المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الأربعاء، 22 يناير 2020

دراسة نقدية بقلم : المولودي سعيد ( غربة النفس / للشاعر سعيد محتال)

القراءة النقدية لقصيدة
غربة النفس للشاعر سعيد محتال
من إعداد الناقد المولودي سُعيد:

أيا مكبلا بالتراب
شدّني الحنين إليك
  تبدا القصيدة باسلوب النداء التصوري ، لانه يجمع بين الهمزة وهي ربط موحد  في اللغة بين الاستفهام والنداء ، ثم يشمل حرقة السؤال والاستفهام بياء  النداء ، فتكون العلاقة بين الذات المُتصوِّرة والذات المُثصوٍَرة علاقة  استحضارية ،استيهامية وطلبية، إنه وجود مشروط بذات مشروخة مفتقدة لأحد  شرطية وجودها ، الذي هو مركز حنين وافتقاد ، ويضعنا الشاعر أمام وضعية  ايحائية غريبة ، فموضوع الطلب والرغبة مكبل بالتراب ، مما يدفعنا الى  التساؤل هل سبب الغياب هو الموت او الرحيل الابدي ، الاان وضعية الحنين  تفترض وجود كائن حي:
بَعْد كُلّ رحيل
يغازلني طيفُك العليل
يذكرني عذوبة بحر عينيك الكليل
يرتعش البرق من همسات قلبك الكسير
يستكين مستسلما
معلنا انهزامه في الأخير فتنقلنا الابيات التالية والتي تبدو محلقة في  أبعاد تصورية اكثر ايحائية ، والاكثر انكسارا وتشضيا ، ان الرحيل هو رحلات  متكررة وغياب متقطع ومتغير، لا يحل ازمته الا الطيف الزائر ،وهو صورة  هلامية :عليل،عذب،كليل، ،قلبه كسير، كسير ، منهزم، اننا امام تيه الكلمة  وتحليقها في عالم من التصورات مما يجعل المدلولات اللغوية مبنية على  استيعارات تصورية خالصة متعالية ومتجانسة مع استيهامات تصورية مرتبطة بكائن  افتراضي اكثر منه واقعي: عادت العصافير
وما عُدتَ
أين تُقيم
كانتْ للعُش وفية
أما أنتَ
بغيابك صرت جرحا
زدت في الوجع سهما
سواقي الصبر تشكو
من ملوحة ماء الدمع إنه كائن مرتهن بفجيعة الغياب المجهول الطبيعة والهوية  ، اننا اما ازمة وجود ،امام كينونة مرتهنة بعمق السؤال وحرقة البحث ، فقد  تحول الغياب الى جرح، جرح لايعاني منع الغائب بل يرتد الى الانسان الذي  يعاني من ازمة البحث عن موضوع الرغبة، ويعمق ازمة البحث والغياب باستعمال  استيعارات تصورية ذات بعد تصوري استيهامي مغرق في الرمزية ، وهذا مايسمى  بعملية التكثيق الرمزي الذي يوازي الانزياح اللغوي الرمزي القائم على  الاسنادات التصورية،فهناك وجع وهناك سهام وهناك انسياب لسواقي الصبر ولوحة  انسياب الدموع:
عُدْ الى ظلك
سحابتُك مزقتها الأيام
القلب صار حطاما كالتراب
لا تحلق عاليا
يا من كنتَ وراء الألم
أنت من تملك السهم
رسالة منك ينبعث الأمل
و استعمال لغة الامر لانهاء مظاهر الغياب والتمزق، توازيه لغة عتابية تبين  ارتهان الذات للضياع ، فسحابة الغائب مزقتها الايام ، فهنا استحضار للزمن :  القلب صار حطاما، وهنا استحضار للذات: لاتحلق عاليا، أما هنا فامتداد لفعل  الوجود: يامن كنت وراء الامل وهنا استحضار لذات مفارقة باستعمال اسلوب  النداء تعود هذه الذات لتتوحد مع ذات الشاعر، وتصبح كيانا موازيا ،ذات غير  مفارقة: أما زلت يا جسد
تطاردني
شغلت نفسك بي
وأنا حرة طليقة
منذ خلقت
وأنا أحلق
أما تدري أنك من تراب
وأنا خلقت لأعيش هناك
قلت لك مرارا
لا تداعبني
فلست الا مجذافا
إن تشبت بي
رحتُ وغرقتَ في التراب
إذا التففتُ بك مجددا
نجوتَ من مساق فالشاعر يخاطب صورته، يخاطب كينونة داخلية تعيش الارتهان  والانشغال بامور دنيوية ، انه خطاب الروح للجسد ، انشطار اساسه التناقض  الوجداني الذي يعيشه الانسان.

كخلاصة ، اجزم ان الشاعر نجح في انجاز  تجربتين فلسفيتين: الاولى هي الاستيلاب ، ويظهر في نجاح الذات في اسلوب  الحياة ، وتتجلى دلاليا في القدرة على الانشغال والتحليق و الارتباط  بالتراب اي الحياة ، فقد كان مجدافا يتحرك ليعيش ، الا انه عاش مستلبا  غارقا في اوحال الدنيا مرتهنا بتفاصيلها الثانية الاغتراب، فالشاعر يعيش  غربة داخلية لانه غير قادر على ان يفرط لا في نفسه ولا في جسده ، وبذلك  يعيش انشطارا واغترابا داخليا اساسه القلق والحيرة والبحث المستمر عن اسلوب  حياة يعيد له جسده المستلب وذاته المغتربة . اننا امام عصارة لغوية مرتبطة  بكينونة تعيش حمى الانشطار وعدم تحقيق الانسجام في ظل غياب شرطية التوافق  والتوحد.
المولودي سُعيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق