المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

السبت، 17 نوفمبر 2018

دراسة مستقطعة من إعداد //عبدالرحمن الصوفي -'":؛!،،؟؛:/#!؟..،

دراسة نقدية مستقطعة لديوان ( جذبة الصمت ) للشاعر ( عبدالعظيم رطيبي ) Abdeladim Ratibi/ عنوان الدراسة  المستقطعة  (  الاحتمالات الديناميكية في الديوان / من علم الكلام إلى علم النفس     )  
                    بقلم : عبدالرحمن الصوفي المغرب   /////   الجزء الأول

------------------------      مقدمة ------------------------

لغة الشعر مشتقة من لغة الحياة ، فعالم اللغة والناقد الأدبي  شبيه بعالم الفزياء والكمياء والفن التشكيلي ، فإذا كنا في هذا الأخير ندرس نوعية الأصباغ والألوان في اللوحات وأقمشتها ، فالدور نفسه يقوم به الأركيولوجي وعالم طبقات الأرض في ميدان تخصصه  ، فواحد منطلقه المادة ( العالم ... والآخر ( الناقد ...)  منطلقه الفن ويخلصان في الاخير إلى درجة من العلمية  ..ويمكن أن نضيف أن اللغة الشعرية ليست لغة المعيارية ، فالاولى هي الوحيدة التي يمكن دراستها وتتبعها من زاويتين مختلفتين ، إحداهما باعتبارها أداة للتفكير ووسيلة للتواصل ،  والاخرى باعتبارها موضوعا للدراسة ، فاللهجة العامية مجموعة من الرموز الصوتية العرفية التي بها يتفاهم أبناؤها في بيئة محلية ، فيتفاعلون ويعبرون بها عن مشاعرهم وأفكارهم ...

-----------  المدخل البصري لديوان ( جذبة الصمت ) / الشاعر : عبدالعظيم رطيبي -------

بسم الله الرحمن الرحيم

ديوان " جذبة الصمت " للشاعر الزجال ( عبدالعظيم رطيبي ) يقع في 61 صفحة ، الغلاف من تصميم الفنان ( فؤاد العنيز ) ..قدم للديوان الأخ والصديق الغالي الدكتور ( خالد مساوي ) ، عنون تقديمه ب ( من أسطرة الصمت إلى الرؤية المقطرة للوجود ) ، كما بين الدكتور تقاطع مجموعة من الخطوط داخل ديوان ( جذبة الصمت ) ، بحيث تتحرك التجربة التخيلية  بهديها ووضحها في النقط التالية :

#   خط الصمت
#  خط الأسطورة
#   خط المهادنة
#  خط التقطير

لقد قسم الشاعر فهرس ديوانه إلى ثلاثة أقسام :
-  القسم الأول : " جذبة الكلام "
-  القسم الثاني : " جذبة الضو "
القسم الثالث : " جذبة العشق

القسم الأول "  جذبة الصمت " يضم خمس قصائد وهي كالتالي :
1  -  جذبة الصمت
2  - معشوقة الزجال
3  - لحرف الباهي
4  - لجام الحرف
5 - عنقود المحبة

الخمس قصائد للقسم الأول ستكون موضوع دراستنا المستقطعة ونعني به هذه الأخيرة أننا سندرس هذا القسم الاول من الديوان بمدخل واحد ، فأما لو درسنا الديوان بجميع المداخل الذرائعية لتجاوزت الدراسة الستين صفحة ( ويمكن العودة لدراساتنا الذرائعية المتكاملة المداخل ) ، ولأخذت منا كذلك مدة زمنية أطول مما تاخذه منا الدراسة المستقطعة ، وهذا لا يعني أننا غيبنا المداخل الأخرى ، بل حاضرة ونصب أعييننا ...

   -----------    الاحتمالات المتحركة ( من علم الكلام إلى علم النفس ) --------

1  -  جذبة الكلام / الجزء الأول من الدراسة المستقطعة

الكلام هو القول والخطاب الذي يحتوي على معنى معين ، ويظهر على شكل مجموعة من الأصوات المتتالية ، كما يشتمل الكلام على ألفاظ يستخدمها الإنسان للتعبير عن نفسه ومحيطه ، لذلك يمتلك الكلام أهمية كبيرة في الحياة . الكلام هو فن يرتكز على قواعد منها فن الاستماع أو فن الصمت  وفن الاهتمام بالآخر أو فن التواصل الروحي ...ونركز على أن الصمت نوعان :

- صمت سلبي وهو غير المقصود في الديوان ، فالجذبة حركة وصوت ، وسنبين هذا لا حقا

- صمت إيجابي يمنح صاحبه فرصة التأمل والتفكير  ، وهذا النوع من الصمت هو بداية علم الكلام

كتوجه فكري تأملي يدخل في صميم العالم الشعري لكل الشعراء . فالألفاظ لا تفيد في الكلام لوحدها حتى تؤلف في شكل خاص من التأليف ( جمل )  ، ويعمد بها إلى وجه من التركيب والترتيب والنظام الذي عليه تبنى وتفرغ فيه المعنى المرتبة ...فاللغة الشعرية رمز للعالم كما يتصوره الشاعر  ، وكذلك هي رمز لعالم الشاعر النفسي ..لغة الشعر عموما مجازية انفعالية ، لذلك قال ابن سينا ( كانت العرب تقول الشعر لوجهين : أحهما ليؤثر في النفس أمرا من الأمور التي تعد به ، نحو فعل او انفعال ، والثاني للعجب فقط ، فكانت تشبه كل شيء لتعجب بحسن التشبيه ) .

لنتأمل قصيدة ( عنقود المحبة ) ، يقول الشاعر :

سرحت ف الفيافي
كانبري على القوافي
ليل ونهار
لخلا والقفار
ما لقيت حرف ..
يسخن كتافي
بين شتا وسمايم
بقيت غادي هايم
من فدان لفدان
ف كل عرصة وجنان
حتى ركبت لدالية
م الحروف
شلة عناقد
شلة قطوف
قوافي مسرودة
وحدت تحنت في وحدة
ملقمة معاني

الشاعر الإنسان خاضع للكثير من ذاكرة الماضي سواء الشخصي أو الجمعي ، فهو ليس متحدثا إلا باسم الدوافع التي تخترقه في جذبة صمته ، إنه ضحية لتحديدات لا شعورية ، فكلام اﻹنسان بالضبط هو كلام مهووس ، أي مهوس به من طرف ( الهو ) ، الذي يعتبر ذاته في الإنسان عندما يحاول الإنسان أن يعبر عن ذاته سواء في الصمت الإيجابي أو في الكلام  ..والأدب عموما هو نفسه يعبر عن الذوبان للإنسان في عالم من البنيات التي تشترطه . وللإفصاح عن مكنونات كلام الصمت التجأ الشاعر إلى بناء الصور الشعرية كاساس ضرورة شعرية معتمدة على التشبيه والمجاز والاستعارة ...

ويضيف الشاعر قائلا في نفس القصيدة

طلقت عيني على حد الشوف
وجنيت لعشراني حروف
هكذا روام
مواليين صفوف
كلمة صافية
ف حق الصحبة
وكلمة شافية
تبرد حريق الجوف
كلمة للغابر
من رشوق الخاطر
يظهر ويشوف
وكلمة لاخاوة
المشروكة بالدم

تكيف الشاعر الإنسان مع المحيط الاجتماعي / عائلة / جماعة  الذي ينتمي إليه ( مؤسسة فن الشعر)، وبهذا المعنى يصبح جزءا من هذه المؤسسة وله مكانة فيها ...والانتماء إلى جماعة ما هو مشاطرة الأعضاء الآخرين قدرا من الأفكار والسمات المشتركة ، أو السمات المشتركة التي يتعرف فيها الفرد على ( أناه ) من خلال ( النحن ) ..والانتماء أيضا هو أن يتقمص ( الأنا ) ذاك ( النحن )، بحيث يستقي منه جزئيا هويته النفسية الاجتماعية . إذن اللغة الشعرية كائن اجتماعي عليها نعتمد تفجير طاقاتنا من خلال كشف طواعية وجماليات الكلمات ، فالمفردات اللغوية كائنات قابلة لأن تنظم في سياق من العلاقات الجمالية ، تتفاعل وتتناغم في مستوياتها الرئيسية ، اولها الكلمة بوصفها جرسا موسيقيا ، وثانيها الكلمة بوصفها دلالة اجتماعية ، وثالثها الكلمة بوصفها قابلية تشكيلية او تركيبية .

ولنتأمل مرة أخرى قصيدة ( لجام الحرف ) حيث يقول الشاعر :

ف عرق القلم ..
كان شهوتي
نسرح دم
نسيل في الورقة
مداد حرف مرزن
مكاد
ما يجيب لغيط
ما يدير نكاد
ساعة مياة تخميمة
وتخميمة
وضربة بالمقص

-------- " الجذبة " المكانية في ديوان " جذبة الصمت " للشاعر /عبدالعظيم رطيبي --------

تعرف كلمة " الجذبة " عند العامة في المغرب على أنها عزلة أو غربة مغادرة الذات ( غيبوبة ) طوعا أو كرها وتكون أسبابها نفسية سياسية اقتصادية وثقافية ...ارتبطت " الجذبة " بألوان موسيقية يعود تاريخها الى زمن العبودية مثل الموسيقي الكناوية ، وكذلك بالجماعات الطرقية الخارجة عن طاعة الزوايا مثل ألوان موسيقية عيساوية ، وحموشية ودرقاوية وجيلالية ... وكل هذه الأوان لها طقوسها الخاصة المستحضرة للجذبة من أنواع للذبائح وأنواع البخور والعطور وألوان اللباس واختيار اليوم في الأسوع ، واختيار كذلك الأسبوع في الشهر ..الجذبة في طابعها تفريغ لثقل هموم الإنسان وطبع الخوف من المستقبل ....

ونسجل في الموروث الشعري الزجلي عدة قصائد ذات نغمي ( الجذبة ) ، ولم تخل منه كذلك قصائد ألوان العيطة في المغرب ، لدرجة أن هذه الظاهرة كانت غزيرة الانتاج في تاريخ قبيل دخول المستعمر الفرنسي إلى المغرب ..وبفضل هذه الظاهرة ازدهر الأدب الشعبي وتألق قصائد تيمة " الحزن/ الذات" و " وكلام الحق " و " والحلول " و " الزيارة " ...فجذبة الصمت هي صوت زلزال وحركات تكتونية باطنية ، وبركان لغوي ناطق وواصف وراصد ...

لنتأمل جميعا القصيدة الأولى في الديوان ( جذبة الصمت ) يقول الشاعر :

ف الصمت ..
كاين تسبيح
ف الصمت
شحال من حلمة
كاتوقف وتطيع
ف الصمت ..
سؤال
جوابو : شكون ؟
ف الصمت
زجال
على كتافوهم
بقياس الكون

فحين نتأمل مظاهرة الجذبة المكانية ( أي الغربة في الذات ) ، نجد لها دوافع وخصائص كلها مرتبطة بالظروف التي أحاطت بإنتاج النص خاصة والديوان عموما ، والشعراء حين كانوا يغادرون ذواتهم في إبداعاتهم يغادرونها مكرهين ، ومن ثم كانوا يحسون بالانكسار والحزن ، ذلك أنهم كانوا يغادرون أشاء كثيرة منها الاقصاء والتهميش ، ووجدت هذه الظاهرة في الشعر العربي الفصيح ، يقول الشاعر " أبو قطيفة " :

         أقطع الدهر كله باكتئاب    ///    وزفير فما أكاد أنام
         نحو قومي إذ فرقت بينا ال ---دار وحادث عن قصدها الأحلام

فمن طبع اﻹنسان أن يحن عقلا ووجدانا إلى مصادر ذاته المحتاجة للخروج من الزمن إلى اللازمن أي الهجرة داخل النفس الفردية والاعتصام بها .

لنتأمل  قصيدة ( لجام الحرف ) الصفحة / 16 ، يقول الشاعر :

ف عرق القلم
كان شهوتي
نسرح دم
نسيل في الورقة
مداد
حرف مرزن
مكاد
ما يجيب لغيط
ما يدير نكاد
ساعة مياة تخميمة
وتخميمة
وضربة بالمقص
تراجلوا الحروف
وبان المعنى
شحيح
ما كافي
لا سد أفام
ولا غطى كتافي
لله ياحرفي
خليك حر
بالغمزة
كن ليف
نكون همزة
كن همة
وشان
ما شي شوكة
ف كدم الزمان
مدكوك دراع

أحاسيس نصية تحيلنا على أدب الغرباء ، وأول كتاب حمل هذا الاسم ( كتاب الغرباء ) لأبي فرج الاصفهاني ، فالقصيدة غربة في الذات الشاعرة ، ويورد الاصفهاني تنوع مثل هذه الأشعار فمنها ما كتب بالفحم ، أو بالحبر ، والقلم ، أو الحمرة ، أو نجرا في الخشب ، أو نقرا في جبل ، او حفرا على حجر أو شجر ، أو جص ..ففي القصيدة اللغة وسيلة لأداء المعاني والأفكار . لا تتجاوز مفرداتها الدالة على المعاني التي وضعت لها في الأصل ، ولا تتعدى تراكيبها الوقوع على المعاني ، ولا تعني صورها واساليبها التفنن فيها فقط بل ثم مراعاة الذوق العام والعرف الجاري عند العامة ..

---------------------------  خاتمة ----------------------

سيظل موضوع لعبة اللغة في الإبداع اﻷدبي شاغل النقاد الأول ، فاللغة عندما تبنى وتركب في إطار تكوين أدبي متكامل ، تفجر طاقاتها التشكيلية والتمثيلية والبلاغية والدلالية . فاللغة بهذه الكفاءة ، وبمستويات مختلفة ، هي التي تحدد منظور كل عمل أدبي في مواجهة الواقع ، قد يكون النص الأدبي غارقا في الخيال ، ولكنه في عمقه غير منفصل عن الواقع بلغته الثرية المحمة يكون متفاعلا مع الواقع ، ويصبح العمل الادبي مصنوعا صنعة تسحر العقول .

------------------------------------------------------------------
               عبدالرحمن الصوفي /  المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق