المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الأحد، 20 سبتمبر 2020

دراسة ‏نقدية ‏ذرائعية ‏مستقطعة ‏/// ‏عبدالرحمان ‏الصوفي ‏

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان " ثلاثة أرباع قلب " ل " سعاد بازي المرابط " عنوان الدراسة النقدية المستقطة : " فلسفة الانزياح نحو الرمز والخيال في قصائد ديوان " ثلاثة أرباع قلب " .

الدراسة النقدية من إعداد : عبدالرحمن الصوفي المغرب

أولا – التقديم :

اللغة العربية كائن مطاوع ، تتسع لكل أشكال اﻷدب والشعر الفنون ، ولها قدرة فائقة على المطاوعة المساعدة على التجديد والابتكار في أدبها وشعرها . لا يمكن لدارس أن يتجاهل التطور الكبير الذي عرفه اﻷدب العربي عبر التاريخ  ، من خلال فعل الاحتكاك بثقافات أخرى . ولا يمكن لأحد ان يتجاهل أهمية الابتكار في مجالات اﻷدب والفن عموما ، فالابتكارات فيه  تضاهي الابتكارات  في المجالات العلمية ، لأن الأدب والفن يشكلان قاطرة ثقافية لتنمية  رصيد حضاري ، لمجتمع مبدع ، يحركه هاجس الابتكار والخلق . كما أن تاريخ اﻷدب العالمي يشهد على أن الابتكار في اﻷدب والفن قد أسهم في التأسيس للعديد من الابتكارات ، والاختراعات التي أخرجت الإنسانية من عصر الظلمات ، وأدخلتهم إلى عصر الأنوار ، ويشهد التاريخ كذلك على أن الابتكارات اﻷدبية دعمت العلم والعلوم بالكثير من الإنتاجات أدبية التي هي من محض الخيال . لقد تطرق " قدامة بن جعفر " لموضوع التجديد والابتكار في الأدب العربي من خلال رأيه في ( المادة و الصورة ) ، حيث يقول : " ... المعاني كلها معرضة للشاعر ، وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر ، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه ، فإذا كانت المعاني الشعرية بمنزلة المادة الموضوعة ، والشعر فيها كالصورة ، كما يوجد في كل صناعة ، من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها ، مثل الخشب للنجارة ، والفضة للصياغة ، وعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة والرفث والنزاهة ... أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة ... " ( 1 )
اللغة العربية تعيش مع المبدع كل أنواع أحاسيسه ومشاعره ، ومنها أنها تعيش معه حين يصارع أمواج القلق المتحرك ، وكذلك حين يكون على حافة التناقضات المتصارعة من أجل الوصول إلى المستحيل الممكن تحويله حقيقة  ، فالحيرة مشروعة ، واللغة مفتاح مجال التأملات ، والحزن والقلق والتفاؤل النار الهادئة التي يستوي عليها الإبداع ...
تعيش اللغة مع المبدع اللحظات التي تلف رؤاه التعب والحيرة والحقيقة والوهم والوضوح والغموض والقلق والفرح ... لذلك نجد قلق الشاعر يفوق قلق المنتجين اﻵخرين في الميادين الفكرية والثقافية  الأخرى  .

ثانيا : توطئة :

يقدم " عبدالرزاق عودة الغالبي رأيه  حول الخيال وأبعاده " : " ... فكرة البعد الرابع المكاني ووجود مكان آخر أعلى من عالمنا ثلاثي الأبعاد هي من أفكار الأوربيين خلال الثورة الصناعية الأولى والثانية في القرن التاسع عشر كما أسلفنا ، حيث انبثقت من تطور علم الرياضيات والهندسة ورياضيات المنحنيات والسطوح الأهليجية أو ما يطلق عليه علم الرياضيات والهندسة اللاإقليدية ، وتلعب الهندسة الإهليليجية دورًا هامًّا في النظرية النسبية وفي هندسة الفضاء الزماني . لقد ظلت هندسة إقليدس تمثل أسس علم الهندسة على مدى بعيد من السنين ، ومن أبرز مميزاتها أنها لا تستعمل سوى المسطرة والفرجال لإنشاء الأشكال ، ولا تأخذ بعين الاعتبار القياسات أثناء الحركة ، لكن التطور الصناعي والعلمي أدى إلى ظهور مسائل هندسية لم يتم حلها إلا في القرن التاسع عشر ، ومن هذه المسائل تقسيم زاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية ، إنشاء مكعب حجمه ضعف حجم مكعب معلوم ، وإنشاء مربع مساحته تساوي مساحة دائرة معينة ، وهذه المسائل يستحيل حلّها باستعمال المسطرة و الفرجال فقط . وحينما قسّم الله الوجود واقعًا وخيالًا ، الواقع مفهوم بزمكانيته الملموسة ، والخيال معروف بمكانيّة المجهولة لا تخرج عن العقل البشري بمقارنتها مع محتويات التكوينات وسكان الواقع ، لذلك ينزاح الخيال نحو الواقع لو توفرت الظروف المتشابهة في العالمين ، وما دام الواقع يمتلك سكانًا ومكونات ملموسة إذًا تصوّرها في الخيال يتمّ في العقل بشكل متباين ، والسؤال الذي يطرح نفسه :
- هل هناك خيال لا يمتلك مكونات الواقع...؟
- وهل بالإمكان تصوّر حدود هذا الخيال ومكوناته....؟ " ( 2)
تعتبر هذه التوطئة منطلقنا النظري الذرائعيى في ذراسة ثلاثي ( الرمز والانزياح والخيال ) في نصوص ديوان " ثلاثة أرباع قلب " .

ثالثا - المدخل البصري لديوان " ثلاثة أرباع قلب " :

ديوان " ثلاثة أرباع قلب " ( الطبعة الأولى 2017 ) ، وهو الديوان الثاني بعد ديوان " تأشيرة باب الحياة " .
الديوان متوسط الحجم ، يضم 99 صفحة ، تجمع الإهداء والتقديم وتسع وثلاثين نصا شعريا نثريا ، نذكر منها : ( أتخشى الكلام ؟ / آخر اجتياح / أقاتلة أنا / الكياسة سياسة / أنا غائمة / بانتظار قصيدة متمردة / تلك هي ساعتي / ثلاثة أرباع قلب / حب على الرصيف / حب على المقاس...) .
أما علامات الترقيم في نصوص الديوان فتتوزع بين النقطة والفاصلة والحذف وعلامة الاستفهام ( لم لا تكتب لي من على صهوة حصان ؟ / لم لا تكتب لي من تحت مظلة بثقوب ؟ / أو مظلة شفافة ، قصيدة شفافة ؟ / وشما بصدور الذين فتحوا لي صدورهم ؟ / لم تنبض في وأنا لست ذكية ؟ / فهل أنتظر ؟ / لا تسألني لمن أكتب ؟ ) .
يقول جنان : " ... المجموعة الشعرية " ثلاثة أرباع قلب " متجانسة النصوص من حيث الموضوع أو ما يصطلح عليه بالوحدة العضوية للنصوص . بمعنى أن المجموعة الشعرية يربط نصوصها خيط ناظم ضمن رؤية واضحة .
و المجموعة الشعرية ( ثلاثة أرباع قلب ) تدخل ضمن هذا القسم . إذ نجد بناءها مثل خيمة تحتوي على :
- العماد الرئيسي أو ما يصطلح عليه في العامية ب : (الْحُمَّارْ)، و تمثله القصيدة التي تحمل نفس عنوان المجموعة .ص 27 = الأوتاد التي تشد العماد و هي أربعة .
1 - الهجوم : و تمثله القصائد : - أتخشى المواجهة ؟ ص 110 / أقاتلة أنا ؟ ص 15 .
2 - النفي / الرفض : و تمثله القصائد : - لن أغادر المكان . ص 58 / لن أكون ناعمة . ص 61 / لن ألتفت . ص 63 .
3 - السؤال الحلم : و تمثله القصائد : - هل أتعود على الرغد ؟ ص 79 / هل أنتظر ؟ ص 81 / و لا أكتب إلا لك . ص 89 .
4 - الرضى : و تمثلها القصائد : أنا غائمة . ص 20 / بانتظار قصيدة متمردة . ص 23 / طوق الوفاء . ص 45
و باقي النصوص هي مؤثثات تناسب كل وتد من الأوتاد الأربعة . لتختم الشاعرة المجموعة بقصيدة تلخص الحكاية : لو سألوك ص 95 ...) . (3 )

رابعا - السيرة الذاتية للشاعرة " سعاد بازي المرابط  :

-  من مواليد مدينة تطوان
-  أستاذة : اللغة العربية
-  صدر لها ديوان " تأشيرة باب الحياة " ، وديوان " ثلاثة ارباع قلب "
-  كاتبة عامة لجمعيتي : - جمعية البهاوي لداء الصرع .
-  جمعية صانعات الحياة
-  تنشر بجرائد ورقية وإليكترونية .

خامسا  - العتبة  / العنوان / تناص الدهشة العنوانية :

عتبة العنوان هي صنع الدهشة البعيدة عن محاكاة الحياة بقواعدها ورتابتها ، بل الدهشة التي تجعل المبدع يعيد ويجيد الصناعة والخلق ، والغاية طبعا إدهاش القارئ من خلال الإمتاع ، وشده لبؤرة عنوان ” معقد ” يدخله إلى عالم نصي واضح المعالم ، أي احتواؤه على رموز صغيرة متشابكة تصنع منظومة ثقافية مدهشة ، فتغدو معها النصوص صامدة أمام الزمن محمية ببوابة عنوانية عتيدة ومدهشة .
يمكن أن تحلينا الاحتمالات المتحركة لمضمون العنوان إلى الإرث في الإسلام ووضع المرأة فيه . فنجد المرأة بعد وفاة الزوج  :
" تأخذ الزوجة الربع كاملا ، ثم تبقى ثلاثة أرباع : للأب ربعان ( وهما النصف ) وللأم ربع ( وهو نصف النصف ) فتتساوى مع الزوجة ، بينما أعطاها ظاهرُ القرآن ثلث التركة كاملا ، والثلث أكبر من الربع ، وأكبر من نصف النصف ..." ( 4 )
يمكن أن تحلينا الاحتمالات المتحركة للعنوان  على الموسيقى خاصة "... مقام الراست : يعني بالفارسية والكوردية : المستقيم التحويلات : مي نص بيمول + سي نص بيمول وعند العودة من الجواب تعزف سي بيمول .. أما الأبعاد بعد - ثلاثة ارباع البعد - ثلاثة ارباع البعد - بعد - بعد - ثلاثة ارباع البعد - ثلاثة ارباع البعد .. وسمي بالراست (المستقيم) لأنه يصعد على السلم الموسيقي ويهبط بشكل أبعاد متساوية.
البياتي ري : أي التحويلات : مي نص بيمول + سي بيمول الأبعاد : ثلاثة ارباع البعد - ثلاثة ارباع البعد - بعد - بعد - نص بعد - بعد – بعد ...( 5 )
ويمكن أن تذهب بنا الاحتمالات إلى تناص لثلاثة أرباع مع مكونات كثيرة ، نذكر منها :
-يتكون سطح الارض من اليابسة والمياه ، حيث ان نسبه المياه 3/4 واليابسة 1/4 من الكرة الارضية . اليابسة على سطح الكرة الارضية . ومذلك نسبة السوائل ( الماء ) في جسم الإنسان . وكذلك نسبة السوائل في قلب الإنسان وغيرها من الاحتمالات الكثيرة .
يقول " عبدالعزيز حنان " في لوحة الغلاف : " في العديد من الإصدارات تأتي صورة الغلاف الأولى بعيدة عن مضمون النصوص ، المهم صورة تؤثث الغلاف قد تكون لها جاذبية لكن ، لا ارتباط لها بعالم مضمون الإصدار .
و في كثير من الأحيان تأتي قراءة هذه الصورة ( صورة الغالاف ) مناقضة لهذا المضمون . بعض الإخوة الذين يتفضلون بهذه القراءة ، يطنبون في المدح و لَيِّ مضمونها لتناسب الإصدار ، أو دون تقديم العلاقة بين النصوص و الصورة .
في المجموعة الشعرية ( ثلاثة أرباع قلب ) أول ما يمكن تسجيله أن صاحبة اللوحة التشكيلية ، هي الفنانة " أمامه سحر" . إذ تتماهى الفنانة التشكيلية مع رؤية الشاعرة من خلال الانتماء النوعي .
فمن خلال اللوحة نلمس استضمار الفنانة التشكيلية للنصوص و أنها تشربت دلالاتها من خلال مواقف الشاعرة لتنتهي إلى وضع معالم اللوحة .
أرضية اللوحة أخضر . قوي على مساحة المحيط خفيف على صدر اللوحة . و كأن ما ينطلق من ذاتَيِ اللوحة يؤثر على قوة اللون دون أن يلغيه .
فالأخضر لون الحياة ، و تأثيره على النفس عميق ، كما توصل العلماء إلى قرار قاطع من أن اللون الوحيد الذي يجلب السرور إلى النفس و الانتعاش في الفكر هو اللون الأخضر الذي يتواجد في أكثر من مكان في الطبيعة . و من الملاحظ أن هذا اللون يتوسط ألوان الطيف السبعة في قوس قزح .
في اللوحات القديمة استخدم الأخضر بكثرة ، فلا تكاد لوحة تخلو منه ، حتى لو رسم الفنان وجهاً لشخصية معروفة ، أو متخيلة يأتي المشهد الخلفي بالأخضر أساسيا في اللوحة ، والذي غالباً ما يكون منظراً طبيعياً، مثل
لوحة «إليدا والبجعة» للفنان ليوناردو دافنشي ، «عذراء الصخور» . كما استخدمه الفنان مايكل أنجلو حين رسم على سقف كنيسة «سيستان» في الفاتيكان، في أكثر من منطقة مثل شجرة التفاح التي طردت آدم من الجنة. وعموماً فإن الاستخدام لهذا اللون متعدد ، وقد يبدو أساسيا ، فعندنا يستغني الفنان عن الطبيعة ، قد يكسو به خلفية لوحته .
اللوحة : تحت الظلال ، هو يمد يده نحو الأعلى يقطف الثمار أو يستجمع باليد اليسرى الأقرب إلى القلب ، أطياف النور / الأمل المنبعث يتدفق منه أليها من خلال إمساكه بالمعصم حيث النبض قويا و ليس باليد كلها .و غلالة نور تحيط بهما تحول اللون الأخضر إلى طيف خفيف .
ملامح الوجهين تطفح بالبشر و ابتسامة رضى تشكل الشفاه . و لا بد من ملاحظة الإيشارب يمتد من صدر النثى للجيد لكتف الرجل لساعد يده .
ألوان باقي المكونات متناسقة بلا نشاز البني يجانب الأبيض ثم الأسود فالبنفسجي ، ألوان تليق بالعمر المفترض لشخصتي اللوحة من خلال الشعر الأسود بلا أدنى شهرة شيب .
إلى هنا اللوحة متناغمة لكن ، هل اعتباطا أو صدفة أن يأتي طول الْهُوَ أكبر قليلا من طول الْهِيَ ؟؟؟
و هل اعتباطا أو صدفة أن تستند الْهِيَ على كتف الْهُوَ ؟؟؟
ركزوا على اللوحة و أنتم تسافرون مع النصوص لاستجلاء الأمر .
قد يكون مجرد سؤال لعله يستفز المتلقي لطرح أسئلة مغايرة و إعطاء إجابات غير متوقعة من خلال لوحة الغلاف الأولى .
و هذا هو فِعْل القراءة ، و سواه مجرد عبث ...
الوجه الأخير من الغلاف : استمرار سيطرة اللون الأخضر امتدادا للصفحة الأولى مع اختيار لمقطع من القصيدة العُمدة " ثلاثة أربع قلب " تؤطر العلاقة أو جزء من العلاقة بين الْهُوَ و الْهِيَ .
هذا المقطع يشكل الخطوط العريضة للرحلة أو قل هي المرشد الذي يبين للقارئ مسالك و دروب الحكاية ... ( 6 ) .

سادسا : فلسفة الرمز / تكنيك الصناعة الرمزية في ديوان "
 ثلاثة أرباع قلب " :

1 - تكنيك الصناعة الرمزية :

احتلت فلسفة الرمز في قصائد ديوان " ثلاثة أرباع قلب " مكانة مهمة ، ونقصد بها الفضاء الفلسفي الذي يوحي به الرمز الشعري ، ولا نريد هنا بالفلسفة التأسيسَ على قواعدها الصارمة المرتكزة على العلة والمعلول ، والاستقراء والاستنتاج ، والتنظير والتقعيد ، وإنما نقصد الكيان الفلسفي  بمضمونه التأملي الأقرب إلى فضاء الشعر وعوالمه الرحبة . تعتمد الصنعة الشعرية عند " سعاد بازي " تيكنيكا يزيل الخصومة والحدود بين الشعري والفلسفي . حيث يصبح الشعر الحقيقي في جوهره فلسفة أصيلة ، وأن الفلسفة الحقيقية هي في جوهرها شعر أصيل ... ( 7 )

لنتأمل معا نص " لن أغادر المكان " / الصفحة : 58

لم أكن أرتب كلمات قصيدة ،
فأنا لا أحب القصائد الأنيقة
بربطات عنق
وبدلات ماركات بتوقيع
ولا بقمصان مكوية .
كنت فقط أرتق إزار الغياب الشامل
تلك الثقوب يتسرب منها البلل
يتسرب منها الملل .

نلاحظ في قصيدتها بعدين في رمزيتها الفلسفية التأملية : الانطولوجي (الوجودي) ، كظاهرة  بارزة في هذه القصيدة وغيرها من القصائد الأخرى ( غادر تلك المنطقة الوسطى / غادر ذلك الحذر المريض / دع تلك الخطط وطرق التنفيذ / مزق رداء عاطفة صقيعية / ص 56 ) . رموز شعرية تتنوع باختلاف الموقع ( البؤرة والهامش ) ، ولونا وحركة وسكونا ، وسوادا وبياضا ( فضاء الورقة ) ، وهدا يدل على أن الشاعرة عمّقت في ديوانها فلسفة منحاها الرمزي الواضح...

لمن أحكم الأقفال على الحواس
مدثرة بتلابيب راهبة
من دير يجدد البيعة
جثة بلا كفن
مشدودة الحزام
كجندي مرابض عند حدود وهمية

أما البعد الثاني فيتجلى في البعد الإبستمولوجي / المعرفي ، أي أن فلسفة الرمز في قصيدتها ، ليست تجريدية بحتة ، فهي  تمزج  بين الرمزية الوجودية و الرومانسية ، مصحوبة بالواقعية ، وهذا التكنيك يتجول بنا بين الذاتي و المجتمعي ...

ونقرأ لها في نص " على خد الحرف " / الصفحة 47

قبلة واحدة على خد الحرف
تكفي
ليرش حرفي " شانيل " أنوثته من محابر
المداد
تكفي
ليقضم حرفي حبل المسافات
ليجتاح المسافات
ليجتاح المدى
ليقطع وريد البعاد .
قبلة واحدة على خد الحرف تكفي

يطبع فلسفة الرمز عند الشاعرة الإبهام الذي لا يُربك ولا ينفر المتقي ، وإنما يجذبه ليدخل طقوس القصيدة ...فبعض القصائد تبدأ واقعية ، ثم تنتهي رمزية وجودية ..

ستغادر حروفي البرك الراكدة .
ستجلس على حافة جدول رقراق
تشرب قهوتها
تنفث سجارتها .
وتضاهي قصائدك التي ترمي لها
طعم الغواية .

الرمز الشعري إذن يحضر المعنى بطبيعة تتعدد أوجهها ، حيث تخضع للتأويل ( تحكما وضبطا ) ، أي يتحكم في توجيه  مآلاته الدلالية . يلعب الرمز في بعض نصوص ديوان ثلاثة أرباع قلب " دور رابط ووسيط الذي ينظم الخيال والانزياح  والصورة الشعرية
يقول أدونيس :" ... بعيدا عن تخوم القصيدة ، بعيدا عن نصها المباشر ، لا يكون رمزا. الرمز هو ما يتيح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص . فالرمز هو قبل كل شيء معنى خفي وإيحائي ، إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة ، أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة . إنه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له ، لذلك هو إضاءة للوجود المعتم واندفاع صوب الجوهر ..." (8 )

2 - تكنيك الرمزية وهواجس الكتابة :

اتخذت الشاعرة لنفسها هواجس للكتابة ، فبعض القصائد في ديوانها " ثلاثة أرباع قلب " تبدأ واقعية وتنتهي رومانسية ، وأخرى تبدأ رومانسية وتنتهي وجودية أو واقعية ، هو تكنيك شاعرة متمردة على صيغة التدوينة الواحدة ، أو انتظامها في سياقات كتابية وحيدة تتموقع داخلها ، إن كتاباتها لا تختارها مسبقا ، أي كيف ينبغي أن تكون ، وبهذا فهي لا تخضعها لخريطة طريق ، فعمق العملية الإبداعية عندها  سيرورة للكتابة .

تقول الشاعرة في نص " رغما عني " الصفحة 39

لن أقول أن المشوار مضن
لن أصدق أن الطائرة نفذ وقودها
والمطار بعيد عني .
السفينة ستجد المرفأ
سأحتفي بالوصول
بيني وبيني .
من قال لست حائرة
بين شوقي وظني
لن أخنق فرحة قلبي
وقد كان يأمل يوما أن يغني

لقد ابتدعت الثقافة الذكورية المتسلطة في مجتمعاتنا العربية دونية المرأة ، فخلقت ما سمي بالأدب النسوي . في الإبداع لا يعنينا في النظرية الذرائعية جنس صاحبه ( ذكر أو أنثى أو عمره … ) .فالكتابة هي الكتابة ، والنص هو النص ، والمحك الحقيقي للحكم عليه هو محك جمالي .
إن وظيفة فلسفة الرمز عند الشاعرة في قصيدتها ليس محاكاة للواقع رغبة في تجميله ، بل وظيفتها تعريته ورؤيته من الداخل ( سأستورد كلمات من لغة موليير / سأستورد من لغات ليست من شأني / لن أعود لسجني / سأعيش الحياة / كنت قبلها مت أو كأني ) . الشعر قادر على فتح طرقات جديدة وآفاق تسألنا وتسائلنا . يقول "عبدالعزيز حنان " حول التجربة الشعرية لسعاد بازي  : "... كتابة نسائية تتجاوز  التصنيف . و لولا بعض الإشارات الطفيفة لما أمكن التمييز هل الكتابة لامرأة أو لرجل ، ويمكن تقسم هذا الصنف المنفلت من التصنيف إلى نوعين :
-  نوع تعمد اختيار هذا المسار بدعوى تكسير الطابوهات و الارتقاء إلى تحطيم كل الفوارق الوهمية حسب قناعاتها و الدخول فيما يسمى – الحداثة – بكل جرأة و الانتصار لمبادئ التقدمية بكل شعاراتها . و هذه الكتابة نجد فيها إغراقا في تمثُّل النماذج الغربية ( مثلها مثل الرجل في مرحلة ما بعد صدمة الحداثة كما يعبر عنها أدونيس في الجزء الثالث من مؤلفه الثابت و المتحول ) . فكان المضمون يغلب على الجانب الإبداعي حيث تأتي الكثير من الكتابات على شكل بيانات .
-  نوع استلهم الانتماء الإنساني كمدخل لكتابه فكان هذا الوعي بالانتماء مدخلا للكتابة و الإبداع . فعبّر بإبداع متميز عن هذا الانتماء و كان إضافة نوعية للإبداع الإنساني بلمسة تتجاوز الارتكان للنوع ... ( 9 )

سابعا : الانزياح / نظرية التقابلات الرياضية في ديوان " ثلاثة أرباع قلب " .

والانزياح الشعري يمتاز عن غيره من أشكال الانزياحات الأخرى ، في كونه يحقق قيمة جمالية ، ترتبط ارتباط مباشراً بالدلالة وفواعلها النشطة ، ولهذا يرى البعض " أن التعرف على المعنى يتأتى من بيان الموقف الذي يقال فيه الكلام ، وآخرون يحددونه بمجاورة الكلمة لغيرها من الكلمات في السياق ؛ في حين أن المعنى يتولد – بفعل الخرق للاستعمال العادي للغة ، هذا الخرق الذي يشحن اللغة أو الخطاب الشعري الشعري بطاقات أسلوبية جمالية تحدث تأثيراً خاصاً في المتلقي ؛ وهو ما نجده في الفنون الأدبية كالشعر مثلاً ، أي لا يهتم الشاعر في حديثه بالحقيقة بقدر ما يهتم بإدخال البهجة في نفس المتلقي ، فينتج عن هذا انزياح لغوي ، واضح تتراوح معه الدلالة من معنى إلى آخر ، باعتبار أن الكلام هو تحقيق لهذه اللغة فقد ساعد على حصر مجال الأسلوبية بالبحث في العبارة ، أو النص ، أو الرسالة ، أو الخطاب ، لأجل تقصي الأثر الذي تتركه في نفس المتلقي ؛ هذا الأثر الذي يختلف في كل مرة استناداً لمقام استعماله ، ما ينجر عنه عدول تركيبي لغوي يعدل معه المعنى. وتتحقق معه الصفة الإنسانية للغة ؛ باعتبار أن الإنسان في جهد دائم لتطوير لغته ؛ لأن هذا الثراء الدلالي يكسب اللغة قيمتها هذا بالإضافة إلى خصائص أخرى تتميز بها اللغة ... " ( 10 )

تقول الشاعرة في قصيدة " ثلاثة أرباع قلب " الصفحة  : 27

ثلاثة الأرباع لك
والربع لي عنك ممنوع
ثلاثة الأرباع لك
الربع لي حق مشروع
سأترك لك فرصة الرجوع
لا أريد خسارتك
قد يعيدك الفضول
لشبر أغوار الممنوع
قد تعرج غرب الحكاية
قد تغمرك رمال تلك الصحراء
جنوبا بلا نهاية

نؤكد على أن الانزياح التقابلي الرياضي متجذر في الفكر البشري ، فنجدها جسمت في أشكال هندسية تدعى بالمربع المنطقي ، وهذا الأشكال الهندسية كان لها دور كبير في تعيين مواقع الحدود ، وطبيعة العلاقات فيما بينها . والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل عرف الشعر العربي التقابلات الهندسية أو تقابلات رياضية  (( قصائد تتخذ شكل رسوم هندسية ) أو انزياحات لتقابلات رياضية ؟؟ ))

قد تستيقظ شرق الكحلية
كل الاتجاهات مفتوحة
مشرعة أبواب الغواية
معذور
لأنك لم تمسك خيط البداية
سيبقى الربع مواريا
أكسر به هر الملل بهذه الحكاية
من يدري ؟
قظ تعود من جديد
لن يكون غيرك بطلا للرواية

ليس غريبا أن تعيش انزياحات في بعض نصوص ديوان " ثلاثة أرباع قلب " على حافة القلق المتحرك ، وعلى حافة التناقضات المتصارعة من أجل الملموس الكوني الوجود البعيد المنال ، فالحيرة مشروعة وهي مجال تأمل ، والحزن يعقبه التفاؤل ( طوق الوفاء بمن يليق ؟ / يليق بك / أنت من يخفض جناح الحب / أمام العناد / الذي لا يبر حني / إلا ليسكنني / طوق الوفاء بمن يليق ؟ / ص 44 )  ....
يقول جون كوهن : " .. الأسلوب هو كل ما ليس شائعًا ولا عاديًّا ولا مَصُوغًا في قوالبَ مستهلكة...، هو مجاوزة بالقياس إلى المستوى العادي ، فهو إذًا خطأٌ مُراد ...". (11 )
ومن أكثر التعريفات الواردة  تعريف فاليري، الذي قال: " إن الأسلوب في جوهره انحراف عن قاعدةٍ ما ". ( 11 نفسه )
يرى ريفاتير أن الانزياح : " ...يكون خرقًا للقواعد حينا، ولجوءا إلى ما ندر حينا آخر، فأما في حالته الأولى، فهو من مشمولات علم البلاغة، فيقتضي إذًا تقييما بالاعتماد على أحكامٍ معيارية، وأما في صورته الثانية، فالبحث فيه من مقتضيات اللسانيات عامة، والأسلوبية خاصة ... " ( 12 )

تقول الشاعرة في نص " أنا غائمة " الصفحة : 20

غائمة فوق المعتاد
لن أنثر ورودا على حافة الطرقات التي
لم تضع ختما بجواز جنوبي
لن أهجع لمقعد بذاك القلب الذي
يرفض سهودي
يتبرم من صمتي
غائمة أنا دون أن أمطر
سأمطر قطنا
أضعه بأذني
أريدني " بيتهوفن"
في هذا الزمن النشاز

انزياحات تشد من أزر الشاعرة ، وتضيء لحظات سأمها ويأسها وفرحها وسعادتها ، تحدد وصفاتها من خلال ترابط كلي ، تتوغل فيه اﻷحاسيس ، وفي الاستبطان الحلم الذي تستشعر فيه الشاعرة الحاضر ، ليسلك بنا طريقا حلزونيا نحو الماضي . من منطلق ان البداية متوهمة ،  والنهاية محتملة من خلال عناصر دلالية متداخلة مشدودة إلى تمثل الماضي واستشراف المستقبل ...

غائمة أنا ألوك حروف عتاب أبله
لبس كسوة أقسى من احتمالي
شجرة احتمالي لن تورق بعده
غصيناتها مثقلة بتمائم بحروف النداء
وعلامات استفهام عن عوانس البلد
نسيت أن تخضب أكفها بالحناء
نسيت أن تمنطق خصرها
بحزام عيد دون غصة
غائمة أنا ( ص : 21 )

إن أفضل فائدة للانزياح هي حفظ اﻷفكار ، بحيث يكون الفكر داخل كلمات النص متجليا من خلال علامات ودلالات ورموز ... واللغة من حيث هي لسان لا تتحقق إلا في شكل مؤسسة اجتماعية تتخذ شكل نسق من العلامات والرموز ، ومن هنا لا يمكن للمبدع أن يكتب نصوصا من خارج وجود مجتمعي ( لازالت ذاكرتي تأخذ سلة للتبضع / تتبضع كل ليلة حلما للوقاية من الجنون / تتبضع حلما أراك فيه / مرابضا فوق صخرة الصبر / بانتظار عودتي من رحلة الحياة / فاشلة كنت أم مظفرة / أنا لازلت مبعثرة / ص 44 ) .

ثامنا -  فلسفة الخيال في ديوان ثلاثة أرباع قلب :

ينشطر العقل إلى محتويين ، وهما الأفكار ويقابلها العقل ، والأفكارويقابلها الخيال ، وما يميز الشاعر الإنسان عن غيره هو ما يتمتع به من رد فعل طبيعي يأخذ مسلكين : من الواقع إلى الخيال ، ومن الخيال إلى الواقع ، الشاعر مستجيب للأحداث التي تؤثر في أحاسيسه . وتلعب فلسفة الخيال في غالب الأمر دورا كبيرا في دعم الانسجام والتوازن وربطهما بالبعد الانفعالي عند الشاعر الإنسان . يقول الدكتور " عبدالرحيم الساعدي : " ... علينا الاعتراف انه لا توجد امة لا تتمتع بخيال ما ، واذا قدمت هذه الأمة حضارة ما ، فذلك يعني ان خيالها على مستوى الأفراد والمجتمع انما هو خيال فعال ومتميز وراق، اما التي لم تقدم فافتقرت الى الشروط التنموية للابتكار والعلم ... " ( 13 )

تقول الشاعرة في نص " ها قد عاد ذاك التمرد " الصفحة 73

ها قد عاد ذاك التمرد يدب في أوصالي
أريد حفنة عزلة
شبر مسافة
لن أضع يدي في يد الآخر
الآخر كله أغلال
اريد حفنة خلاص
أريد تضليل الحزن
وأنا أراه حاملا عباءته
ينوي أن يلفني بها
من شمالي إلى جنوبي
أريد حفنة عزلة
أنوي تصفية مؤسسة الهواء
أنوي تهريب مياه النهر
إلى قنوات للتصفية
سأسقي مساحات بقلبي

تغمر الشاعرة القوة والحماسية لممارسة الخيال بفاعلية ، وبنفس متجدد من سطر إلى آخر ، فممارسة الحياة دون خيال واسع لا قيمة لها ، لأنه هو من يضفي مسحة جمالية وقيمية عليها ، وهو من يوسع أفق الانسان والوجود والحياة . الخيال رياضة عقلية وفكرية لا غنى للإنسان عنها ( حدثني نفسي عن نفسي / وجدتني أجهل أحوالي / متجردة مني / أحرقت جواز السفر / إلى متاهتي / ذاك الدخان / قد أتبع خيطه / الواهن / ليدلني على هويتي / ص 36 ) . فلسفية الخيال تثير الانفعال وتنظم الذات وتحفز الفرد على استعادة توازنه في الحياة ، وتحويل آلامه التي سببها له الواقع ألى مصدر قوة ( سأقول بعدها لقلبي : / عمت صباحا أيها القلب الذكي / لم تنبض في وأنا لست ذكية ؟ ص : 74 ) . إن قوة الخيال لا تكمن فقط إصدار انطباعات بل كذلك في إعادة صياغتها وتجسيدها ، وهذا ما يجعل الخيال انطباعا وتفكيرا في الآن نفسه . إن علاقة الإنسان بالأشياء الخارجية هي مصدر إما متعة أو ألم . لكن الشاعرة في خيالها تعطي قيمة للوجود وتحوله صورة مورفولوجية تركيبية ذات أبعاد جمالية .

تقول في نص " ذلك الصمت " / الصفحة : 37
ذلك الصمت
ملاذ مؤقت
لا لم أكن صامتة
كنت أصغي
كنت أحلق
كنت أسبح في جدل كزبد البحر
أسبح في مقامات الصخب
وأعود لشط الهدوء
ذلك الصمت
ملاذي المؤقت
لا لم أكن صامتة
كنت صحبة ذلك الغائب حتى يعود

ترتكز فلسفة الخيال عند الشاعرة في قصيدتها على التواشح والتقارب الموجود بين البشر ، الذي يقتضي الرأفة بالآخرين ، والعطف عليهم ، والتعبير عن آلامهم ، والإحساس بما يحسون ، فمنطق الخيال هو منطق الأخلاق والأعراف ، ويكتسي الخيال كذلك طابعا اجتماعيا بحكم اندماج الفرد في النسيج الاجتماعي الذي يطبع على قلبه أحاسيس متنوعة ومختلفة منها العدالة ، والحب .... ( كنت صحبة ذاك الغائب حتى يعود / كنت بانتظار إزاحة الستائر القاتمة / لأفتح نافذتي على شجر الليمون الأصفر / وذاك العشب البري الأخضر / سيعود أوان النور / لصوتي المخدوش شوقا / ص : 38 )
الخيال يزيد من التدفق العاطفي ، ويؤجج لغة الشعر وأثره وقيمته ، فالشاعرة تمتاز بالتعبير  عن عواطفها من خلال عملية للخيال ، وتكييف للصور الذهنية مع الافكار والعواطف في شكل إعادة للصياغة . فهذه الطريقة في التعبير تغدو فيها الشاعرة العنصر الأساس الذي يخلق عالم المتعة .
فالشعر ينبع من روح خيال الشاعرة المشبع بطاقاتها الخلاقة المحاكية لصور العالم الخارجي ، وهنا يصبح الشعر عند الشاعرة ليس شكليا أو محاكاة كما هو الحال عند أرسطو ، ...بل إن فعل الخيال في الشعر وازع داخل الشاعر من العواطف و والرغبات ، فيسعى هذا الوازع للتعبير عن نفسه أو عن محيطه ، أو هو الدافع القسري للمخيلة الخلاقة التي تشبه الشاعر نفسه ، في أنها تمتلك منبعها الداخلي للفعالية ، أي التعبير بصدق عن العواطف والقدرات العقلية..

تاسعا  - خاتمة :

ونختم دراستنا النقدية المستقطعة بمقتطف من رأي الذرائعية في عمق النص الأدبي بالانزياح نحو الرمز والخيال بالمنظور القرآني والعلمي وهو كما يلي :" وقبل أن ندخل هذا الخضم الجنسي الأدبي المضمّخ بالخيال ، الذي يفوق الواقع روعة وبناء ، ولو أطلق العنان لكاميرات وريَش الرسامين من الأولين والآخرين في هذا العالم ، لما استطاعوا الإحاطة بعظمته واتساعه ، فالخيال عالم واسع يشمل ما أبدع الله في عوالمه ، ولم تصله يد أو عين مخلوق في الواقع بشكل ملموس ، هو تصوّر بمنظور ميتافيزيقي لحوادث وبنى ومخلوقات لا تسكن الواقع ولا تشبه محتواه الحركي والبنائي ، وتشكّل رؤيتها إثارة وانبهارًا لسكان عالم الواقع ، وتلك التصوّرات لا تسكن إلا العقل البشري ذا الأفق الواسع ،  وأعني به الأديب ،  وهذا التصور هو إطلاق العنان للعقل البشري بالسفر والتفكير في مجالات لا يقبلها الواقع لكونها ضرب من ضروب المستحيل ، لكنّ تلك الأفكار والتصورات تكون شرعيّة ومقبولة في حقل الأدب ، وتعد عمقًا أدبيًّا محمودًا ، يشكل في جميع مستوياته الدنيا والعليا ، مجالًا أدبيًا أو فنيًا ، يجسد من خلالها عناصر اللذة والتشوق ، حين تبثّ فيه الروح والحركة وقد تحدث تلك التصورات في الواقع المعاصر ، على سبيل المثال : كان القمر حلمًا من أحلام العشاق قبل قرن تقريبًا ، لكن عملية الوصول إليه جعلته ينتقل من الخيال إلى الواقع.... و(الموبايل) كان حلمًا أن تتصل بشخص من أي مكان كان فوق الأرض أو تحت أعماقها أو محلقًا في السماء ، وصار واقعًا ملموسًا ولعبة بيد الاطفال ، إذًا الخيال هو كل شيء يحلم به الإنسان ولا يستطيع بلوغه في الواقع المرئي والملموس ، فوظیفة اللغة في حیاة الإنسان لا تنحصر ببساطة في الدور التواصلي فالإنسان كیان معقد جدا تتفاعل في داخله المشاعر والأفكار والأحلام والعواطف ویرید أن یخرجها للوجود تعبیراً  لغویا یتمثّل ذلك كلّه ، ولكنه یفاجأ بمحدودیة أدواتها وطاقتها اللفظیة فتضطر اللغة إلى التمسك بالخیال محاولة لاستمداد القوة منه لتستطیع تحمّل العبء التعبیري الثقیل الذي یحمّلها إیاه الإنسان([1]) ، فوسيلة الانتقال عبر الزمن كثيرًا ما تشغل بال الإنسان وخياله في عبور آفاق الزمن على أجنحة التأمل الممزوج بالتطورات والمكتسبات العلمية ، وأحيانًا تكون التصورات قريبة على الواقع الإنساني ،  كتصوّرات المعوزين لحاجات لم يمتلكها إلّا الأغنياء ، وتصورات أخرى تخصّ العدل والحياة لم تسكن الواقع إلّا مرة أو مرتين مثل المدينة الفاضلة ، التي تعد ضربًا من ضروب الخيال السياسي لم يتحقّق قط في أي عصر مضى ، لكن ربما سيأتي يوم ونرى الانتقال عبر الزمن ،  وفي المدينة الفاضلة بالذات ، والتي حلم بها الفارابي ، و قد يتحقق حلمه فعلًا ، حين تتوفّر ظروف هذا الحلم في الواقع ، كما توفّرت ظروف من سبقه من الأحلام الخيالية التي أصبحت واقعًا ملموسًا.... "

المراجع والمصادر

1 – محمد ويس، الانزياح من خلال الدراسات الأسلوبية، المؤسسة الجامعية للدراسات، 2005، ص 82.
2 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي وعبير يحيي الخالدي
3 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
4 - ) باب المساواة في الإرث / ا بن الأزرق الأنجري / هسبريس 7 / 2 / 2019 .
5 – ويكليبيديا
6 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
7 - حني، عبد اللطيف- شعرية الانزياح وبلاغة الإدهاش في الخطاب الشعري الشعبي الجزائري، ص 23
8 - بخولة بن الدين- الانزياح الدلالي وأثره في تطور اللغة، جامعة حسيبة بن علي الجزائر، ص 81 و 82
9 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
10 - السد، نور الدين، 1997- الأسلوبية وتحليل الخطاب، ج1/ الجزائر، دار هومة، ص179.
11 - إسماعيل شكري، نقد مفهوم الانزياح، مجلة فكر ونقد، العدد 23، نونبر 1999.
12 - عبدالسلام المسدي، الأسلوب والأسلوبية، الدار العربية للكتاب، ط3، 103.
13 - ( كتاب فلسفة الخيال / د. رحيم الساعدي، استاذ الفلسفة الاسلامية المساعد في كلية الآداب ـ الجامعة المستنصرية ص : 83
14 - محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي
15 -  دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
16- الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي

السبت، 12 سبتمبر 2020

عبدالرحمان ‏الصوفي ‏

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لرواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " ل " المصطفى الزواوي "
عنوان الدراسة : المظاهر السردية وعنف الزمن الكوروني في رواية " الجسد الجريح في  زمن كورونا " .
الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة من إعداد : عبدالرحمان الصوفي / المغرب .

أولا - التقديم :

منح الحجر الصحي فرصة للكثير من الكتاب لجمع شتات أفكارهم وتدوينها ، حيث أصبحت أحلام اليقظة مصدرا للأفكار الواعدة والخلاقة . كما أن قضاء وقت طويل في المنزل يصيب الإنسان بالملل الذي يمهد لشرود ذهني يساعد ويسمح للخيال بأن يحلق في عالم التأمل لابتكار و صياغة أفكار جديدة ، لأن التفكير هو عملية ذهنية تحدث عند المبدع حين يكون متفرغا وغير منشغل بإنتاج آخر . والمعروف في تاريخ الأدب الإنساني أن الأزمات تولد الإبداع ، أي أن الإبداع يصير السبيل الأوحد لمواجهة الأزمات بمختلف تجلياتها سواء سياسية او اقتصادية أو اجتماعية ... خلال الكثير من الأزمات التاريخية حدث زلزال في الذات الإنسانية ، فولد عصفا ذهنيا عند الجماعات والأفراد ، صار فيها الإبداع هو الملاذ والحل الأمثل لتخليص الناس من الأزمة .
لقد كان الأدب دوما مرافقا للبشرية في كل أزماتها ، وأزمنتها الحضارية عبر مد العصور ، يسجل طموحاتها ، ويؤرخ لمعاناتها وأفراحها ، ويستشرف مستقبلها ، ويرصد أحلامها ، ظل مرآة لما عاشه وعايشه الإنسان من اضطراب وفوضى داخلية أو خارجية ، ولذلك كان الأدب ، شعرا ورواية ومسرحا وقصة وغيرها ، دوما رفيقا لمعاناة الإنسان .
لقد اشتهرت الرواية خصوصا بتعاطيها مع ما أصاب الإنسان من كوارث وأحداث ، خاصة تلك المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية ، منها روايات عالجت مأساة الإنسانية ومعاناتها وحربها ضد أوبئة فتاكة قهرته ، وحصدت الملايين من الأرواح ، نذكر منها " حكايات كانتريري " ،  التي كتبها جيفري تشوسر ( وباء الطاعون ) ، ورواية " دفتر أحوال عام الطاعون " التي كتبها الإنجليزي دانييل ديفو ، ورواية " حصان شاحب ، فارس شاحب "التي أصدرتها الروائية الأمريكية كاثرين آن بورتر وروايات أخرى كثيرة أشهرها " الحب زمن الكوليرا . في هذا السياق نطرح الأسئلة التالية :
-  هل هناك إبداع زمن أزمة كورونا ؟
-  وهل يمكن أن بكون هذا الإبداع زمن كورونا إبداع لمواجهة الأزمة ؟
-  وهل الأدب زمن كورونا يساهم في إدارة الأزمة ؟
هذه الأسئلة وغيرها ستكون  موضوع دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة  .

ثانيا – توطئة :

يقول عبدالرزاق عودة الغالبي في أهمية المكان والرمز في العمل الروائي السردي ما يلي :
" ... الروي هو انعكاس لعالم لغوي للحياة فوق مساحات الأوراق يشيّده الروائي المتـأرجح بين الواقع والخيال ، فيجعل العالم يتضمّن كلّ المشاعر والتصوّرات التي تستطيع اللغة التعبير عنها ، ويثبت براعته الفكرية في تلك الساحات ، رغم أن المكان في الرواية ليس هو المكان الطبيعي أو الموضوعي ، وإنما هو مكان يخلقه الأديب بمزج مدروس بين الحقيقة والخيال ، فالمكان في النص الروائي مكان متخيَّل ممزوج ببناء لغوي ترفعه الكلمات والتعابير انصياعًا  لأغراض التخييل وحاجته ، فهو نتاج مجموعة من الأساليب اللغوية المختلفة في النص ، والتي تعكس براعة النصّاص في صناعتها، من ذلك نستنتج أن عبقرية الأدب تكمن في حيّزه السردي المدروس فكريًّا وجماليًّا ولغويًّا ، لذلك يكتسب المكان في الرواية أهمية كبيرة ،  لأنّه أحد عناصرها الفنية التي تجري فيه الأحداث ،  وتتحرّك من خلاله الشخصيات....([1])
فيستخدم الروائي الوصف ، ويبذل قصارى الجهد لإثبات إمكانيّته أن يجعل المتلقي يرى الأشياء أكثر وضوحًا وجمالًا من خلال الوصف الذي يخلق فيه فضاءات روائية مشوّقة يقتنص فيها المتلقي لقراءة الأشياء في مظهرها الحسي الموجودة عليه في العالم الخارجي، فالوصف يقدّم الأشياء للعيان بصورة أمينة تحرص على نقل المنظور الخارجي بشكل أدقّ وأوضح ...." ( 1 ) / الصفحة : 102

ثالثا - المدخل البصري لرواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " .

رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " (2 ) رواية جديدة للروائي " المصطفى الزواوي " ، تتألف من ثلاثة فصول توثق لجائحة كورونا ، التي اجتاحت العالم مطلع السنة الجارية ، وغيرت معالم الحياة على كوكب الأرض  .
الرواية من الحجم المتوسط تضم ثلاثة فصول ، غير معنونة . الفصل الأول يمتد من الوحدة السردية ( 1 ) إلى الوحدة السردية ( 7 ) ( الصفحة 74 ) .
الفصل الثاني / الصفحة (  75 )  تتوسطها  لوحة لفيروس كورونا وقد أصابت جسدا إنسانيا  ، ثم يبدأ من الوحدة السردية  ( 8 )  إلى الوحدة السردية ( 14 ) /الصفحة 136 . الفصل الثالث / الصفحة ( 137 )  تتوسطه صورة بالأبيض والأسود لفيروس كورونا منتشرا  في جميع ارجاء الكرة الأرضية ، يمتد الفصل الثالث من الوحدة السردية ( 15 ) إلى الوحدة السردية ( 21 ) /  ( الصفحة 200 .
الواجهة  الأمامية لغلاف الرواية تتوسطها لوحة تشكيلية من إبداع " محمد الرجاوي " . أما الواجهة الخلفية للغلاف فتضم صورة المؤلف وسيرته الذاتية ، إلى جانب اختيار قرائي  من الرواية ، وهو كما ما يلي : " شهد العالم منذ دجنبر 2019 اجتاح فيروس كورونا " كوفيد 19 " انطلاقا من وهان الصينية التي احتجز فيها التاجر رشيد المتزوج بصينية من نفس المدينة واضطر إلى مغادرتها بسبب الحجر الصحي ، الذي فرض بسبب انتشار الوباء في العالم ...
في ظل هذه الجائحة كلف المحقق اسحاق بإنجاز تحقيقات ودراسات على تطور الفيروس والوباء ، وما فرض على الجسد الجريح به ... منه من أصيب به ونجا من الموت زمنه من لقي حتفه ...بسبب هذا الوباء ارتسمت خريطة عالم جديد وتصورات جديدة للعام ...قضي على الفيروس أم لا ... سيظل الجسد القوي والمانع أو الجريح الهش في مواجهة دائمة لخطر الوباء بعد كل فترة من الزمن..." .

رابعا - السيرة الذاتية للمؤلف " المصطفى الزواوي "   :

-  أستاذ علم النفس وعلم الاجتماع والتواصل سابقا .
-  كاتب صحفي في جرائد وطنية ودولية ومدير نشر ورئيس تحرير جريدة جهوية  .
-  صدر له كتاب " الرياضة ورهانات التنمية البشرية سنة 2019 .
- مخرج فيلم وثائقي حول " أوصيكا ورهانات فوسفاط  آخر " / حائز على جائزة المجمع الشريف للفوسفاط  بالمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمدينة خريبكة  سنة  2017 .
-  منشط سوسيو - ثقافي  .

خامسا – العتبة / العنوان  : الجسد الجريح في زمن كورونا :

إن العنونة تتبدى في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " بإيحائيتها وانفتاحها على التأويل ، وابتعادها عن المباشرة ، وارتباطها دلاليا بسياق المتن الروائي ومرجعياته ، وهي بذلك تشير إلى وعي مسبق بأهمية العنوان ، ووظيفته في إغواء القارئ ، وشد انتباهه وإثارة مخيلته . وهذا ما تحاول معظم استراتيجيات العنونة الروائية تحقيقه . ( لكن هل منشأ هذا الفيروس بشري أم طبيعي ...؟ هل يرضى أن يدمر الإنسان أخله الإنسان من لحمه ودمه والعودة بنا إلى بداية الإنسانية وما شهدته من وحشية وسيادة قانون الغاب ..؟ هل الظاهرة من صنع ذوي الرأسمال والنفوذ العالمي بهدف إخضاع الذوات الأخرى المستضعفة بالتالي ترسيخ الهيمنة وكسب أرباح طائلة من خلال بيع اللقاحات ..؟ ) ( 3 ) الصفحة ( 7 و 8 ) .
إن استراتيجية العنونة في الرواية مشحونة بضغوطات عنف الحجر الصحي زمن الجائحة .
فمعظم الأخصائيين في الصحة النفسية يؤكدون أن الحجر الصحي الذي فرض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا ، ليس أمرا سهلا ، ولا موضوعا يستهان به ، إذ أنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد الحريات الفردية ، وهذا الوضع يتسبب بمشاكل نفسية للإنسان عبر أرجاء المعمورة  .

سادسا - الوظائف السردية وعنف الزمن الكوروني في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " .

تعد الأزمات التي تمر منها الإنسانية فرصة حقيقية قادرة على تغيير كل المظاهر السلبية في مختلف المجالات وتحويلها إلى أفضل إيجابي ، ونقصد أن  الابتكار والإبداع متخفية وعلى شكل أزمة ، وعادة تكون كلمة السر الوحيدة وقت الأزمات هي الإبداع ، رغبة في التخلص من كل سلبي تقليدي أوجد وقاد البشرية نحو الأزمة . إن الإبداع والتفكير الجماعي هما السبيل لتجاوز كل أزمة  .
أن الانفتاح على المستقبل هو من بين مقومات شخصية القرن الواحد والعشرين ، وفي ظل الأزمة التي يعيشها العالم خلال هذه الفترة بعد تفشي جائحة كورونا ، تواصل كل الجهات البحثية عبر العالم  ، ومعاملها المركزية الليل بالنهار ،  للخروج بالحلول الإبداعية التي تُساعد في التخلص والخروج  من هذه الأزمة . والرواية واحدة من مجلات الإبداع التي تمثل عنصر الحياة الراغب التجديد والتجدد  .

1 - الفصل الأول : تحولات اللعبة السردية / بين العلامات النصية  والوحدات السردية :

تكشف مجموعة أحداث السرد في الرواية ( الفصل الأول من 1 إلى 7 ) ، عن مستوى حجم التغيير والاختلاف زمن الجائحة ( الجسد الجريح ) ، فتنفتح الوحدات السردية على  لحظات الأمل والحلم والحكي ، تتصارع مع اختلاجات ذائقتها ، اقترابا باختلاف موضوعات الحكايا المنتقاة ، فالعلاقة بين أنا الشخصية وفضاء المكان والذاكرة في الرواية ، هي علاقة الكل بالجزء ( عاد مباشرة بحماسة زائدة من المقهى معرجا على "المارشي " متوجها إلى منزلهم القديم ... ) ، ذلك لأن الفضاء المكاني صار يتسع ويترابط سابقه بلاحقه ( تسلسل الأحداث ) ( ... قبل أن أتزوج بفتاة صينية والدها صاحب وحدة إنتاجية للسيارات في مدينة " ووهان " ...) ، أي أن القائم بالسرد يعرف اعتقادات القارئ ، ويوجه السرد حسب متطاباته ، فتتوضح حدود هذه الذاكرة فتشكل ابعادا جوهرية مؤلفة مزيدا من الإيحاءات والثغرات التبئيرية بكل وصلة ما من وصلات الآصرة المكانية والذاتية لدى الشخصية البطل اسحاق ومساعده رشيد  .
يقول عبدالفتاح كيليطو : " ...إذا سلمنا بأن السرد ، كالسياسة والصدفة ، لعبة ، وجب علينا أن نبحث عن القواعد التي يخضع لها ، إن كانت هناك قواعد اللعب بصورة جلية وصريحة ، بينما يكاد القائم بالسرد والقارئ يجهلان قواعد السرد أو لا يعرفانها إلا بصفة ضمنية غامضة لا تتعدى مرحلة الإحساس المبهم ، وفرق أن تحس بوجود قاعدة وبين أن تعمل عنها بكيفية واضحة ..." ( 4 )
نقرأ في الفصل الأول من الرواية ، الصفحة 34 /  : ( ...  " وأخيرا رشيد أرسل لي عدة ملفات .. ، وضع الكتاب جانبا ، متشوقا ، بدأ في تصفح الإرساليات ، جمل الملف الأول ، فتحه قائلا في نفسه :
-  هذا يتعلق بكتاب معنون هو الآخر بالفرنسية وكأن الغرب وحده من بهتم بالبحث والتأليف في هذا المجال ، قرأ عنوانا مثيرا :
- تقرير جديد لوكالة الاستخبارات الأمريكية كاتبه ، ألكسندر رايس : " le nouveau rapport de la
CIA" ،
موصيا بقراءة بعض الصفحات بعينها ...
فتح الملف وسط دهشة لا نظير لها متسائلا ومتلهفا ذهب مباشرة إلى الصفحة : 203 قرأ باستغراب :
-  حوالي 2020 ، بقدر ما يرتدي الأشخاص بكثرة الكمامات في الشارع العام خوفا من الإصابة بمرض يصيب الرئة .. ، سيصبحون أكثر مقاومة لأي علاج .. ومع أن هذا المرض يبدو أكثر إحباطا لما يزرع الرعب في النفوس في فصل الشتاء سبزول ، لكن سيعود بعد عقد من الزمن ويرمي بالباحثين في دوامة المجهول حول أسبابه وكيفية علاجه ... " ) .
تتدرج العلاقات السردية في العلامات النصية في الرواية أفقيا وعموديا ، عبر عشرات التفاصيل والأحداث الرئيسية والوقائع الثانوية و الجزئية ، المنفتحة والمنقادة استجابة لاشعورية متموقعة في مسرود ذات الشخوص في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " ، فيما يبقى الرصد التصويري للروائي يتشكل بتلقائية في الرواية ، مقترنا بواقع الحجر الصحي ، الذي يظهر ويحضر البطل اسحاق ومساعده رشيد " ، ويظهر كذلك المظاهر السرية ( تحقيقات وتقارير )  ( أهلا أخي إسحاق ، دائما نفس " المونتو " الشبيه بالمحقق " كولومبو " ... ) الصفحة 5
أما " محمد الورداشي "  فيقول في تعريفه لتداخل المظاهر السردية في الرواية  :" ...هو نقل مجموعة من الأحداث من صميم الواقع أو نسج الخيال أو منهما معا، في إطار زماني ومكاني محدد بحبكة فنية متقنة، أي الأحداث لا بد أن تكون محددة في الزمكان، وأن سرد هذه الأحداث لا يكون اعتباطيا أو عبثيا ، بل يستند إلى سلسلة من القواعد الناظمة لسير الأحداث. وغياب هذه القواعد سيجعلنا أمام سلسلة أحداث تملأ مساحة فضائية فقط، وغير قادرة على صنع نص سردي منسجم...." ( 5 ) .
أما علاقة السرد بعنف الزمن الكوروني / زمن الجائحة في الرواية فهي متداخلة ومتشابكة ، وهي تتشابه بمظاهر السردية في الروايات التي كتبت زمن الأوبئة ، مع الاختلاف في قوتها وشهرتها ، ونذكر من هؤلاء ما جسده  الكاتب الإنجليزي دانييل ديفو ، مؤلف ( روبنسون كروزو) ، من عنف لباء  الطاعون في روايته "صحيفة يوم الطاعون" ، فوصف فيها مشاهد الخوف والذعر التي انتاب الجميع إثر تفشي الطاعون ، وغيرها من الروايات الأخرى .
يمكننا القول أن المجال الثقافي والكتابة الأدبية في زمن كورونا ، بحاجة لمزيد من الوقت والمراقبة عن كثب ، لكي يتمكن الكتاب من تقييم الآثار التي ترتبت على إرغام الناس البقاء في بيوتهم ( الحجر الصحي - العزل الإجباري ) خاصة أنها تجارب إنسانية صعبة ، ستترك آثارا كبيرة على الإنتاجات الأدبية والفنية لهذه المرحلة البالغة الأهمية من التاريخ الحديث  .إن استرجاع الماضي في الفصل الأول من رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " يعد وجها من وجوه المفارقات الزمنية ( ربما " أركانة " تلك المقهى التي سبق لها أن انفجرت ..؟ / كيف تعرضت مراكش لحادثين إرهابيين ... / فكيف يتم إذن حدوث مثل هذا القتل الفظيع لقطعتين بشريتين من لحمنا ودمنا كبشر بطريقة الذبح من الوريد إلى الوريد على شاكلة نحر شاة أو إبل من العنق ..." .

2 - الفصل الثاني : المسرود العرضي وكسر وتيرة الزمن في رواية  " الجسد الجريح زمن كورونا "

تتبنى أحداث السرد في الفصل الثاني في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " مسرود عرضي نعاين من خلالها سرد الشخصية المشاركة ، لأحداث استباقية  من زمن الحكي . كما تحتل الشخصية موقعا مهما داخل بنية النص السردي ، فهي من تقود الأحداث وتنظم الأفعال ، وقد تكون رئيسة أو ثانوية أو عابرة ، ثم إنها ، فضلا عن ذلك ، تعتبر العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة الإحداثيات الشكلية الأخرى بما فيها عنصرا الزمان والمكان ، إذ يعدان ضروريين لنمو الخطاب السردي.
وقد نالت الشخصية في الرواية نصيبها من الدراسة ، إذ قدمت حولها أبحاث كثيرة عكست تطور مفهوم الشخصية الذي رافق تطور نظرة النقاد إلى الرواية ، والجدير بالذكر أن الرواية قد أولت اهتماما كبيرا للشخصية لا سيما لملامحها الخارجية وتصوير مظهرها بدقة , ( ... سيكون هذا الحدث ربما هو حدث السنة أو العقد الثاني من الألفية الثانية بامتياز ، وإذا ما صحت التوقعات سيخلق ثورة عالمية متعدد الأبعاد : اقتصاديا اجتماعيا سياسيا استراتجيا فكريا معلوماتيا ...لا غرو ستعصف بكل ما هو قديم وتشيد عالما جديدا بمنظومات جديدة فكريا وسلوكيا وقيميا .. ، ستكرس زعامة من له قوة الذكاء بكل أنواعه : الصناعي ، والاجتماعي ، والعلمي ، والمعرفي ، والذهني ..." الصفحة 81 و 82
تحكم في" المصطفى الزواوي " وتيرة الزمن من خلال منح شخوص روايته ذلك المد التدريجي الخاص من زمن تفاصيل حكايات وربورتاجات وتحقيقات ، نتعرف منها على  ملامح هوية الزمن المضمر والمعلن متمثلا في  ظلال أحداث الرواية ( زمن كورونا ) ، ومن هذا المنطلق بالذات يصير بمقدورنا أن نرى لوحات وإمكانيات التمثيل السردي على أساس التحول من حالة إلى  حالة أخرى في  رؤية الواقع الكوروني والواقع الروائي . ( ...غربت شمس شهر فبراير بتزايد الإصابات في عدد من دول العالم في في مقدمتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية ويم بعد دول عربية كما تبرزها عناوين الصحف الصادرة ... أمام هذا الوضع أصيب الإنسان بوسواس قهري تتجلى أعراضه في التتبع المرضي لما ينشر في القنوات الأجنبية والمحلية وفي الواتساب وشبكات التواصل الاجتماعي ...) الصفحة : ( 91 ) .
يحتوي كل نص سردي على مسرح تقع فيه الأحداث وتتسارع في ميدانه الواسع الأفكار والشخصيات . ويحتل المكان أهمية خاصة في تشكيل فضاء مسرح اللعبة السردية التي ترسم  مظاهره و أبعاده ، فهو يؤلف إطارا مكتوبا ومتفاعلا مع بقية العناصر البنائية الأخرى المكونة للرواية . والمكان لا يقتصر على كونه بعدا  هندسيا  ولكنه ،  فضلا عن ذلك ، نظام من العلاقات المجردة ، أي أنه يتحول وسطا حيويا تتجسد من خلاله حركات الشخصيات ، التي تنسج  مسارها الروائي  في شكل خط مزدوج متناقض ومتشابك ، وهذا ما يجعل الأحداث بدورها  متشابكة ومتداخلة ، وفي أحيان أخرى ، تبدو متنافرة متباعدة ، وهذا ما يقودنا  إلى القول أن البعد النفسي للمكان داخل النص الروائي في ( الفصل الثاني ) من الرواية . لقد  أصبح التركيز ( حاليا )  على المكان من جوانب الاستراتيجيات النصية  الملتحمة بالمظاهر السردية والتكنيك السردي عموما ، وهي المهمة التي تلجأ إليها الكتابات الجديدة في الرواية .  إن البعد النفسي هو أكثر الأبعاد المكانية حميمية وانتشارا .  تقول " الدليمي لطفية : " المكان الذي يثير نوعا ومقدارا من المشاعر تعاطفا أو تنافرا، قلما يستأثر باهتمام الكاتب وإضفاء الصيغة الشعورية عليه تبدأ لحظة اختياره مسرحا للعمل الفني..." ( 6 )
( ... حقا العزل سيطرح أيضا مشكل اللقاء مع الأقارب والأصدقاء وزيارة الفضاءات العمومية ... هذا الوباء اللعين سيشل حركة الجسد ... ) الصفحة ( 106 )
العوالم السردية هي  تمثيل بلاغي مضاعف ، ليس من غاياته الوصف المباشر ،  إنما الإيحاء ، والتلميح ، والترميز ... يقول عبدالرزاق عود الغالبي : " ... فالتصوير اللغوي إيحاءٌ لا نهائي يتجاوز الصور المرئية ،  لكونه صورة فنية تعمل كثمرة انتقاء وتهذيب للمادة المحسوسة ، المستمدة من الطبيعة أو من الحياة الإنسانيـة ، وغاية هذا الانتقاء هو إثارة التأثير أو الانفعـال الجمالي ، فوظيفة الكلمات في المحيط الخارجي لا تعدو أن تكون مجرّد إشارات لأشياء بعينها ، بيد أن وجودها داخل سياق النص الروائي يعطيها بعدًا  دلاليًّا  عميقًا ، حين تتعدّى هذه الكلمات كينونتها كإشارات باتجاه كونها رموزًا  ذات كثافة دلالية ، وهي بذلك تنتقل من معناها الدلالي المباشر إلى مستوى أعلى في الدلالة . وجدير بالذكر أن الكلمات تصبح رموزًا  في سياق النص الروائي حينما تكون موحية ،  وتوعز بمعان كثيرة ،  تلك المعاني التي يمكننا التوصّل إليها من طبيعة الكلمة ذاتها ،  ومن تكرارها داخل النص الروائي ،  ومن كيفية توظيفها في إطار الصورة الفنية ،  فضلًا  عن علاقتها ببقية عناصر الرواية من شخصيات وحدث وزمان … " ( 7 )

3 - الفصل الثالث : الكفاءة السردية في واقع الزمن المروي في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " :

أن مظاهر الكفاءة السردية تتجلى في الرواية  دون سواها من الأنواع الأدبية الأخرى ، لأن هذه الكفاءة السردية قادرة على استيعاب التجارب الإنسانية المختلفة والمتنوعة ذاتا وموضوعا ، فمن خلالها يتم تمثيل الهويات المتباينة ، التي تعبر  الحدود الثقافية لأرجاء المعمور  ، وهي تتخطّى اللغات ، والثقافات و ترافق أحوال الإنسان حيثما وجد ، فمرونتها توفّر لها القدرة على ذلك . (... اقترب من حاجز أمني اعتذر مؤجلا الحديث ... ضغط على الفرامل نقص من السرعة وقف في علامة " قف الشرطة " ... / هنالك أمور لا يمكنك فهمها في إطار فكري منظم تخضع للمنطق ... / ) . الفصل الثالث من الرواية  يلبس لبوس مرجعياتها الثقافية  ( علم النفس وعلم الاجتماع ) ، ولا تنسخان عن بعضها البعض ، بل تتكيف مع التكنيك السردي ومظاهره في الرواية  . " ...أصبحت الرواية سجلا اجتماعيا ، لأنها اقترحت بحثا مجازيا في الصراعات السياسية ، والمذهبية ، والعرقية ، بما في ذلك الهويات ، والآمال ، والحريات ، وانخرطت في معمعة التاريخ الاجتماعي ، وفي كشف مصائر المنفيّين ، والمشرّدين ، والمهجّرين ، والنساء ، وضحايا الحروب الأهلية ، والاستبداد السياسي ، والاجتماعي ، والديني . وأمسى من الضروري ، تغيير موقع الرواية من كونها مدوّنة نصّيّة إلى خطاب تعدّدي ، منشبك بالخلفيّات الحاضنة له  فلا يسجّل السرد واقعا ، أو يعكس حقيقة قائمة بذاتها ، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة .... " ( 8 )
ونقرأ في الصفحة 163 من الرواية ، ما يلي :  " ... انتهى الحجر الصحي أم لا ينتهي ، قائلا في خاطره ، فماهية الإنسان هي - هي .. ، فلا حركة للجسد بدون فكر وروح فالشيء وضده سرمديان وكل شيء في الطبيعة يحمل في طياته ومكوناته جينات تتوالد وخلايا تحيا وتموت ، توقف ألقى بنظرة عميقة في الصابون صدر منه زفيرا وسط صمت المنزل مازال كل أفراد عائلته يغطون في سبات عميق من كثرة السهر في ليالي رمضان ..."
أضحت الرواية سجلّا نتلمس فيه ما يثير الهلع في النفوس زمن الجائحة ، وعنف الحجر الصحي ، وانتشار الفيروس الخانق للأنفس  .وباء كورونا يحضر في الرواية  كحرب عالمية ثالثة ( حرب إنسانية ضد فيروس سريع الانتشار ) ، العالم كله على جبهة محاربة عدو واحد ، بعيدا عن الدين والقومية واللون والجغرافيا ، الجميع مجند ، وهو تجند يذكرنا بما قرأناه وما شاهدناه  في  أفلام وما سمعناه من أجدادنا عن الاستعدادات التي خاضتها البشرية ضد النازية في الحرب العالمية الثانية . لقد خلفت الحرب العالمية الثانية حوالي أزيد من سبعين مليون ضحية ، وها هي كورونا تهدد الحياة من أصلها ، أي محو الحياة من على وجه الأرض .
يدخل المكان في السرد  الرواية فيؤثر على حركة السارد ، فيغير إيقاع السرد بعبور السارد أمكنة مختلفة في الرواية ،  ممّا يؤدي إلى تغير الأمكنة داخل الفضاء الروائي ،  الذي ينتج عنه نقطة تحوّل حاسمة في الحبكة ،  و بالتالي في تركيب السرد والمنحنى الدرامي الذي يتّخذه ، وكذلك علاقة تأثير وتأثّر بين المكان والشخصيات الروائية ،إذ يُعد المكان عنصرًا أساسيًّا في تشكيل بنية هذه الشخصيات ، كما أنّه لا يتشكّل إلّا من خلال اختراق هذه الشخصيات له في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " .
ونقرأ في الصفحة : 199 ما يلي : " ...ربما استعمال لفظة الحب لا أريده شعورا شكليا ، فالشعور بالحب له عندي معنى وجودي وصوفي أعمق من مجرد قول تتبعه رغبة في الفراش والمضاجعة كما هو معروف في قصدية الزواج أي التوالد من أجل استمرار النشء .. ؟ . فمعنى الحب أن تكون أنت الحبيب " هو – هو " بتعبير منطقي ، فلا يمكن أن نميز بين جسد الاثنين فروح الأول تذوب في الثاني ... " .

خامسا - خاتمة :

هناك روايات استندت إلى التخييل بشكل كبير، وكانت ذات بعد استشرافي ، جعلها تتوقّع حدوث أوبئة استثنائية ، وتصف بدقة مختلف ما يمكن أن يصيب العقول والأجساد  البشرية ، فكانت في مجملها عبارة عن محاكمات أخلاقية قاسية للتوجهات الحضارية الجارية ، وأشهرها رواية “الطاعون” التي كتبها ألبير كامو سنة 1947، أي مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورواية “العمى” التي ألفها البرتغالي جوزيه ساراماغو سنة 1995، والتي تنتهي بقولة عميقة لزوجة الطبيب بطل الرواية، وكانت الوحيدة التي نجت من وباء العمى: " لا أعتقد أننا عمينا ، بل أعتقد أننا عميان يرون ، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون . " . استمرت اهتمام  الأدب بالأوبئة والأمراض المعدية " حتى صار بإمكاننا أن نضيف إلى الجنس الروائي نوعا روائيا سمّي أدب الأوبئة " ، فإلى حدود الألفية الثالثة صدرت العديد من الأعمال الروائية التي تعالج موضوعة الأوبئة وتبدع في تخيل إمكانيات العدوى وانتشارها  وما يتبعها من فقدان للتحكم وانهيار للقيم ، نذكر  رواية " عام الطوفان " التي صدرت عام  2009 ، للكاتبة الكندية مارغريت آتوود ، ورواية " المحطّة الحادية عشرة "  للكندية كذلك ، إيميلي سانت جون مانديل التي نشرتها سنة  2014 ، وهي روايات أستفادت كثيرا من قراءة السيناريوهات السابقة التي ظهرت مع بعض الأوبئة المحدودة الانتشار ، لكنّها أعطتها أبعادا عالمية . ولذلك أعتقد أن الأدب سيظل رفيقا للبشرية كما أشرت في التقديم ، بل وستزداد أهميته  كثيرا ،  بحكم طغيان الجوانب المادية على الحضارة ، وحاجة الإنسان الملحة إلى الأبعاد الوجدانية والروحية ، وهي المجال الحيوي للأدب ، ولذلك ينبغي أن يكون الرهان كبيرا على الأدب والثقافة والفن بشكل عام ، لمن أراد أن يبني نموذجا حضاريا إنسانيا متوازنا ليخلص هذا المجال من جنوحه وزيغه وإفساده للفطرة الخلاّقة التي تميل إلى التعايش والسلام والخير والمحبة ، وتكره الظلم والفساد .

المصادر والمراجع :

1 – دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
2 - رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " / المصطفى الزواوي .
3 – المرجع ( 2) نفسه / الصفحة 7 و 8 .
4- مجلة الآداب / 1980 / السنة الثامنة والعشرون / عدد خاص ( 2 و3 ) الصفحة 83
5– محمد الورداشي / موقع الحوار المتمدن
6 - / الدليمي، لطفيّة /  فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة، دار المدى، بغداد، 2016
7 – المرجع ( 1 ) نفسه / الصفحة : 104
8 - الأدب والإنسان الغربي، ترجمة شكري محمد عياد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000
9 -   المنير في اللغة العربية (الجذع المشترك، والتعليم الأصيل)
10 -  اللغة والحجاج: أبو بكر العزاوي
11 -  المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية: جميل صليبا
12 //- Roland Barthes : introduction à l’analyse Structural des recit, « collectif » édition du Seuil, Paris , 1977, P 32.
13 ///- Voir : R. Barthes : introduction à l’analyse structural des récit, P P 14. 15.

الخميس، 10 سبتمبر 2020

القصيدة ‏وليدة ‏حلم ‏الشاعر ‏/// ‏بقلم ‏: ‏مجدالدين ‏سعودي🗻🗻🗻🗻🗻🗻🗻🏕🏕🏕🏕🏕

الديوان الزجلي (خلوني نحلم) لمحمد مهداوي:  (القصيدة وليدة حلم الشاعر)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

استهلال
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الحلم حياة وأمل في التغيير وحلاوة التعبير ، وبواسطة الحلم يبدع الكاتب ويحلق عبر لعبة الخيال في سماء العطاء ، وفي هذا الصدد يقول الشاعر الاماراتي خالد البدور : (القصيدة وليدة حلم الشاعر) ، فهي جسر حالم للسفر في الواقع المأساوي الذي نعيشه ونعانيه ، وعبر الحلم ينشد الشاعر التغيير وملامسة الواقع وتعرية كل عيوب المجتمع ، ولهذا يقول جيني ديتزلر :  (  لا تجعل الاعشاب الضارة تنمو حول حلمك).أما الروائي الكبير باولو كويلو ، فيقول: ( التعاسة سببها أنن لا نملك الشجاعة لتتبع العلاماتو الأحلام والاشارات) .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

القسم الأول
_ _ _ _ _ 

1 في السيرة الذاتية
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

محمد مهداوي من مدينة أبركان يكتب الشعر والزجل والقصة والنقد الأدبي..
فاعل جمعوي..
من اصدارته:
الديوان الزجلي (الباردي والفردي) 2017
ديوان مشترك مع عدة شعراء مغاربة (دواية وقلم)
الديوان الزجلي (خلوني نحلم) 2019
مجموعة قصصية (حين يبكي القمر).
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

2 في الاصدار
_ _ _ _ _ _ _ 

أصدر الباحث والشاعر والقاص محمد مهداوي ديوانا زجليا بعنوان (خليوني نحلم) سنة 2019 يضم 27 قصيدة من تقديم الأستاذ محمد موح واللوحة للأستاذ عبد الحفيظ مديوني والغلاف من تصميم الزجال محمد مهداوي.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

3 في الاهداء
_ _ _ _ _ _

الاهداء اعتراف بنبل وقيمة الزوجة( الى زوجتي المصونة أهدي هذا الديوان ذكرى يوم تغيب الذكريات. الصفحة 2)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

4 في العنوان
_ _ _ _ _ _ 

يقول الأستاذ " محمد موح " : " ...وكما هو الشأن في ديوان " لباردي والفردي " ، يبقى الجانب الإنساني ببعده الواسع كثير الحضور في هذه المجموعة الشعرية الجديدة ، حتى العنوان الذي اختاره يجسد في حد ذاته حلما إنسانيا يرجو منه تحقيق المصالحة بين الإنسان والحياة ... 1).
بينما يقول الأستاذ عبد الرحمان الصوفي:(علاقة الحلم بالنوم علاقة وطيدة ، إلا أنها في عنوان الديوان ليست هي المقصودة ، بل المقصود حلم اليقظة العقلية في أبهى إشراقاتها الفكرية . والمقصود كذلك ليس المفهوم الضيق لحلم اليقظة في علم النفس ، ولكنه تأمُّل فلسفي بخصب خيال الإبداع ، ويغذي رؤى المستقبل من خلال اللغة والواقع والحلم والخيال وصولا إلى السفر في الذات والذاكرة الفردية و الجماعية والأرض والتراث والمجتمع الإنساني عبر انصهار الأنا / الشاعر ( خليوني = ني ) بكل حمولتها المرجعية الفكرية والفلسفية والسياسية والدينية ... ورغباتها البعيدة والقريبة ، الشعورية واللاشعورية في مساءلة لعلاقة للأنا / الشاعر بالآخر..2)
بينما يقول سعيد فرحاوي : (لأن الذات الشاعرة تجد نفسها في وضعية غير مطمئنة مادامت تسعى تحقيق الحلم ، و مادام محمد المهداوي يطالب مباشرة بالرغبة في الحلم من خلال طلبه( خليوني)، وهي اشارة بنائية تفيد ان الشاعر لم يتصل به بموضوع رغبته /الحلم 3)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

القسم الثاني
_ _ _ _ _ _ _

الفصل الأول: البحث عن غد أفضل
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في قصيدة (الشرق والغرب)،   يكون البحث عن غد أفضل:
(  شْحالْ قَدَّكْ يا الْغيمَة
تَبْقايْ عاڭرَة
لا زَمْ يْجي يُومْ
تَرْوينا...
وَيْعَمْ الْخيرْ ... الصفحة 24 و25)
وكذلك:
( شَرَّقْتْ ؤُ غَرَّبْتْ
طْويتْ الارْضْ
سَبْعْ طَيَّاتْ
نْقلَّبْ عْلى نَغْمَة
لَلسَّنْتيرْ
نْكَلَّمْ لَحْروفْ
التَّايْهَه ...
بَ لْسانْ الطّيرْ
يا سْيادي .. الصفحة 26).
تجد الذات الشاعرة أملها في الغد الأفضل عبر تمسكها بالكتابة وذلك في قصيدة (خيمة لحروف): 
(مِينْ تْغيبي
نَبْكي زَهْري
الْخُوفْ يَسْكُنْ
خيمْتي
وَنْباتْ نْهالي ... الصفحة 45 )
وكذلك: 
(انْتِ هِيَ قَنْديلْ
عَمْري
نْهارْ تَطْفايْ
تَـتْهدَّمْ قُبْتي
 ؤُتَـتْـقَطَّعْ نْعالي ... الصفحة 46)
وكذلك: 
(يا نَجْمة فْ لَعْلالي
مِينْ تْغيبي
نْباتْ نْعَوَّڭْ
بْحالْ الذِّيبْ
طُولْ الْيالي
بْلا بيكْ يا نَجَّمْتي
مَعنْدي والي ... الصفحة 46)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الثاني: حلم بغد أفضل
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

يقول ارسطو: ( الأمل حلم من أحلام اليقظة.)
الحلم هو سلاح الذات الشاعرة للوصول لغد أفضل عبر آلية التذكر والحنين الى الماضي ، في قصيدة (خَلِّيونِي نَحلَمْ):             
( خَلِّيونِي نَحْلَمْ
بَالْكَرْمَة وَالْكَانونْ
بَالتْويزَة وَ يَّامْ الْبُونْ
بَالصَّفْ وَالْحَايَكْ 
فْ بْني عامَرْ وَبْني مِيمُونْ
خَلِّيوْنِي نَحلَمْ...
يُومْ وَاحَدْ بْلاَ تِليفُونْ
نْطيرْ....نْطيرْ....
فَالسْما بْحَالْ الْمَجْنُونْ
نَتْفَكَّر يَّامْ جْدُودي
وَنْعيِشْ وَخَّ غِي دْقِيقَة
وْرَا الْقَانُونْ...
نَخْلِي الْبَارودْ
نْعَرَّشْ وَنْسَبَّسْ
وَاللِّي بْغَا يْكُونْ يْكُونْ ... الصفحة 12 )
بينما في قصيدة (حلمة الغُولة) ،يلتجئ الشاعر محمد مهداوي الى السرد لإذكاء عنصر التشويق الى حلمه   :
( حْلَمْتْ حَلْمَة
مَعنْدْها فْصَالة
غُولَة بلا راسْ
رَجْليها فَ السْما ... الصفحة 12)
فيتساءل:
(مِينْ هِيَ ؟
مْنينْ أصْلْها ؤُفَصْلْها؟)
ليكون الجواب:
(لْقيتْ راسي تايَهْ
وَسْطْ الْويدانْ
نَتْعارَكْ
مْعَ غْوالْ الزْمانْ
اللِّي مَعنْدهُوم ْ
رْيُوسْ
مَعَنْدهُمْ رَجْلينْ ... الصفحة 12)
لكن الذات الشاعرة في غياب القمر يكون حلمها وذلك في قصيدة (إِلى غابَتْ الـڭـمْرَة...)   
على الشكل التالي:
( نْبَاتْ أَنَّجْ لَحْزَانْ
نْقَرْدَشْ لَهْمُومْ
بْ مَغْزَلْ النْجُومْ
نَسْتَنَّى ضَوْ لَفْجَرْ
نَلْبَسْ جَلاَّبَة بِيضَة
وَنْطُوفْ عَ لَخْيامْ
نْسَبَّحْ...
نْهَلَّلْ... الصفحة 14)
عندما يلتقي الزجل والسرد فالحكاية تكون متينة ومشوقة، وهذا ما نجده في قصيدة(خيرْ وسلام): 
(جاني ذيبْ فْ لَمْنامْ
سَوَّلْتْ فْقيهْ
قالْ لي خِيرْ وَسْلامْ
قُلتْلُو عَنْدُو زوجْ رَجْلينْ
سْنانُو عامْرَة دمْ
قالْ لي بَخَّرْ بْ ريشْ النْعامْ
وَتْصَدَّقْ بْ سَنْسْلة فَضَّة ...الصفحة 19)

لكن الجواب الشافي بعيد عن كل تأويل ميتافيزيقي:
(قُلْتْلُو هاذْ الذِّيبْ لْحَمْ وَعْظَمْ
ڭالَسْ مْعانا
يَسْمَعْ كْلامْنا
وْياكُلْ طْعَامْنا
آشْ الْمَعْمُولْ يا عالي لَمْقامْ ؟... الصفحة 19)
ويواصل بتحدي منطومة غيبية:
( قُلْتْ لُو يا سيدْ الْفُقْها
الذِّيبْ هُوَ انْتَ
وْهَذا...وْهاذُو…
لَحْلالْ رَدِّيتُوهْ حْرامْ
لْبَسْتُو لْبَاسْ ذْيُوبَه ... الصفحة 20)
وبشمس الأمل تصدح الذات الحالمة بواقعية مستفيدة من التاريخ:
( لا بُدْ يْجي نْهارْ
اللِّي تَشْرقْ فيه شَمْسْ الْحَقْ
وِيطيحْ الظْلامْ
لا بُدْ الْڭَمْرَة تَطْلَعْ ضاوْيَة
ؤُتَبْرا لَسْقامْ
نَفَّرْحُو كَامْلينْ
وَنْرَدْدُو بْ صَوْتْ عالي
مْنامَتْنا خيرْ وَسْلامْ
مْنَامَتْنا خِيرْ وَسْلامْ…الصفحة 19 و 20 )
الشاعر محمد مهداوي يزاوج بين الحلم والواقع وذلك في قصيدة (يا عالم):
 (تْمَنِّيتْ نْكُونْ شَمْعَة
نْضَوِّي عْليكُمْ
ظْلامْ الْحـُڭرَة
نَسْقي جْبالْكُمْ
مَنْ حَرْ الدَّمْعَه
نْعَطَّرْ قْلُوبْكُمْ
بَالْمَسْكْ…
وَالْعَرْعارْ ... الصفحة 42)
ويواصل:
(خَلِّيوْ  الشَّمْسْ تَرْقَصْ 
عَ لَّعْيُونْ وَ الجْبالْ
أَدَّفِّي لَمْطامَرْ
وَتْشَعْشَعْ عْيونْ الْحَقْ
تَشْرَبْ مَنْ ضَوْ لَفْجَرْ ... الصفحة 44)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الثالث: نوستالجيا
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في قصيدة (ياالخيالة) يكون التحسر على زمن جميل:                     
( يا الْخَيَّالَة ...
يا ناسْ الْهَمَّة والشَّانْ
الْمُكَّحْلَة مَالْها حْزينَة
وَالْبارودْ مَالُو بْـرَدْ
فينْ السَّرْبَة ..
فينْ الْمَحْرَكْ ..
فينْ الرَّجْلَة
عْلاشْ سَرَّجْتُو عْوادْكُمْ
زَوَّقْتُو الزِّيفْ بْ لُونْ مْذَهَّبْ
وَنْسيتُو تْـڭــادُّو الصْفَايَحْ
لَجَّمْتُو خْيولْكُمْ
وَنْسيتُو تْعَلْفُو عْوادْكُمْ ... الصفحة 21)
وكذلك:
(فينْ الْمُوَّالْ الزِّينْ
فينْ الزَّغْرتاتْ
فينْ الزَّامَرْ وَالْبَنْديرْ…
شْحالْ قَدْكُمْ مَ تَـتْصَوْرُو
ؤُتَسْتَعَّرْضُو كْتافْكُمْ
راهْ الْعَرْسْ عَمْرُو لِيلَة
ؤُ لَفْضيحَة وَقْتْها عامْ الصفحة 21 )
في قصيدة (توبقال)يتمسك بهذا الصرح القوي والشاهد على تقلبات الزمن: 
( تُوبْقالْ ...يا تُوبقالْ
عَالي ...عَالي…
مَ يْهزَّك ريحْ
مَ يْغطِّي وَجْهَكْ ظْلامْ 
لازمْ تَبْقى حُرْ ….
مْنَوَّرْ….
عَشْ لَحْمامْ
ؤُحَضْنَكْ دافي 
ديما دافي….
لْ أَهْلْ السَّلامْ .الصفحة 69) 
يبحث شاعرنا عن مدينته الفاضلة، ففي قصيدة (المدينة الفاضلة)، يتساءل:
(فينْ الْمَدينَة الْفاضِلَة
فينْ الْقِيَّمْ
فينْ السِّلمْ ؟
الجْبالْ ذابَتْ
منْ كَثْرةْ لَهْوالْ... الصفحة 70)
والأسباب كثيرة:
( الْحَقْ وَلَّا مْكَبَّلْ
بْ شَلَّا عْقالْ
الدْيوكَة تْخَلْطُو مْعَ لَفْلالَسْ
مَبْقى لا صْهيلْ الْخيلْ
وَلاَ نَخْوَة الرْجالْ
السْحابْ هْجَرْ لَمْكانْ
وَالطْيُورْ نَـتْـفَتْ ريشْها
ؤُلَمْفاتَحْ هَجْرُو لَقْفالْ ... الصفحة 70 و 71)
الحنين الى لمسيد عاطفة قوية تدفع الشاعر محمد مهداوي الى القول، في قصيدة (لمسيد):
( هَذي زْمَانْ كانوا الْمَحَّضْرَا
بَالبَلْغَة وَالجَّلَّابَة
بْحالْ الْڭمْرَا
اللُّوحَة وَالصَّلْصالْ 
الِّلي بْغَا يَقْرَا
السْمَقْ ؤُلَقْلَمْ
زينْ النَّظْرَا
عَ لَحْصيرْ ڭالْسينْ ...الصفحة 77)
_ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الرابع:  الشعر والحكمة
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

يتحول الشاعر محمد مهداوي الى مجذوب الكلمة الصادقة والحارقة ..
في قصيدة (كلام الحق) يقول:
 (إلى كانْ لَمْقدَّمْ هْبيلْ
وَالْخَيَّالَة عاڭرينْ
راهُمْ بْحالْ الطِّيرْ
بْلا جْناحْ
الْڭلبْ السَّايبْ
وسْطْ لَهْوَا
يَبْقى ديما سَوَّاحْ ... الصفحة 34)
وكذلك:
( راهْ الشَّاربْ مَنْ كيسانْ الْمُنْكَرْ
حْلاوَة مْعَتْقَة
يْجي نْهارْ الِّلي تَـتْهَرَّسْ
ليكْ لَقْداحْ ... الصفحة 35)
وكذلك:
(  وَالْهَمْ لازَمْ يَرْفَعْ راسُو
وَسْطْ لَغْمامْ
نْهارْ تَشْرَقْ الشَّمْسْ
الظُّلْمْ لازَمْ يَتْلاحْ
الْحَقْ يبْقى حَقْ 
وَالْباطَلْ يَبْقى باطَلْ
وَخَّ ادّيرْلُو بَرَّاحْ ... الصفحة 35 و36)وبطعم غيواني يقول في قصيدة (مايْدوم حال):                       
( يا حْبابي
مايْدومْ حالْ
أدِّيوْ  ما عَنْدي
مَنْ مالْ...
ؤُ خَلِّيولي غِي
راحَة الْبالْ ... الصفحة 53 و54 )
مشكل قوارب الموت والهجرة اللاشرعية نحو الخارج لتحسين وضعية الشباب ، تدفع شاعرنا الى التساؤل بمرارة وذلك في قصيدة (مالْ لبحر مالح ):                       
( يا التَّايهْ وسْطْ لَحْزانْ
مالْ دْمُوعَكْ 
فايْضَة ويدانْ
فينْ مْقاذَفْ الرَّجْلَه
فينْ النَّخْوه، فينْ الْهَمَّة..
مالْ سَرْجكْ هايمْ
وسْط الْبُلدانْ
عْلاشْ هْجَـرْتْ الشَّمْسْ
وَاخْتاريتْ تْسافَرْ 
فْ جوْفْ الِّليلْ
مْعَنَّـڭْ لَمْواجْ ... الصفحة 63 )
فيكون التحذير:
( راهْ لَبْحرْ جيعانْ
الِّلي بْغا يَـتْـشَرْمَلْ
الْمَلْحَة مَنْ عَنْدي
وَالِّلي بْغا قْبَرْ فْ جُوفي
يَذْبَحْ فَرُّوجْ بَلْدي
أَلْفْ مْرَحْبا يا الْحَرَّاڭه ... الصفحة 64)
وبحسرة:
( آهْ يا طيرْ الطْيُورْ
مالكْ تْحَوَّلْتْ لْ طيرْ الِّليلْ
مينْ امَّا جَا الْميلْ تْميلْ ... الصفحة 65)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الفصل الخامس: رفض وتمرد
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

تمرد الشاعر نابع من ايمانه العميق بمشاكل مجتمعه..
في قصيدة (ثورة حمار...)،يقول:                        

( لَمَّا شافْني عَڭْزَانْ
حَنْ عْليَّا حْماري
حْلْ بيبانُو
وَافْتحْ ليَّا اشْواري
قال لي ارْكَبْ
راكْ مْعَ الرْجالْ
ماشي مْعَ الدْراري
شْحالْ مَنْ مَرَّة عَلَّفْتْني
وَعْطيتْني شْعيرْ
وَاسْتَرْتْ عَاري ... الصفحة 74 )
الاستغلال البشع يدفع الشاعر الى القول:
( نْهارْ تَحْتاجُوني
تْڭولُو مْرَحْبا يا حْماري
وَنْهارْ تَغَّضْبُو عْلَيَّا
تْبيعُوني لِأوَّلْ شاري)
استغلال الاصوات والتنكر سمة الانتفاعيين:
( وخَّ أَنا صَوَّتْ عْليكُم
انْتُما تْسَوْطُوني
تْكَرْهُوني فَ نْهاري
أنا حْمارْكُمْ
شابْ راسي
وَ عْماوْ بْصاري
دَرْتُو لَباسْ
مَعْرَفْتُو مَقْداري
شْحالْ بَتُّو مْعايا فالْكُوري
نْهار الْميزيريَّة
مَلِّي سْتَوزَرْتُو
خْليتُو داري
ؤُ نْـتَـفْتُو ظْفاري ... الصفحة 76 )
 في قصيدة (لالة لمرايا) يكون الفضح على الشكل التالي:
(اللِّي بْغا طْريقْ الْحَقْ
نْوَرِّيهْ….
وَالِّلي بْغا مَالْ ليتَامى
نَمْشي وَنْخَلِّيهْ ... الصفحة 80)
وكذلك:
( اللِّي بْغاني يَلْڭاني
وَالِّلي كْرَهْني
مَ نَرْجَعْشْ عَنْدُو
ثاني….)
ولهذا السبب:
( أَنا مْرايَتْكُمْ كَامْلينْ
مَ نَسْتَرْ عْيُوبْكُمْ
مَ ناخُذْ رْشاويكُم
مَ نْزَوَّقْ فْضايَحْكُمْ ... الصفحة 81 )_  
في قصيدة (  يا الرْياحْ الْعاصْفَة.) يعزي المشاكل الى :                         ..  
(راني عْييتْ نْخَمَّمْ 
فْ سْبابْ هاذْ الْهَمْ
لْقيتْ لِيلْنا بْحورْ غامْقَه
مَ يْـڭــدوهْ كيسانْ
فْضايَحْنا ساحَتْ
ؤُ فَاحَتْ …
وَسْطْ الْغَرْبانْ ... الصفحة 87)
_ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خاتمة
_ _ _ _ _ 

يحضر التناص بشكل ذكي وتوظيف رائع في عدة عناوين وقصائد ديوان (خلوني نحلم) وعلى سبيل الذكر (يا عالم، ما يدوم حال، المينة الفاضلة، يا الرياح العاصفة).ويتميز محمد مهداوي بأسلوبه السهل والبسيط والذي يدخل ضمن ( السهل – الممتنع)، حيث لا نجد أي  زخرفة لغوية ولا حشو ولا اطناب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

مجدالدين سعودي – المغرب
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

احالات
_ _ _ _ 

1 محمد مهداوي: (خلوني نحلم) – الطبعة 1 سنة 2019 عن مكتبة ووراقة بلال فاس
2 عبد الرحمان الصوفي: عنوان الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة ( ديوان " خليوني نحلم " في ميزان فلسفة علم الأخلاق / مدخل الخلقية الأخلاقية الذرائعية
2 سعيد فرحاوي: تجليات المعنى في حلم يخفي اسرار الكتابة داخل الزجل.(محمد المهداوي وادريس مسناوي نموذجا).
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

شعر ‏: ‏محمد ‏الدبلي ‏الفاطم ‏

أُناديكمْ
أناديكُمْ ولا أحداً يجــــــــــيبُ***كأنّ الشّمسَ أغْرقها المـــــــغيبُ
تزندقت الضّمـــائر في بلادي***وشاع النّهب والشّطط الرّهيــب
وزغردت الرّذيلة ثمّ صــــاحت:***ألا ناموا فنومكم عــــــــجيب
ألا ناموا فصــــــــحوتكم حرام***ونهضتكم بنا لا تســـــــــتجيب
ولو كنتم رجالا ما انبطــــــحنا***وكيف سينحي الرّجل اللّبـيب؟
////
دعوني في السّهول مع البقر***ففي الأدغال قد أجد البـــــــــــشر
تعبت من التّفــــــكر في بلاد***بها الإنسان يسكن في الحــــــــفر
عيون الماء في الأعماق تجري***وعجز النّاس ينتـــظر المــطر
فلو كنّا إلى الخيرات نسعى***لأخرجنا المياه من الحـــــــــــــجر
ولكنّ الإرادة فــــــي بلادي***يعطّلها التّخــــــلّف في النّـــــــظر
////
صحيح أنّنا قوم ضــــــــعاف ***يهدّدنا التّــصحّر والجــــــــفاف
نعوّل في الحياة على الأماني***وفي أوساطنا كثـــر العــــــجاف
ونجهل أنّ كسب العلم حلّ***سيقوى عبر نهضــــته الضّــــعاف
تزيد به العقول هدى ورشدا***وتملكه الشّــعوب فلا تخــــــــاف
إليكم يا بني وطني إليكم***فإنّ الغـــرس يعقبه القــــــــــــــطاف
////
سقطنا في الحضيض من النّدم***وهبّ السّحت فانبــطح القلــــم
نبيع حروفنا بيعا ذميــــــــما***وبين النّاس أفـــــسدت القـــــــيم
أراد بنا الأعادي كلّ ســـوء***لنصبح في الوجــــود من العــدم
وقد نصبوا الكمائن واستباحوا***حقوق النّاس واغتصبوا القسم
فقل للظّالمين غدا سنحـــيا***فننـــــــــزع من ضــــمائرنا الألم
////
لما نخفي المساوئ والعيوبا؟***لم الغوغاء ترفض أن تتـــــوبا؟
نعيب عدوّنا والعيــــــب فينا***وشرّ النّاس من فقد الصّـــــوابا
وإنّ الجهل في الإنسان عار***كأنّه كلبة ولـــــــــــــــدت كلابا
تزيد به النّفوس أسى وغيّا***فترتكــــــــــب الجرائم والخـرابا
وقد علموه داء مستطيرا***ولكنّ القليل من استــــــــــــــــجابا
////
قبيحٌ أن نعيش على الشّعير***ونجلد بالعصا جلد الحــــــــمير
كأنّ الطّاعة العمياء رجس***وظلم للعـــــــــــــــقول وللمصير
ألم تر كيف حاصرنا التّدنّي***ونكّل بالصّـــــــــغير وبالكبير؟
نقبّل في النّعال وفي الأيادي***ونقنع بالقليل من الشّـــــــــعير
سماسرة الفساد طغوا علينا***ونحــــــن وراءهم مثل البـــعير
////
ألفنا في تعاملنا الحــــــــيلْ***وذكر الله قد ضـــــــــرب المثلْ
نراوغ كالثّـــــــعالب كلّ يوم***ونطمع في الوصول بلا عمل
رمانا الضّعف خلف العصر حتّى***غدونا في الخلائق كالهمل
يمرّ بأمّتي الماضي فيبكي***بكاء عن فظاعة ما حــــــــــصل
ونحن كما ترى قوم ضعاف***فقــــــــــدنا في ثقافتنا الأمــل
محمد الدبلي الفاطم

أنخاب ‏العطش ‏/// ‏بقلم ‏: ‏سليمان ‏أحمد ‏العوجي ‏

أنخابُ العطشِ
--------------------
كأيِّ عجوزٍ في مقتبلِ الموتِ..
يصبُّ أبي خمرةَ الخطيئةِ في كأسِ التوبةِ
ويبيعُ حطبَ العمرِ بحفنةٍ من صكوكِ الغفران.. 
قدرهُ أنْ يجوبَ حدائقَ الحقيقة بقدمينِ متورمتين من مطلع الريبةِ حتى مغيبِ الشكِ.. 
سبحةُ أبي لاتملُ الدورانَ بينَ أصابعهِ وفي حلقهِ لم يبقَ إلا الطميُ وأسماءُ اللهِ التي لاتجفُ....
قد يغيبُ بعد حينٍ تاركاً ثروةً مهولةً من الحزنِ
وجبيناً مجعَّدَ الحسراتِ
فالأهلُ عنهُ لاهونَ.. يتبادلونَ أنخابَ العطشِ..
هنا مدينةٌ نَشِفَ فيها ريقُ الماءِ
وأميرةُ البيادرِ سنبلةٌ في رَيعانِ الحنطةِ تمشي حافيةَ الحلقِ تقول: إن النهرَ جرحها بوعدٍ كاذب.. 
وهل على الأسيرِ جناحٌ ياأميرة؟!.. 
أماه: 
متى تخرجُ عشتارُ من قمقمِ الردةِ لتُعَدِدَ سجايا الفصول وتمسح دمعَ الحقول؟... 
نمْ ياصغيري ...
غداً سيأتي ( الخابور)  بعرائسِ الماء...
 كيف أنام على وسادةِ العطشِ؟!.. 
وأولادُ السلطان يلهونَ ببريدِ السحابِ..
ويسدونَ دروبَ الشريانِ 
والماءُ الذابلُ يمسكُ بطرفِ ثوبكِ كآخرِ ملاذ... 
لن أنامَ وضرعُ المدينةِ قتيل... 
دعي الملحَ يلعقُ جرحي.. 
وهزّي بجذعِ الغضبِ حتى يخضرَّ الكلامُ...
الأماني لاتطفئ ماجمعَ ( النمرودُ) من كيدٍ
فيا نارُ كوني برداً وسلاماً
همْ إخوةٌ كانوا لنا إخوةً
يسيِّجونَ العطشَ ويرفعونَ أسوارَ الموتِ...
إمامُ الظلِ يرفعُ فيهم أذانَ الأباطيلِ من مآذنَ قضيةِ الإيمانِ...
ويرشونَ الذئبَ والجبَّ والسيَّارةَ....
قلْ لمنْ يكنزونَ الريحَ في خزائنِ صدرهم:
لا.. لن أنامَ حتى يصيرَ الثأرُ فراتاً من كرامة. 
        - بقلمي
سليمان أحمد العوجي
- سوريا

بقلم ‏: ‏نور ‏حنيف ‏أبو ‏شامة ‏/ ‏المغرب ‏🌶🌶🌶🌶🥋🥋🥋🥋🥋🥋🥋🥋⛸⛸⛸⛸⛸⛸⛸⛸

في نقدِ الذاتِ 
...
يتسوّقُنِي الْوهمُ 
في مداخِلِ الْوهمِ
عِرْبيداً يفقَهُ شِعْرا
...
و أنا لا أزالُ 
لا أُنيخُ بَعِيراً
وَ لا أميزُ لَهُ بَعْرا
...
فَكيْفَ تَتَشَوّفُنِي الْقافِياتُ
أشُمّها قرْنا 
تَشُمّني شَهْرا
...
لسْتُ أرْقَى إلى الْعَمودِ
وَ الْعَمودُ الْأشَمُّ
أبْعَدَنِي دَهْرا
...
لا الْخَلِيلُ بارَكنِي
و لا الْأخْفَشُ رَقّانِي
أو كَوى لِي ظَهْرا
...
فكَيْفَ أُنْشِدُ
وَ النّشِيدُ مُخَاصِمِي
وَ هْوَ الْأشَدُّ قَهْرا
...
لستُ ذاكَ الْمَعْنِيَّ بالْقَصيدِ
إذا ما الْقَصيدُ
أنْشَدَ بَهْرا
...
نون حاء

الأحد، 6 سبتمبر 2020

عنزة ‏العم ‏حمودان ‏في ‏حضرة ‏ابن ‏المقفع ‏/// ‏بقلم ‏: ‏محمد ‏مهداوي ‏🐗🐗🐗🐗🐗🐗🐗🐃🐃🐃🐃🐃

.........عَنْزَةُ الْعَمِّ حَمُّودانْ في حَضْرَةِ ابْنِ الْمُقَفَّعِ.........

رَغْمَ اقْتِناصِها مِنْ طَرَفِ لاليجُو وَتَضارُبِ مَوْتِها مِنْ عَدَمِهِ، ما
 زَالَتْ عَنْزَةُ الْعَمِّ حَمُّودانْ تَظْهَرُ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرى في مُخَيِّلَةِ
 سُكَّانِ جِبالِ بَني يَزْناسَنْ، فَتارَةً تَظْهَرُ عَلى صَفْحَةِ الْقَمَرِ، وَتارَةً أُخْرى عَلى ظَهْرِ رَبْوَةٍ، وَأَحْياناً تُقَدِّمُ مُساعَدَاتِها الْإِنْسانِيَّةِ لـِمَـنْ يَحْتاجُها مِنَ الضُّعَفاءِ وَعابِري السَّبيلِ…

أَسْئِلَةٌ كَثيرَةٌ تُرَاوِدُ النَّاسَ، وَتَحُثُّهُمْ عَلى تَتَبُّعِ خَطَوَاتِ هَذِهِ الْعَنْزَةِ الْـمِثالِيَّةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ رَآها تُصارِعُ الذِّئْبَ في الْغابَةِ الـْمُجاوِرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْلَنَ هَرَبها نَحْوَ الْـجَزائِرِ وَأَنَّها مَا زالَتْ تُزاولُ دَوْرَ الْـمُقاوَمَةِ الْباسِلَةِ، وتُطْلِعُ الـْمُقاوِمينَ عَلى تـَمَوْقُعِ أَمْكِنَةِ الْجُنُودِ الْفَرَنْسِيِّينَ وَعَلى تَـمَرْكُزِ قَوَاعِدِهِمِ الْعَسْكَرِيَّةِ، كَما أَنَّها تُحاوِلُ لَمَّ شَمْلِ مُقاوَمَةِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ،وَتَقْريبُ الرُّؤَى بَيْنَ رٍجالاتِ عَبْدِ الْكَريمِ الْخَطَّابي وَفِدَائِيِّي الْأَمِيرِ عَبْدِ الْقادِرِ.. تَمَثُّلاتٌ كَثيرَةٌ تَناقَلَتْها الرِّواياتُ وَالْحَقيقَةُ تَبْقَى صَعْبَةَ الْـمَنالِ.

كُتِبَ عَنْها الْكثيرُ مِنَ الْأَحاجي وَالْحِكاياتِ الشَّعْبِيَّةِ، وَأَصْبَحَتْ تُسْرَدُ في جَلَساتِ الـْحَكْيِ في كُلِّ مُناسَبَةٍ وَغَيْرِ مُناسَبَةٍ، وَلَعَلَّ آخِرَ حِكايَةٍ اِنْتَشَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ بِمُخَتَلَفِ أَعْمارِهِمْ وَما زالَتِ الْأَلْسُنُ تَتَدَاوَلُها، حِكايَةُ إنْقاذِها لِأَسَدٍ مِنْ مَوْتٍ مُحَقَّقٍ؛ إِذْ يُحْكَى أَنَّ صَيَّادينَ نَصَبُوا شَرَكًا لِلْحَيَواناتِ في الْغابَةِ فَاصْطادُوا أَسَداً وَقَعَ في الـْمِصْيَدَةِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ فَكَّ رِجَلَيْهِ مِنْها، سَالَتِ الدِّماءُ مِنْ سائِرِ جَسَدِهِ وَانْسابَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهِ انْسِياباً، وَأَحَسَّ بِأَنَّ كَرامَتَهُ قَدْ لُطِّخَتْ بِالدِّماءِ، عانى اللَّيْلَ بِأَكْمَلِهِ، كَما أن زَئيرَهُ لَمْ يُسْعِفْهُ عَلى جَلْبِ الْـمُساعَدَةِ... مَرَّتْ بِجانِبِهِ النُّمُورُ وَالثَّعالِبُ وَالذِّئابُ، وَلَمْ تَجْرُؤْ عَلى تَقْديمِ الْعَوْنِ لَهُ لِفَزَعِها الشَّديدِ مِنَ الْأَسْرِ.. 

فبينَما كانَتْ عَنْزَةُ الْعَمِّ حَمُّودانْ " مَعزوزَةُ " تَرْتَعُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ ، سَمِعَتْ أَنينَ الْأَسَدِ وَهُوَ عَلى شَفا الْـمَوْتِ، اِقْتَرَبَتْ مِنْهُ وَهَبَّتْ لِنَجْدَتِهِ ، فَتَمَكَّنَتْ بِفَضْلِ حِنْكَتِها وَبَسَالَتِها مِنْ فَكِّ عِقالِهِ وَأَنْقَذَتْ ماءَ وَجْهِهِ. فَرِحَ الْأَسَدُ كَثيراً بِهَذِهِ الـْمُساعَدَةِ الْقَيِّمَةِ، فَأَقامَ حَفْلاً كَبيراً عَلى شَرَفِها فَاسْتَضافَها وَأَهْدَاها صِفَةَ أَميرَةِ الْغَابَةِ، وَطَلَبَ مِنْها مُقَاسَمَتُهُ الرِّئَاسَةَ وَتَدْبيرَ شُؤُونِ مَمْلَكَتِهِ الْحَيَوَانِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْعَنْزَةَ رَفَضَتِ الطَّلَبَ رَفْضاً قَاطعاً، وَفَضَّلَتْ أَنْ تَبْقَى وَفِيَّةً لـِمَبادِئِها، تَبْحَثُ عَنْ كُلِّ مَنْ يَحْتاجُ لِعَوْنِها،تُشَنِّفُ سَمْعَها بَيْنَ الْحينِ وَالْآخَرَ لِتَلْتَقِطَ صَوْتَ مَنْ يُناديها مُسْتَنْجِداً :

وَا عَنْزَتاهُ !! وَا عَنْزَتاهُ !! 

فَتُسْرِعُ كَوَميضِ الْبَرْقِ في تَلْبِيَّةِ نِداءِ الـْمُسَتَنْجِدِ، وَتْقديمِ الْعَوْنِ وَالـْمُسانَدَةِ لَهُ…
سَمِعَ ابْنُ الْـمُقَفَّعِ أَخْبَارَ هَذِهِ الْعَنْزَةِ الـْمِثالِيَّةِ، فَخَصَّ لَها مَكاناً آمِناً مَعَ كَلَيْلَةِ وَدِمْنَةَ وشَتْرَبَةَ، فَعاشَتْ وَسَطَ الْحَيَوَاناتِ تُعَلِّمُهُمْ ما خَبَرتْهُ مِنْ حِكَمٍ وَتَجارِبَ وَفَلْسَفَةٍ في تَدْبيرِ شُؤُونِ الْحَياةِ… وَنَجَحَتْ في بَسْطِ الْعَدْلِ وَالـْمُساواةِ وَالْاِنْسِجامِ بَيْنَ جَميعِ فِئَاتِ الـْمُجْتَمَعِ الْحَيَوَاِنِّي...

                              بقلم محمد مهداوي

سأموت ‏إن ‏لم ‏أر ‏جنازة ‏أمي ‏/// ‏قصص ‏من ‏الواقع ‏/// ‏بقلم ‏: ‏محمد ‏مهداوي ‏🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽

…….سأموت إن لم أر جنازة أمي…29/03/2019

...........قصص من الواقع............

تراه كالنحلة يجوب الشوارع دربا دربا دون لأي أو ملل، متأبطا هاتفه الذكي ،عيناه الصقريتان تراقبان كل صغيرة وكبيرة ،إنه سكانير مصغر، يمسح جميع مساحات مدينته على الأقدام،يجالس هذا ويواسي الآخر ويقدم يد المساعدة  لمن يحتاج إليها ، فغالبا ما تجده يجمع بين الحسنيين :الهاتف والوالدة…
كثيرا ما يتكفل هو بنفسه بدفع العربة التي تجلس عليها أمه ،المستسلمة لشلل الحركة ، يجول ويصول بها في شوارع المدينة ،تتملى بجمال بناياتها وتستأنس بالمارة جيئة وذهابا...وبين الحين والآخر يلتقط سيلفي مع أمه مبتسما،وفي كل مرة يقول في قرارة نفسه..قد يكون هذا آخر سلفي معها...يتعوذ من  الشيطان الرجيم ثم يتابع دفع العربة إلى مالا نهاية…
     فجأة سمع السي ميمون رنين  هاتفه :
- السلام عليكم ؟
-وعليكم السلام ...من المتكلم؟
-صديقك رضى من بروكسيل.
- أهلا وسهلا ...ما بال صوتك محشرجا...ما  دهاك أخي ؟
 -توفيت والدتي اليوم وستوارى الثرى ظهرا...
- ماذا تفعل في بروكسيل.إذن..إنها أمك...يجب أن تحضر مراسيم الدفن…
أجهش رضى في البكاء ردحا من الزمان ،اعتقد السي ميمون  أنه غادره ...لكن فجأة  تابع كلامه قائلا:
-لا أستطيع يا السي ميمون ….لا أستطيع…رجلاي مكبلتان...
-إن كان مشكلا ماديا سنتكفل به...الأيادي البيضاء لم تفقد بعد أخي...تشجع…
-المشكلة أخي ميمون...أنني لا أملك وثائق الاقامة...أنا حارگ…
ودخل في نوبة بكاء هستيرية….
استجمع السي ميمون فرائصه وقال له:
- ما العمل أخي رضى...هل باستطاعتي تقديم مساعدة لك…
-نعم ...هو أغلى وأسمى عمل ستقوم به ...لن أنسى لك هذا الجميل أبدا…سيكون دينا يكبل رقبتي...
أنا مستعد للتضحية من أجلك صديقي رضى...تفضل أعرب عن نواياك...
بلع رضى ما تبقى من ريقه ،لملم أنصاف الحروف التي كانت هائمة بيت شدقيه وقال:
-أريدك أخي ميمون أن تحضر جنازة والدتي وتصورلي لحظات توديعها إلى مثواها الأخير ...وستكون بذلك قد قدمت لي أعظم هدية في حياتي...
ارتبك السي ميمون للحظات...مسح دمعة شاردة من عينه اليمنى...ثم واصل كلامه وفي نفسه غصة قاتلة:
-سأفعل أخي رضى...سأفعل مهما كلفني ذلك من جهد...لأول مرة أحس بقيمة العمل الذي أؤديه ...لن أتخاذل في تلبية طلبك أخي رضى...
هكذا أنهى السي ميمون كلامه، مع رضى ...اقترب من كرسي خشبي وجلس عليه برهة من الزمان،استجمع خلالها كامل قواه...تفقد كاميرته...ثم تابع مسيره رفقة أمه نحو المنزل ...دون أن ينبس ببنت شفة ...
قبل صلاة الظهر بساعة  ونصف،اتجه السي ميمون مترجلا إلى منزل المرحومة ...عزى أفراد العائلة،ثم فتح عدسة هاتفه ،وشرع في التصوير بطريقة مباشرة كل مراحل الجنازة صورة صورة حتى وريت أم رضى إلى مثواها الأخير…
كان رضى يتابع على المباشر الموكب الجنائزي لأمه من بروكسيل  والدموع لم تتوقف ...بكى بحرقة الأطفال ...وأحس أن الخيمة التي كان يحتمي تحت ظلالها قد دكت بالأرض...رفع يديه إلى المولى عز وجل وقال متخشعا: مثواك الجنة أمي...مثواك الجنة أمي...مثواك الجنة أمي...أعادها ثلاث مرات ثم دخل في غيبوبة بكاء لا حدود لها…
    أنهى السي ميمون النقل المباشر للموكب الجنائزي...ثم غادر الجمع في صمت مطبق...فرغم التعب الذي أحس به إلا أنه حث رجليه على السرعة،لأن أمه تنتظره على أحر من الجمر ولا تستطيع النوم قبل التملي بطلعته البهية…

                       بقلم محمد مهداوي

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

أسماء ‏وأسئلة ‏: ‏إعداد ‏وتقديم ‏: ‏رضوان ‏بن ‏شيكار ‏

أسماء وأسئلة : إعداد و تقديم : رضوان بن شيكار

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

ضيفة حلقة الاسبوع الكاتبة و الشاعرة أمينة برواضي 

1 ـ كيف تعرفين نفسك؟

شكرا لكم شاعرنا السيد رضوان على استضافتي في هذا الحوار، ودمت من مشجعي الثقافة وفعل القراءة بهذه المدينة.
أمنة برواضي روائية قاصة وشاعرة تعشق الأدب، وتحب كل ما هو خير. 
أصدرت ست روايات.
وخمس مجموعات قصصية.
ديوان شعر.
ثلاث مسرحيات للطفل. المسرحية الثالثة تحت الطبع.
أربع قصص للطفل. ومجموعة من ست قصص تحت الطبع.

2 ـ ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟

من عادتي أن أقرأ مجموعة من الكتب بشكل متوازي، كلما مللت من واحد منهم انتقلت إلى الآخر، وهذا ما أفعله حاليا بالإضافة إلى كتاب الله.
أما عن أجمل كتاب، هناك كتب كثيرة شدتني إليها، لذلك أجد صعوبة في اختيار الأحسن.

3 ـ متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟

الإبداع بصفة عامة، تظهر تلك الموهبة أو البذرة الأولى في سن مبكرة، وأمينة ليست استثناء، لقد بدأت في مرحلة مبكرة جدا؛ غير أني يومها كنت أجيد كتابة مواضيع الإنشاء التي كانت تحظى باهتمام أساتذتي، وهذا طبعا كان دافعا لأكتب أحسن وأطور أسلوبي.
 الكتابة بالنسبة لي تظل همّا يوميا منذ فترة الإعدادي، وقد بدأ حلم كتابة الرواية يراودني باكرا، فكلما انتهيت من قراءة عمل روائي أحسست أنه باستطاعتي نسج أحداث رواية مشوقة بنفس القدر.
 في فترة الجامعة كتبت القصة التي كنت أنشرها في الجرائد، كما كتبت الشعر ومسودات رواية لا زلت أحتفظ بها.  
وفي بداية عملي بالتدريس انشغلت بالعمل، وبأسرتي الصغيرة لكني لم أتوقف عن كتابة كل ما تجود به قريحتي، كما انصب اهتمامي على كتابة نصوص مسرحية للطفل رغبة مني أن يشخصها أبنائي إلى جوار الصغار ويقفوا بدورهم على خشبة المسرح، وفعلا حققت تلك المسرحيات نجاحا باهرا بفضل الله، وحسن أداء الصغار.
كأطفال الحجارة، والبيئة، المحكمة، ومحاربة الهدر المدرسي، التي أحرزت على الرتبة الأولى، وغيرها....

  4 ـ ماذا تمثل مدينة الناظور بالنسبة إليك؟

بالنسبة لي كل حفنة تراب من هذا الوطن عندي سواء، باستثناء البلد الذي يسكنه أهلي والذي ترعرت وكبرت فيه له منزلة خاصة في قلبي، وهنا أستعير البيت الشعري لقيس بن الملوح:
وما حب الديار شغفن قلبي // لكن حب من سكن الديار.
أما عن مدينة الناظور الجميلة هي جزء من هذا الوطن؛ هي بلد رفيق دربي، وبلد أبنائي فلذات كبدي، تربطني بها جذور أبنائي وزجي أحبها لحبهم، وهي مدينتي أيضا التي أسكنها وتسكنني.

5 ـ هل أنت راضية عن إنتاجاتك؟

الحمد لله...
 وإن كنت أشعر أني لم أكتب بعد ما أحلم به، وأني لا زلت في بداية الطريق، ولم أحقق ما أبغيه من الكتابة، رغم عشقي لما أكتبه. 

6 ـ وما هي أعمالك المقبلة؟

بالنسبة لأعمالي المقبلة تبقى جميعها في علم الغيب، وأرجو من الله أن يساعدني على تحقيق ما أصبو إليه، انتهيت قبل أيام من روايتي السابعة، وأنا أعمل على تنقيحها  بين الحين والآخر لتخرج للقارئ ولمحبي قلمي في حلة جميلة وبمضامين تستجيب لتطلعاته، كما أشتغل على مجموعة من الكتابات للطفل ( مسرح، قصص..).

7 ـ متى ستحرقين أوراقك وتعتزلين بشكل نهائي؟

الكتابة ليست وظيفة أو منصب قد نتخلى عنه أو يتخلى عنا في يوم من الأيام، الكتابة موهبة تتغذى من التجربة والحنكة والممارسة، ومع مرور الزمن يصبح الكاتب يمتلك آليات الكتابة وتصبح رؤيته للعالم وللواقع أكثر شمولية، وتصبح الكتابة تنساب بسلاسة من بين أنامله ويأتي العمل أكثر نضجا.
الكتابة بالنسبة لي مسألة كينونة ووجود وهي تسري مجرى الدم من الكاتب، ولا يتوقف إلا بتوقف النبض.
حيث أن الكاتب عندما يبلغ مستوى التزامه اتجاه التأمل العقلي، ويتجرد من غرائز الجسد ويبلغ مرحلة النضج يشعر أثناءها بالحياة الفاضلة السعيدة، وحتى تتحقق هذه السعادة ينبغي أن تدوم ممارسة هذا النشاط التأملي مدى الحياة. 
ويمكن أن أشير إلى نقطة مهمة أثارها الفيلسوف الوجودي (كولن ويلسون) في كتابه الشهير " اللامنتهي " بأن الإنسان يحاول أن يصنع معنى لهذه الحياة حتى يستمر في العيش، وأنه دائم البحث عن الحقيقة والمعنى من دون بلوغ اليقين المطلق. فليس من صالحه أن يصل إلى الحقيقة المطلقة بل من مصلحته أن يسعى باستمرار من أجل المعنى؛ المعنى المتجدد والمستمر... 

8 ـ ما هو العمل الذي تمنيت أن تكوني كاتبته، وهل لك طقوس للكتابة؟

ما تطلعت يوما إلى شيء في يد غيري، كل ما أعمله أني أجتهد لأطور كتابتي كل يوم بشكل أحسن، كما أني مقتنعة بكل ما يخطه قلمي وأعشق ما تجود به قريحتي لأنه صادق، أحب كتاباتي جدا وسعيدة بما أكتب وما وصلت إليه، ويسعدني كثيرا ما يكتبه النقاد عن إبداعي. 
بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، هل لي طقوس في الكتابة؟ 
أنت كشاعر تعلم أن الإلهام قد يزور صاحبه في أية لحظة، وكما أنه لا يختار الزمان فأنا بدوري أعامله بالمثل ولا أختار له لا المكان ولا الزمان، أعيش فوضى في الكتابة وهذا يريحني.
أكتب متى رأيت الفكرة تلح علي وتصرّ أن أكتبها، ويحدث معي أحيانا كثيرة أن أغادر الفراش لأكتب فكرة لأني لو تركتها إلى الصباح لضاعت مني في سواد الليل.
الكتابة بالنسبة لي لم تكن يوما صنعة، وإنما إحساس وتعبير عن وجود إنساني، عن مكنونات صدري عن واقع يتخبط فيه المجتمع عن معاناة الإنسان..

9 ـ ما هو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالناظور؟ وما هو دور المثقف أو المبدع في تغييره؟

أظن الوضع الثقافي في الناظور لا يختلف كثيرا عنه في باقي المدن المغربية الأخرى وربما في الوطن العربي بشكل عام، الحمد لله هناك تطور ملموس؛ معارض، ندوات، لقاأت أدبية، توقيعات و..
 الثقافة في المدينة شأنها شأن الأحزاب السياسية، على المثقف والمبدع والجهات المسؤولة أن يكونوا كتلة واحدة ويجعلوا الثقافة من الأولويات لنرقى بالثقافة في المدينة.

10 ـ ماذا تعني أن تعيش عزلة إجبارية وربما حرية أكثر؟
وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟

معنى الحرية أولا؟
الحرية موقف من الحياة، كما أنها مادة للإبداع. والإنسان المبدع يعيش حرية أوسع في داخله لا قيد يمكن أن يفرض على موهبته أو يحد منها، المبدع بشكل عام يتمتع بحرية لا حدود لها، نجد السجين الذي أحيط بالأسوار، ووضعت عليه الأغلال يتدفق وراء تلك القضبان وتفيض قريحته لم تكن القيود يوما حائلا ومانعا أمام الإبداع.
وما نعيشه مع هذا الوباء قد يكون مادة خصبة للإبداع، وقد يقدم مواضيع لا حصر لها، وعامل الزمن أيضا متوفر بشكل كبير قد يصل بالمبدع إلى إبداع متحرر من كل القيود المادية. 
القيد أن تحد وتقيد حرية الفرد، لكن الوضع الذي نوجد عليه في فترة الحجر الصحي هي حالة مؤقتة، وهذا قد يزول بمجرد زوال الوباء وما دامت الظروف تقتضي ذلك لا بد من التنازل عن بعض الحريات لتحقيق غاية كبرى ومصلحة عامة.
ثم لا أظن أن الكاتب يحس بالعزلة الرهيبة، حيث يملك تلك النفس الواعية التي تغنيه عن متطلبات الجسم ورغباته المادية، فهو كالعارف الذي ينسلخ عن الجسد وينصهر في عالم الملكوت يعيش ويسافر بروحه البسيطة التي تسمو به لتلمس حقيقة الجمال. 

11 ـ شخصية من الماضي ترغبين في لقائها ولماذا؟

لا تحضرني شخصية واحدة بل شخصيات عديدة، أتمنى أن يجمعني الله بهم في الجنة.

12 ـ ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟

ماذا أقول؟ وبماذا أجيب؟
قدر الله وما شاء فعل.
كل شيء في كتاب، وحياتي الماضية عشتها كما أراد الله أن أعيشها.
ولو قدر لي البدء من جديد لما اخترت غير حياتي؛ لأني راضية بما قسمه لي ربي. 

13 ـ أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟

أجمل ذكرى: يوم رزقني الله تعالى بفلذات كبدي حفظهما الله وبارك فيهما نضال وياسين.
أسوأ ذكرى: رحيل والدتي رحمها الله.  

14 ـ كلمة أخيرة أو شيء ترغبين في الحديث عنه؟

شكرا لكم السيد رضوان على هذه الاستضافة، وفقكم الله في مسيرتكم الإبداعية، وفيما تقدمونه لمدينة الناظور من نشر الثقافة، وتشجيع فعل القراءة. 
أمنيتي أن يضع مثقفوا الناظور اليد في اليد من أجل ناظور مثقف أكثر.
اللهم ارفع عنا هنا الوباء في هذه الأيام المباركة.

بقلم ‏: ‏ذ ‏. ‏محمد ‏الحفضي ‏

*

                    *****مرجانة *****

---مرجانة...!!!
..مرجانة....؟!
..مرجانة....؟!
أيتها الجارية الفطنة البلهاء. .
أما تعبت مئات السنين. .
وأنت في بلد الرشيد. .
تنوئين بثقل جرة الزمان. ..؟؟؟
هل تصبين حمم الزيت على الشطار الأربعين. ..؟؟
أم تملئين خوابي بغداد بالماء المعين. ...؟؟
..ربما تعمدين سراب الأحلام بخيبات السنين..
 وماسي الحاضر اللعين. . !!!
أو تسكبين دموع حسرة على خليج الأعراب..
الضائع...
كما ضاعت ..قدس.. واندلس. ...؟؟؟!!
...مرجانة. ..؟؟
مرجانة. ...؟؟
ما للسماء..حزينة. .
كئيبة ..نهارمساء. ..؟؟؟
ما لهذا النغم الشجي. .
ينغص صفو الليالي البيض في بغداد...؟
ما لكوابيس الحرب تطفو..في كل الآفاق. .؟؟
جثث القتلى. .تفسخت. .
أضحت طعما. .للأسماك ..
 تعلو.. مياء دجلة والفرات....؟؟
...نسيم ديالى محمل برائحة البارود..
والموت المتعفن. ..!!!
يا بلد السياب ..
لماذا سكتت شهرزاد. .
وما أنهت الحكايا...؟؟؟
ما لمطر الخليج ..عقيم..
بهذا اللون الأحمر المخلوط بزيت النفط..
 وحقد القبائل. .وعقد الأعراب. ...؟؟؟
يا خليج. .
كم عشعشت فيك الخيبات 
والغربان السود...!!
يا خليج. .
أما أن لهذا الناي الحزين أن ينفض عنه غبار البارود. .
..يفرج عن أعذب ألحان الفرح..
فتدوي زغاريد الحوريات والعذارى الحسان. ..؟؟؟
  مرجانة. ..؟؟؟
مرجانة. ...؟؟؟
صبي نخب الإنكسار والخذلان..
 في وديان هذا المستنقع العربي الشاسع. ..
واعدي رحيل شهرزاد إلى المهاجر البعيدة. ..

*****بقلم الاستاذمحمد الحفضي******

شعر ‏: ‏عبدالجبار ‏الفياض ‏

عيونُ الظّلام 

في ساحةِ التّحرير
حيثُ تتدلّى النّجومُ مرايا
لا تكذب . . . 
دجلةُ 
يكتمُ وجَعاً
يتسلّلُ لأثداءِ باسقاتِه  . . .
تشرينُ 
يهبُّ بريحٍ لم تألفْها متاريسُ العُزلة . . .
جلسَ العراق
يكتبُ بأبجديّةٍ بِكر
أشرفَ صفحاتِه 
مذْ أسمتْهُ أمُّهُ عراق . . .
يجمعُ في قواريرِ الخُلدِ فُضلى دماءٍ في عروقِ تكوينِه !
هُنا 
أُغتيلَ فتيةٌ آمنوا بترابٍ 
لم يروا الموتَ إلآ آخرَ سُلّمٍ لذُرى غدِه . . .
أُعدمَ رجلٌ من غِفار
شهرَ سيفاً بوجهِ آلهةِ الجّوع . . .
فكانَ الرّغيفُ تابوتاً مُخيفاً لعروشٍ 
ارتفعَتْ سقوطاً بوحلِ انحدار . . .
كُسرَ مِغزلُ أمِّ عوفٍ . . . ١
فهلْ لدورانِهِ أنْ يتوقّفَ برصاصةِ قنص ؟
دمعتْ . . .
تكوّرَ الدّمعُ محملَ عُرسٍ على متونِ قاماتٍ 
سحقتْ جمراً لما استعصى على سالفِ ساعد . . .
غضَباً
تتوالدُ الأيامُ حتى يعودَ يوسفُ لوجهِ أبيه !
. . . . .
تراجيديا قاتمة 
مُثّلتْ قبلَ أنْ تُكتبَ على أوراقِ صفقاتٍ من كيفٍ لفناء . . .
كُسرتْ أقلامٌ 
سُكبَ الحبرُ الأحمر . . .
تشقّقَتْ حُجبُ الخوْف
لا شيءَ غيرُ ما بقيَ مكتوباً على ورقِ الأرصفة . . . 
أليسَ في عُنقِ الحرفِ ما أبتْ عن حملِها غرابيبُ سود ؟
تخلّتِ الدّنيا عن عجائبِها السّبعِ مجسّماتٍ قميئةٍ
على رفوفِ المكاتب . . . 
لغيرِها 
جحظتْ عيون . . .
الورديُّ 
يكتبُ ليسَ كمثلِ ما كتبَ في وعّاظِ سلاطينهِ 
صفحاتٍ 
سوّدَتْها أضدادٌ 
حَفرتْ أخاديدَ سوءٍ 
لا تُردم . . . 
كأنّها بما انتهى إليهِ مُلوكُ الطّوائفِ مُغرمة !
. . . . .
أيّتُها الجّلودُ المُهترئة
ربَما 
لم تنفعي الدّباغَ بعدَ السّلخ أبداً . . .
هلْ أمامَكِ بعدُ حطبٌ لمجمرَة ؟
إنَّ ناراً 
أوقدْتِ أِوارَها
أتتْ على كُلِّ ما زهتٌ به أرض . . .
ماذا غيرُ مُلصَقٍ لأقذرِ موبقاتِ هذا البلدِ تكونين ؟
فلْترحَلي . . .
كأنْ لم يذُقْ سيفُ ابنِ ثقيفٍ قطرةَ دمٍ من رؤوسٍ 
أينعتْ لقِطاف !
أُبيضّ لأبي رُغالٍ وجه 
باطلاُ ما كانَ إليهِ نُسب !
شُطبتْ لطاهرِ ذيلٍ حكاياتٌ 
أُلصقتْ به  . . . 
أربعونَهُ 
سقتْهم كهرمانةُ خمرةَ صبوحٍ 
لا يُحجبُ عنها سرّ . . .
زيتُها 
لمحمّرِ طيرٍ في طبقِ المساء . . .
انقلبتُم 
قلبتُم كُلَّ شيء . . . 
لعلَّ للقذارةِ أسمٌ آخر !!
. . . . . 
عبد الجبار الفياض 
آب / 2020

١ رائعة الجواهري :
يا أمَّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا . . .