المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

==========    الدراسة النقدية المستقطعة من إعداد الناقد الذرائعي / عبدالرحمن الصوفي / المغرب =========================
========  عنوان الدراسة النقدية المستقطعة ( احادية المدخل ) ( الإشراق والتحقق/ مواضيع جمالية /  علاقة الشيء بالمعنى  ) في ديوان ( لامة الحروف ) للشاعر ( عبدو سلطان كاسمي ) Abdou Sultane Gassmy

===================================    تقديم    ========================================

لقد أصبح القارئ للشعر الزجلي يلعب دورا مهما وحقيقيا ورئيسيا في الكشف عن خبايا النصوص من خلال قراءته له ، هذه القراءة لم تعد قراءة واحدة ، بل أصبحت قراءات متعددة ( وهذا اﻷمر أشرت إليه في مقالات سابقة ) ، كل قراءة لها نظريتها المختلفة ، فكل قراءة تقود إلى نتائج تتلاءم مع الافتراضات المحتملة التي يضعها القارئ ، كما أنها تسعى للكشف عن ماهو باطن في في كل نص وتقرأ فيه أبعد منا هو في لفظة الحاضر ، والكشف عن باطن النص يقود طبعا إلى الاختلاف في نظرتنا للنص الواحد ...
ومن أجل قراءة موضوعية للشعر الزجلي سنركز في قراءتنا النقدية المستقطعة على تفسير النصوص كوصف نقدي / الجوهر . سنتعامل مع النصوص بشكل جزئي على أساس أن الديوان بكامله وحدة متكاملة ...

-------------------------------- ديوان ( لامة الحروف ) للشاعر ( عبدو سلطان كاسمي )----------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر الشاعر الزجال عنصرا هاما من فئة المثقفين التي تمتد بين ثتايا المجتمع ، له تكوينه الذاتي ونشأته الخاصة ، وهو وليد مرحلة تاريخية محددة يعيش واقعا اجتماعيا وسياسيا معينا ، ويتأثربموروث ثقافي لمجتمعه وأمته وعصره .
تأثر الشاعر ( عبدو سلطان كاسمي ) بما يحدث حوله في الواقع الخارجي ، من خلال اجتيازه العديد من التجارب والخبرات على مدار سنوات طوال ، تراكمت في ذاكرته وأثرت في وعيه ، واستوعبت الواقع المحيط وتفهمت أبعاد حركته ، وتجلى اﻷمر واضحا في قصائد الديوان الزجلي   الذي تبلورت فيه رؤية داخلية للحياة وللكون ، وهي ما عبر عنها الكاتب الروسي تولستوي بأنه : " البناء الروحي الذي يتكون في غضون عملية التفكير و النشاط " .

نتأمل  ما جاء  في القصيدة ( حكاتي معاك ) ص : 78

نكتب في الليل
حكاتي معاك
عنوانها كمرة
أوراقها سحاب
كلامها عشق
حروفها نسمة
نقاطها نجوم
وقرايتها ف ذاك الهلال 

وطبيعة الشاعر الزجال كإنسان تمكنه من التمييز بين الحق والظلم ، والتمييز بين الحسن والقبيح من الناحية المعيارية اﻷخلاقية ، وعلى هذه المكونات تتاسس علاقة الشيء بالمعنى في الديوان ...

يقول الاستاذ ( محمد الملواني ) في التقديم للديوان :" من الخطإ الاعتقاد أن الزجل فكرة تخالج الخواطر ، لو كان اﻷمر كذلك لأصبح العامة زجالون ، ولكن الزجل توفيق بين المعنى والمبنى ، فالمعنى مطروحة في الطريق ، لا يمكن أن تصبح سامقة إلا إذا صيغت بأسلوب فني جمالى ، يجعلها أثرا فنيا ذا قيمة ...."

سنركز في هذه الدراسة المستقطعة ( اﻷحادية المدخل ) على مراحل عملية اﻹبداع التي مرت منها قصائد الديوان الزجلي للشاعر ( عبدو سلطان كاسمي ) ..
ونبين مراحل عملية اﻹبداع كاﻵتي :

تمر عملية عملية اﻹبداعي عموما بأربع مراحل متشابكة فيما بينا وقد تكون متادخلة وآنية اللحظة او متباعدة الزمن ، وهذه المراحل هي :

- الإعداد والتحضير ، او الحمل والحصانة ، او اﻹشراق والتحقق ، حيث يولد العمل اﻹبداعي التي يمثل علامة مستقلة بذاتها مكونة مما يلي :

1 - عمل شيء يعمل باعتباره رمزا محسوسا

2 - موضوع جمالي كان في الوعي الجماعي ويعمل باعتباره دلالة

3 - علاقة تربط الشيء بالمعنى ، والمعنى المشار إليه ، ولكنها علاقة تخيل إلى وجود محدد ، فالعلاقة هنا مستقلة بذاتها ، بل تحيل إلى السياق الكلي للظاهرة الاجتماعية الخاصة بوسط معطى ( العلم ، الفلسفة ، الدين ، السياسة ، الاقتصاد ........ ) 

1 - ----------------- اﻹشراق والتحقق / الرموز المحسوسة في  ديوان ( لامة الحروف )--------------------------

إذا انتقلنا من التعميم إلى التخصيص ، فسنجد أغلب قصائد الديوان متمحورة حول المجتمع والذات كموضوع رئيسي  يعتبر مفتاحا قرائيا لرموز ودلالات متنوعة في النصوص ...على اعتبار أن حياة اﻹنسان الاجتماعية في تفاعلها اﻷبدي مع الطبيعة المحيطة ، تؤلف مختلف  أسس النشاط الاجتماعي ، وتتوسط العلاقات بين اﻷفراد ، و تتواجد في الحياة الاجتماعية بمختلف المؤسسات ، أو العادات والتقاليد والتراث الاجتماعي ...

يقول الشاعر ( عبدو سلطان كاسمي ) في القصيدة ( طريق الظحكة ) ص : 6

وليت نشك ف شكي
وشكي عاد
يشك ف شكو
يوم شافتك
ودني العمية
بمومو القروج
مضات شواك الرمش
وطاحت عيني
على عين قفاها
بدوخة المحبة
بقا راسها ايدور ...

الشاعر إذا ما استثاره شيء من الواقع الخارجي ، أو أرقته مشكلة خاصة أو حفز قدراته اﻹبداعية محفز ما ، قد تكون فكرة طارئة أو ومضة كاشفة أو لقطة سريعة أو مشهد عابر أو واقعة معينة ، او حادثة ما ... فإن الانفعالات العاطفية تنتج إبداعا فنيا كرد فعل مصنوع من مادة خام لغوية حامل لعلامات جمالية ، أن الشاعر منفتح الخبرات يسمح لكل حافز بالانتقال وبكل حرية عبر جهازه العصبي دون أن يتعرض لأي تشويه من قبل اي عملية دفاعية او وقائية ، إن الشاعر يعي اللحظة المعيشة كما هي ، وبذلك فالقصائد زاخرة بالحيوية اتجاه كثير من الخبرات والتي تقع خارج التصنيفات المعتادة . وهنا تنطلق شرارة اﻹبداع عند الشاعر الزجال( عبدو سلطان كاسمي) ...

يقول في القصيدة المعنونة ب ( منجم الكية ) ص :14

الكسدة هازاني
الراس أموسدني
والسنسول مفكوك
أنا المملوك ، المهلوك ، المهتوك
وسياسي ساسه مسيوس

الصفحة( 16) نفس القصيدة

القامة نخلة
والتجريدة واحة
أمدلية ثمرها المريوح
حرك جدحها
يطيب لبلوح المكروح

تنطلق شرارة اﻹبداع وتتضح عند الشاعر حين امتلك موهبة أصيلة وحدسا صادق الخلاص من كل ما يقلقه ، فيزيل اﻷستار عما غمض عليه ، وصولا إلى إنجاج انتاج جديد وأصيل وذي قيمة ، على اعتبار ان الزجل واﻷدب عموما هو الوسيلة لتوصيل التجارب نفسها مترجمة بألفاظ حاملة لرموز عديدة ، ولكي يحاول القارئ بدوره ان يحول هذه الرموز إلى تجارب وفي كلا الحالتين لا بد من الخيال الخصب .للوصول إلى  الاشراق والتحقق لقصائد ديوان ( لامة الحروف ) ، للشاعر ( عبدو سلطان كاسمي ) ، كما  تتضح أبعاد شخصية المثقف الواقعي الذي يمثل واقع اجتماعي معين ، في وقت معين ، مع كل ألوان ذلك الوقت وجوه الخاص ...

يقول الشاعر في قصيدة ( نترجاك تكونيني ) ص: 20

حين تكلمت مع سكاتي
باغي نعرف منو جواب
لما جاري بيا
راه عليا بصوت معذب
مخنوق مسروق محروق
لقيتيني حاير
معرفتش إيمتى
تخونت مني روحي
وإمت ماتت
ومعرفتش إيمتى
رجعت حية
ودخلت فيا
دخول صهد
العافية ف رمادي

يرتحل الشاعر في قصائده الزجلية أحيانا بعيدا عن المجتمع ، مغتربا في الذات ، وهو مستقر داخل مجتمعه ، لكنه منعزل عنه ، والعزلة هنا استعمال موسع لمصطلح اغتراب وهو شعور طبيعي حين يشعر الشاعر المثقف بالتجرد وعدم الاندماج خلال لحظات التامل مع المجتمع ...للشاعر عدة مواقف كمثقف الاول رفض ( الحكرة / الظلم ) بكل أشكاله ومجالاته ورفض كذلك المآل الذي وصل إليه المثقف العربي من موت معنوي تحت عنف وفشل وقمع الثورات العربية ( الربيع العربي ) ، ونقرأ في قصيدة زجلية ( سم الحكرة )  ص : 36  للشاعر ( عبدو سلطان كاسمي ) :

الحرام ف أيامنا زيانت ليه البنة والحلال مرار ليه الذوق
بنادم بالسخفة ضرباتو تلفة وحجر اللهفة راشم الحدود
راها الدنيا مخلوقة تايهة ف طريقها مخالفة الحقوق
عطات للثمر ف حلاوته عظم وكل زبيبة في حقها عود

------------------------------مواضيع جمالية / مفتاح الدلالة في الديوان -------------------------------------

اللسان الدارج إذا مارد مبدئه كان عبارة عن مجموعة من اﻷلفاظ ، اي كان بمتابة قائمة تحتوي على حدود وألفاظ تقابل أشياء ومسميات ...والزجل ماهيته لفظية وطبيعته مادية أو سيكولوجية ...العلاقة التي تربط الاسم بالمسمى هي عملية في غاية السهولة والبساطة وهنا تتضح الموهبة والصناعة اللغوية .

يقول الشاعر في قصيدة ( عاهد الحروف )ص : 24

بالخاطر ذابحاني
رموشها سيوف
سلمت أمري
اتحديت الخوف
أمصارع وصابر
أبغيت أنشوف
حد الشوف
نكملني بها
ونعيشو لهيها
ياديك لحلام
كبيني أميها
تشربني جغمات
ف غرام ليام

الكلام الدارج في الزجل بدوره له  دلالاته  اللسانية التي  تجمع الاسم  بمسمى ، وتربط الشيء باللفظ ، بل كذلك  توحد تصورا مع صورة سمعية ، وليست الصورة السمعية صوتا ماديا ، ونعني بذلك شيئا محض فزيائي بل إنها أثر سيكولوجي ناتج عن صوت ، اي التمثل الذي تعطيه إيانا شهادة حواسنا ..

يقول الشاعر في قصيدة ( وسادة الفراق ) ص :  38 

سمعة عرسي
بيدك طافية وتقولي مبروك
محلول باب العطفة داخلة خارجة بلا تحنحين بلا دقان

انسول وانسقسي
انحقق ف امري جاني مشكوك
نوصي وعدي يقضي ويعدي حتى يبان سعدي اللي خان

للمواضيع الجمالية في الديوان بنية مستقلة ، قد تبتعد عن الواقع والمجتمع ، واﻷمر يعود إلى التشبع بثقافة معينة قائمة على توصيل الانفعالات للقارئ أو المستمع عن طريق اللذة النصية التي يحصل بها التطهير النفسي / الكاتارسيس  ، وكل نص في الديوان هو الوسيلة التي  تصير أداة سلطة متعددة اﻷبعاد  الجمالية والفلسفية ...

3 ------------------------------------- علاقة الشيء بالمعنى في الديوان --------------------------------

الحاصل في علاقة الشيء بالمعنى أن السلوك السيميائي هو نتاج لعوامل الخيال والتعميم والرمز ، ولا يمكن أن يفهم هذا في نصوص الديوان إلا من خلال مسار تجريدي يؤول الرمز والدلالة ، على اعتبار أن الرمزية خاصية من لغة الإنسان ويكون في ثقافته كلها ، والترميز صياغة لسلوك سيميائي ينتج فعلا دلاليا يحتاج إلى المعرفة ...ومقاربة المعنى التداولي في الديوان ذات أنماط مختلفة من الانزياحات ، وكذلك معان ضمنية متعددة وفتوحة على التأويل ..

يقول الشاعر في قصيدة ( كتبت قصة ) ص: 70

الصبر اتضبر
عيا اصبر
انطق واهضر
تبرى فيا
قال ...ليا ...
ها عار ربي
اطلق مني
اعييت بالتبرية
ارخف عليا
أش المعمول
وأنا المغلوب
ما درت ذنوب
بصبر أيوب
كنت معروف

يؤكد الدكتور حسن امكازن بنموسى على أن اللغة تتمثل المواقف الإنسانية بما فيها من استضمار وإخفاء وانزياح واسقاط عند الشاعر عبدو سلطان كاسمي ، كما أن نصوص الديوان تتمرد ، تعبث ، زهو ، تخبو ، تحنو ، تتمادى ...وتتماهى في كل اﻷماكن المفتوحة والمغلقة لتتحدى الواقع ...

============================================= عبدالرحمن الصوفي / المغرب ====================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق