فقره الكافر ، لعل بسْمة تأتي من أعواد يابسةٍ .
في الموج نسْتريح بلا إذنٍ ، ونصلي لعناكب تحْرسُ ثيابنا المرقعة
ونجْعل من ثيابنا لحْما طازجا ، ولكن لا نأكل إلا لحْمنا المتعفن.
عند المساء نرتدي أسمالا من الدم ، ونكْتب بمداد الماء : وطنُ بلا اسم .
نحْمل سكينا تقيا ولا نذبح إلا الرحيل ، ونشوي لحم الوطن ، ولا نبقي منه إلا القليل ، لكي نغطي بالعظام جسد القتيل .
هنا في الموج : السلامة هي الوطن ، والذاكرة هي الكفن ، والعودة عودةُ إلى العفن ، العودة  من هنا بلا رياح ، يعني : العودة بلا زمن .
لا يعْرِفُ قيمة الموج إلا السفينة ، ولا يعرف قيمة السفينة إلا القلب المحروق . لو سألْتَ " عبيقة " لقال لك : الله لم يمت ، الله سُرق منا .
ها نحن نسافر أيها البقاء ، ها نحن نغادرك ولا نريد اللقاء .
سفننا الآن ترقص لأنها تبتعد عنك بعيدا ، حيث لا نرى جلادك في المساء ، حيث نرْقُصُ بلا عزف ، لأن ذاكرتنا نزْفُ ، ولأن هنا وراء الموج قلبُ يضمد الجراح ، ويوقف تدفق الدماء .
عند المساء أيها الشيطان ، نشْرب كأس الدم في جمْجمة اليأس والرهبة .
نصلي لقمرٍ في حانة الصمت واليأس ، ونُرتَّلُ آيات الأهل والصُّحْبة .
نعْتكفُ على قلْبٍ محروق ، حبيبته خلْف الموج تنوح ، جسدها مطعون بالرغبة ، ونلْعن وطن النُّخبة .
عند المساء نطْلق زغردة من حناجر الدمع السائل في طسْت الحنين .
ونحاورُ زمنا يطْعننا بخناجر السهر ، يعانقنا بصدى الأنين .
قولي أيتها الحياة : هل تعرفين عْهر الوطن ، أهل تعرفين ؟
يتمددُّ الصمَّتُ عنْد حاشية ِ القاربِ ، والمللُ يقابله ُ ، ويغطِّي الخوفُ آنية القلبِ ببرْدِ الخيالِ .
عبيقة يفْرك عينيه ، ويرددُّ أغنيةً قديمةً ، يحبُ أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ، لا سيما أغنية " قارئة الفنجان " للعنْدليبِ الأسمرِ ، ويحبُّ الشعرَ ، لا سميا شعر " محمد الفيتوري " ، يغني عبيقة الآن بصوتٍ رنانٍ ، نصغي له بكلِّ شوقٍ ، ولهفةٍ ، لدفْع الملل والخوفِ ، ويُنْشدُ قصيدة " نحو الصباح "  التي حفظها ذاتَ مرة في الثانويةِ ، عنْدما استودعته ديواناً شعرياً :

حيران .. يقظان يا فؤادي
والناسُ هانون راقدونا
الليلُ نحو الصباح جسرُ
بنى الدجى فوقهُ حصونا
تعبره الكائناتُ وسنى
بينما عبرناه ساهرينا
فامشِ معي ، امشِ يا ابن ذاتي
ولندع القوم حالمينا
لعلنا ندرك الأماني
من قبل أن ندرك المنونا
ولا تحسد الناعمين
واحسدْ بني العذاب المسهدينا
أولاء آباؤهم بنوهم
ونحن من يبتني البنينا
ومن يرم مثلنا طموحاً
هيهات أن يطبق الجفونا
والنوم للخاملين
لا للمكبلين .. المعذبينا ...
ماذا أرى يا ظلامُ ؟
ركباً تحت الدَّياجي محدبينا
حافين ، عارين ، لاهثينا
باكين ، شاكين ، ضارعينا
وراءهم مارد رهيبُ
يزرعُ في الأنفس الشجونا
يبكي عبيقة ، لا ندري لما يبكي ، وهو الذي يحذرنا من الضعفِ ، ومن اللينِ ، لا ندْري لما يبكي ،  ربما تذكر والدهُ ، رُبَّما خشي الموت ، ربما يخافُ من شيءٍ ما ، ربما ذكَّره الشعرُ في شيءٍ ما .
كأن القارب تابوتُ يحمل أمواتاً ، كأنه جنازةُ تسير نحو المقبرةِ ، فلاشيءَ يبعثَ الأمل والرَّجاء ، هناَ الخوفُ ، هنا الدَّمعُ ، هنا الموتُ ، هنا النهايةُ ، هنا انبعاث الذكْرياتِ ، يأتينا صدى الصراخ والنحيب من وراء الموجِ ، لعلها أم أحدنا تبكي ، لعلها أخت أحدنا تنوحُ ، لعلها آهاتُ أبٍ ، أو أناتُ حبيبةٍ ، هنا يُنْسى الزمنُ ، هنا يتكلم الكفنُ ، هنا يمل المسير ، هنا يسودُّ المصير .
أين نحْن؟ أجبنا أيها البحرُ ، هل في القاع ، أم على السَّطْحِ ؟ لقدْ هربنا منَّا لكي نجدنا ، وركبْنا قوارب الموت والألمِ ، وقطعْنا أشواطاً علنا نجد دراهم معْدودة ، وحقوقاً ، وحياةً ، ووجوداً ، وتنفساً من الأعماقِ .
أين نحن ؟ أجبنا أيها البحر ، هل في البَّرِ ، أم فوق الماءِ ؟ لقد تركْنا وراءنا عينا تبكي ، وكبداً تحترقُ ، ولسانا يشكو ، وآهاتٍ ، وأناتٍ ...
تركْنا زمناً لزمنٍ آخر ، تركْنا وجوداً لوجودٍ آخر ، تركْنا حياةً لحياةٍ أخرى ، تركْنا وجوهاً ، وأناساً ، فمتى نصلُ ؟
بخيالنا حفرْنا المستقبل ، والأمل ، والرجاء ، والعيش الكريم ، والحرية في الكلامِ ، في التنفسِ ، في الأكلِ ، في الشربِ ، في الحب ، في الرأي ، في الموتِ ، في الحياةِ ، في الحضورِ ، في الزمن .
بقلوبنا نحتْنا حقاً في السكنِ ، في الصحةِ ، حقاً في الحقِ ، حقاً في التنقلِ ، في الكلامِ ، في الصَّمْتِ ، في الشغلِ ، في التعليمِ ، في الراحةِ ، في الأمنِ ، في العدلِ ، في المساواةِ ، في الرحمة ، في الأملِ ، في التعبير .
القاربُ الآن يميلُ بنا ذات اليمين وذات الشمال ، شعرنا بدوارٍ ، وخفْنا كثيراً ، الماءُ دخلَ في القارب ، بدأنا نجففه / الماء ، بثيابنا ، وكؤوسنا ، خفنا كثيراً ، ولعننا " سي حُمَّان "  ، وقاروراته ، كانت هذه الليلة ملحمة قاسية ، شعرنا فيها بالموت ، بل عشنا الموت حتى الثمالة ...
يُتبعُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق