المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الاثنين، 10 أغسطس 2020

قراءة ‏نقدية ‏بقلم ‏: ‏سعيد ‏فرحاوي ‏/ ‏المغرب ‏

فاطمة المعيزي بتوقعات سردية تكتب قصة قصيرة  تحترم كل شروط السرد باحتمالات خاصة سمتها :
خارج التوقعات...
قصة اعتمدت اسلوب الراوي الشخصية؛، لآن السارد الذي يتكلم في الحكاية برمتها هو شخصية عاش الحدث كله؛ لذلك فهو يعرف كل شيء؛ بما  ان الموضوع كله يتعلق بمجريات عاشها وأخرى سيعيشها؛ الى جانب انه الراوي الشخصية قد نسميه ايضا انه يشتغل وفق الرؤية مع؛ لان مايعرفه تعرفه الشخصية؛، بذلك جاء السرد ديموقراطيا؛  لم يمارس هيمنة الراوي الاله الذي يعرف اكثر ما تعرفه الشخصيات. على مستوى الزمن استطاع الحكي  ان يتبنى زمنا قصيرا لالتقاط كل جزئيات تعني وتهم الحكي؛  لان الحدث كله ارتبط بزمن جد محدود؛، ابتدأ من لحظة ركوب الشخصية في السيارة؛ وتلقيها مكالمة هاتفية؛ وانتقالها الى الحمام؛ تكون القصة قد انجزت موضوعها؛ اما ماتبقى فهي مؤشرات افادت السرد من جهات متعددة؛ منها تطويل الحكي اولا؛ اعتماد خاصية التشويق؛ إثارة زمن مشتت في موضوع قصير؛، التلاعب بأمكنة مختلفة؛ هذا دون تخفي لعبة الاحاسيس بعدة اساليب لاضفاء لعبة الغرابة واخفاء موضوع القصة باساليب فنية متعددة؛ لذلك يتكلم السارد بعدة تعابير تهم هذا الشأن؛ مثلا: إجازة لاتتحملها ميزانيتي المهترئة.
حاولت ان احسن وضعيتي..
 الامر كان صعبا.. 
الصوت المزعج..
تشتت افكاري..
احاول التركيز...
 قلت والدموع في عيني..
 دلفت الحمام كمجنونة..
  سكبت قنينة  ماء مثلج في جوفي  وانا احبس حنقي..
كلها تعابير لعبت دورا نفسيا مثيرا زاد من بناء العمق واثارة اهمية الموضوع في قصة تتحرك بتراتبية جد دقيقة؛ حضرت فيها ثلاث شخصيات؛ لعبت ادورا مختلفة؛ من جهة السارد الشخصية الذي ظل  حاضرا على طول القصة؛ ظهرت صاحبة الحمام  مرة واحدة؛ اما الشاب فقد ادى مهمة سريعة واختفى. على مستوى تجلي الشخصيات كلها مهمة رغم الحيز الزمني والمكاني اللذان تجليا فيهما ؛ كما تعد شخصيات اساسية على مستوى الادوار التيماتيكية التي انجزتها كل شخصية على حدة ؛ لانه ابدا لن يمكن تغييب اي شخصية من الشخصيات الظاهرة في لعبة بنية الاقطاب داخل القصة ؛ لان غياب احداها سيربك القصة ويغير مجراها.
المثير في قصة المعيزي هو ان كل جملة اتخدت موقعا خاصا بها؛ بهندسة جد دقيقة؛ فمنحت لساردة الحق في الكلام بتوزيع جغرافي جد دقيق؛ وبهندسة لم تسهم في كلام مجاني؛ فاصبحنا بذلك امام خطاب متكامل منسجم؛ بتنسيق جمالي احترم خصائص الكتابة القصصية بمفهومها الحديث. 

قيظ صيف هذه السنة له طعم آخر، فقد حاولت أن أسابق الزمن وأضع مسودة لإجازة لا تتحملها ميزانيتي المهترئة،
 حاولت قدر جهدي أن أحسن وضعيتي الإدارية، لكن الأمر كان صعبا جدا لأنه يقتضي تحسين خلق القائمين عليها ، رغم ذلك فقد عقدت العزم واستيقظت فجر يوم الجمعة أسابق نسائما تنبئني بجو حار لا يطاق . وضعت حقيبتي في السيارة بعدما تأكدت أن كل شيء على أحسن حال وتوكلت على الله .
لم أكد أتجاوز ضواحي المدينة حتى رن هاتفي ، أخدت المقود بيد و الأخرى تبحث في حقيبتي لتخنق الصوت المزعج المنبعث من المحمول ، كل مرة كنت أنوي تغيير موسيقاه بأخرى شعبية لربما تدخل الفرحة لهذا القلب الذي ألف النوم والإسترخاء على موسيقى بتهوفن وموزار،  لكن ضيق الوقت لا يترك لي الخيار، طبعا خالفت قانون السير وأجبت عن المكالمة . جاء صوت من بعيد يقول :
- هل أنت السيدة سعاد ?
قلت :
- نعم من معي ?
قال :
- وجدت حقيبة بها أوراقك الشخصية بما فيها وثائق سيارة ، هكذا ترين ، تحملت عناء الاتصال بك من مالي الخاص ، إن كان الأمر يهمك سأعاود الاتصال بك بعد ربع ساعة أحدد مبلغ تعبي وأترك لك الوثائق في مكان ما.

قطعت المكالمة وشرعت أبحث عن حقيبتي الجلدية الصغيرة، يا الله ...... أين هي ? تشتتث أفكاري ، جانبت السيارة وتوقفت، أحاول التركيز واسترجاع مسلسل الأحداث ، بعد مضي وقت قصير رن الهاتف من جديد قال المتكلم :
- سيدتي الفاضلة وجدت أيضا عقدا مهما باسمك ، لكن لايهم سيدتي أنا شاب عاطل عن العمل وأحتاج 200 درهم ، اعتبريها مساعدة ولاتفهميني غلط.
قلت والدموع في عيني :
- أين أنت ? أين الحقيبة ?
قال :
- في حمام السلام ...... سأترك كل البيانات المتعلقة بك لدى عاملة هناك
أدرت المقود واتجهت أبحت عن العنوان المقصود ، دلفت للحمام كمجنونة، استقبلتني سيدة بالتحية وسؤال في نفس الوقت .
هل أنت ......?
قلت :
- نعم ...... أنا تلك
قالت :
- يحدث هذا دائما ، المهم أن تؤدي الديون التي عليك وتأخدي كيسك البلاستيكي الذي تركه الشيخ أحمد بائع الملابس الداخلية للنساء، ألبسي قدك إواتيك ، واش حتى البكينيات  ب 200 درهم ، باش أتجوا بهم الحمام ...... .
دون أن أجيبها مددت لها المبلغ المطلوب ' منحتني الكيس  ، عدت للسيارة فتحته ، وجدت الحقيبة و أوراق السيارة بداخلها دون مبلغ 200 درهم الذي أضعه عادة داخل الأوراق  في حالة ما احتجته للبنزين،
عدت بخفي حنين لمنزلي ، وكان أول شيء فعلته أن سكبت قنينة ماء مثلج في جوفي وأنا أحبس حنقي.

فاطمة المعيزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق