المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الأحد، 3 نوفمبر 2019

بقلم : حسين الباز / المغرب

الكاتب لا يكون دوما بالعظمة نفسها/ مقالة

  ١/ في الواقع، أحب السهل غير المعقد، سواء في الكتابة أو المزاولة، أحب الحب الذي ينمو ببطء ويعدو دونما قيد، ولا يعرف الممنوع...
في الخيال، أحب التعقيد الذي لا حل له، والمجاز الذي لا معنى له، والقيد الذي لا يسرحني للواقع مطلقا،ولا يعرف الرجوع...
...وأحاول أن أكون ما بينهما قدر الممكن، مادمت لا أجد من يسعفني فيهما للنهاية..!
٢/ انزويت، تنفست الصعداء، وكنت عدت من المنية، تأملت كيف ينعون كاتبا بذكر شواهده الأكاديمية، قلت لا شك تدفن معه، فكرت لوهلة لو أني ثريا لدفنت  معي كتبي، وما جدوى المراتب والجسد متمرغ في التراب..!؟
..زمن المراتب، زمن الألقاب، وطقطقة الكؤوس فوق رؤوس الرعية، هل يعقل أن أكون ضحية؟ وجالستني لأول مرة بعد مشيب العمر، وعددت الوقت الضائع وألوعد الكاذب والرفيق السوء، فوجدتني أغرب من خرافة، فتعجبت..!
..تعجبت كيف هو الخيال خصب تسوقه أحلام الغد القريب، وكيف هو الواقع مركب تمتطيه خيبات الأمس البعيد، كانت تأملاتي وأنا متأثر بمفارقة الحياة أصدق ما رأتها عيني، واجهت الحاضر المرتقب بإعادة الماضي المبتدل، كان سفرا عدت منه خبيرا أسيرا..!
٣/ ينتابني حب البقاء، فأود لو أعمر مائة سنة، وأحقق ما لم أحققه من قبل، لو يضاعف عمري لن أندم على القرارات أبدا، وسأعيش بعقل جديد، وبقلب سليم ما تبقى لي من العمر...
..وأهزأ من كل لحظة يأس عشتها، من كل خيبة أمل، أو فترة ضعف، سوف أكون باقيا بإصراري، دافنا خطاف الأمل  في كل مرحلة..
..لا يعود العمر من أعقابه إنما يمدد لأكونه، وقد أمضي للأمام، ولن أتراجع للخلف أبدا، هي أجراس الذكرى ترن أحيانا لتنذرني كلما أوشكت على تكرار الأخطاء..
..لو سافرت عبر الزمن، فسوف أسافر للمستقبل، وأما الماضي فأعرفه، ولا حاجة لي لتكراره، فلطالما كرهت التاريخ لأنه يحيي الميتى، وأحببت الخيال لأنه يقتل الأحياء...!
٤/..أعترف بأني من الطراز القديم، بحيث كنت ولازلت أؤمن بأن الجودة في الباطن وليس في الظاهر..
وهذا تمهيد فقط لطرائفي المضحكة :
..ذهبت في التسعينات من القرن الماضي بمسودة لروايتي (بخط يدي) لإعلامي معروف لنشرها في جريدة أسبوعية ثم في وكالته، ولم أكلف نفسي حتى تنقيحها أو ترقينها، وبظني أن الناس كلها مثلي تقرأ مابين الأسطر ولا تحكم بنظرة، ولبثت أنتظر أشهرا دون نتيجة، لأعلم بعدها من مصدر داخل الجريدة  بأن سعادة الإعلامي قد ألقاها في سلة المهملات دون قراءتها...
.. لم أقل له شيئا، وألقيت اللوم على نفسي لأني لم أعتن بمظهرها، فرحت أنقحها وأخرجتها على شكل كتاب، واتفقت مع مصدري بأن يضعها فوق مكتبه ويراقبه عن بعد، فكان أن بدأ في قراءتها، بل وأفصح له بأنه يعتبرها من بين عشر روايات مهمة في المغرب، ولكنه لم ينشرها أبدا.
..من بين الطرائف المضحكة التي حصلت معي أني أرسلت لقاص مترف  مقترحا عليه مشاركتي في مجموعة قصصية صاغرا، مادامت دور النشر لا تنظر إلا لجيبي، فكان جوابه: _
كيف لقاص معروف مشاركة قاص مغمور؟
وكان ردي بسؤال بريئ:
_كيف تقول عن نفسك مغمورا؟
فلزم الصمت، ولزمت شهورا لأكتشف بأني  المغمور الذي قصده.
.. ومن بين طرائفي المضحكة أيضا، أني لطالما تحاشيت ملاقاة الكتاب الكبار، لا لأني أحس بالضعف فأسعى إليهم، ولكن (وهذا هو المضحك) أحس بالقوة فأنتظرهم أن يسعوا هم إلي ،أقول: الفرق بيننا كالليل والنهار، كما الضوء والظل، كما أقول أيضا لم لا ينزلوا إلى القارئ كما أنزل؟ أو ربما خفت من بهوت عظمتهم فور الإرتجال، فالكاتب لا يكون دوما بالعظمة نفسها أمام الجمهور، قد تخونه الكلمات، قد يتخلى عنه فكره، ويفقده رصيده المعرفي، إن لم يك متعودا على الأضواء، كالدانكشوت ديلامانشا الذي يصارع الخيال، أو كالرامبو الذي يسخر منه العيال...
لست نرجسيا، ولكن الناقد بداخلي كذلك، هو من يوهمني بذلك، هو..هو من جعلني بعيدا عن النفاق، قريبا للحقيقة! ولست نادما ..

حسين الباز / المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق