المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الأحد، 6 سبتمبر 2020

سأموت ‏إن ‏لم ‏أر ‏جنازة ‏أمي ‏/// ‏قصص ‏من ‏الواقع ‏/// ‏بقلم ‏: ‏محمد ‏مهداوي ‏🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽

…….سأموت إن لم أر جنازة أمي…29/03/2019

...........قصص من الواقع............

تراه كالنحلة يجوب الشوارع دربا دربا دون لأي أو ملل، متأبطا هاتفه الذكي ،عيناه الصقريتان تراقبان كل صغيرة وكبيرة ،إنه سكانير مصغر، يمسح جميع مساحات مدينته على الأقدام،يجالس هذا ويواسي الآخر ويقدم يد المساعدة  لمن يحتاج إليها ، فغالبا ما تجده يجمع بين الحسنيين :الهاتف والوالدة…
كثيرا ما يتكفل هو بنفسه بدفع العربة التي تجلس عليها أمه ،المستسلمة لشلل الحركة ، يجول ويصول بها في شوارع المدينة ،تتملى بجمال بناياتها وتستأنس بالمارة جيئة وذهابا...وبين الحين والآخر يلتقط سيلفي مع أمه مبتسما،وفي كل مرة يقول في قرارة نفسه..قد يكون هذا آخر سلفي معها...يتعوذ من  الشيطان الرجيم ثم يتابع دفع العربة إلى مالا نهاية…
     فجأة سمع السي ميمون رنين  هاتفه :
- السلام عليكم ؟
-وعليكم السلام ...من المتكلم؟
-صديقك رضى من بروكسيل.
- أهلا وسهلا ...ما بال صوتك محشرجا...ما  دهاك أخي ؟
 -توفيت والدتي اليوم وستوارى الثرى ظهرا...
- ماذا تفعل في بروكسيل.إذن..إنها أمك...يجب أن تحضر مراسيم الدفن…
أجهش رضى في البكاء ردحا من الزمان ،اعتقد السي ميمون  أنه غادره ...لكن فجأة  تابع كلامه قائلا:
-لا أستطيع يا السي ميمون ….لا أستطيع…رجلاي مكبلتان...
-إن كان مشكلا ماديا سنتكفل به...الأيادي البيضاء لم تفقد بعد أخي...تشجع…
-المشكلة أخي ميمون...أنني لا أملك وثائق الاقامة...أنا حارگ…
ودخل في نوبة بكاء هستيرية….
استجمع السي ميمون فرائصه وقال له:
- ما العمل أخي رضى...هل باستطاعتي تقديم مساعدة لك…
-نعم ...هو أغلى وأسمى عمل ستقوم به ...لن أنسى لك هذا الجميل أبدا…سيكون دينا يكبل رقبتي...
أنا مستعد للتضحية من أجلك صديقي رضى...تفضل أعرب عن نواياك...
بلع رضى ما تبقى من ريقه ،لملم أنصاف الحروف التي كانت هائمة بيت شدقيه وقال:
-أريدك أخي ميمون أن تحضر جنازة والدتي وتصورلي لحظات توديعها إلى مثواها الأخير ...وستكون بذلك قد قدمت لي أعظم هدية في حياتي...
ارتبك السي ميمون للحظات...مسح دمعة شاردة من عينه اليمنى...ثم واصل كلامه وفي نفسه غصة قاتلة:
-سأفعل أخي رضى...سأفعل مهما كلفني ذلك من جهد...لأول مرة أحس بقيمة العمل الذي أؤديه ...لن أتخاذل في تلبية طلبك أخي رضى...
هكذا أنهى السي ميمون كلامه، مع رضى ...اقترب من كرسي خشبي وجلس عليه برهة من الزمان،استجمع خلالها كامل قواه...تفقد كاميرته...ثم تابع مسيره رفقة أمه نحو المنزل ...دون أن ينبس ببنت شفة ...
قبل صلاة الظهر بساعة  ونصف،اتجه السي ميمون مترجلا إلى منزل المرحومة ...عزى أفراد العائلة،ثم فتح عدسة هاتفه ،وشرع في التصوير بطريقة مباشرة كل مراحل الجنازة صورة صورة حتى وريت أم رضى إلى مثواها الأخير…
كان رضى يتابع على المباشر الموكب الجنائزي لأمه من بروكسيل  والدموع لم تتوقف ...بكى بحرقة الأطفال ...وأحس أن الخيمة التي كان يحتمي تحت ظلالها قد دكت بالأرض...رفع يديه إلى المولى عز وجل وقال متخشعا: مثواك الجنة أمي...مثواك الجنة أمي...مثواك الجنة أمي...أعادها ثلاث مرات ثم دخل في غيبوبة بكاء لا حدود لها…
    أنهى السي ميمون النقل المباشر للموكب الجنائزي...ثم غادر الجمع في صمت مطبق...فرغم التعب الذي أحس به إلا أنه حث رجليه على السرعة،لأن أمه تنتظره على أحر من الجمر ولا تستطيع النوم قبل التملي بطلعته البهية…

                       بقلم محمد مهداوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق