المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الاثنين، 27 يناير 2020

بقلم : عبدالله أيت أحمد / المغرب

الانتحار
رجع السيد إبراهيم من المهجر بعد أن قضى زهاء أربعين سنة من العمل المضني في أعمال شاقة بجهد عظلي ونفسي كبيرين.
استطاع أن يجمع ثروة لا بأس بها وأن يحصل على تقاعد مريح.
أسس أسرته السعيدة ببلده الأصلي المتكونة من زينب أم أولاده الثلاثة محمد وأحمد ورقية، ولخوفه أن يتأقلم محيطه العائلي بديار الغربة، ولتشبثه بالعادات والتقاليد، بالقيم والاخلاق التي تربى عليها في قريته النائية، والتي دأب عليها الجميع حتى أضحت طقوسا لا محيد عنها طمعا في اسقرار عائلته بمنأى عن ثقافات وإغراءات العالم العلماني المتحضر.
التحق إبراهيم أخيرا بعشه الذي يهاجره باستمرار ولا يدفأ به إلا مرة في كل سنتين من عمره الضائع والتعيس، وكل أمله في أن يقضي بقيته في رغد وطمأنينة.
مرت أشهر يستمتع مع أبنائه وأهله وأقاربه...اشترى عمارة من ثلاث طوابق، سيارة فخمة، رصيد بنكي محترم وتقاعد مريح.
ذات يوم استيقظ وهو لا يقوى على النهوض، شعر بدوخة  لم يألفها من قبل وأصيب بحمى شديدة أقعدته الفراش.
الرجل المسكين أفنى شبابه وحياته من أجل بناء أسرة مثالية تجود عليه بالعطف والحنان والإهتمام، عرفانا بتضحيته بالغالي والنفيس من  أجل إسعادهم.
لكن هيهات فكل حساباته بائت بالفشل، العمر لن يعود، المال لا ينفع في الدواء، سئم الأهل من الوضع الجديد، لقد ألفوا حياة مريحة لا نغص فيها ولا مرض يقض مضجعهم وتعودوا على الإستمتاع بما لذ وطاب من المأكل والمشرب...ألبسة آخر موضة ...سيارة فارهة ورحلات.
دب الملل في أوصال العائلة فالوضع لا يحتمل، لا بد من إيجاد حل للمعضلة، وبعد نقاش عسير اتفق الجميع على نقل الكسيح الذي لا يصلح لأي شيء إلى بيت متواضع بسطح العمارة، كي يهتموا بشؤونهم اليومية الترفيهية.
الرجل وهو مرمي بركن من أركان بيته الواسع الذي أصبح ضيقا عليه لدرجة  لا تطاق، دخل عليه صديق الغربة السيد علي وهو لا يعلم بمصابه الجلل، جاء لزيارته بعد مدة من الفراق، ليجده في حال يرثى لها الجبين ويدمع لها القلب عوض العيون..أوساخ وأزبال تتناثر في كل مكان ملابس رثة وحالة مزرية...همس لصديقه بالقصة المؤلمة ونكران الجميل ممن هم أقرب إليه. وقبل أن يغادر طلب منه أن يشتري له سما لقتل الفئران.
وبقدرة قادر استطاع الرجل ان يجتاز محنته بعد تناوله جرعات من السم القاتل التي أشفته من علته المزمنة بعد ان كان ينوي الانتحار.
وفي الوقت الذي يستمتع الأهل بالحياة، قام بإجرات بيع جميع ممتلكاته وتحويل أمواله إلى وجهة غير معلومة.
وذات يوم رجعت الأم وأبنائها مساء من نزهة جميلة فوجدوا قفل العمارة قد تغير... وأطل من النافذة شخص يخبرهم بأن المنزل اشتراه بأثاثه.
سقطت المرأة مغشية عليها وأصيبت بشلل دائم، تشرد الأبناء...غاب الأب إلى الأبد.
بقلم عبدالله ايت احمد/المغرب
07 يناير 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق