المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

بقلم : سعيد المولودي

الذات في ديوان همسات قلب حائر
من اعداد سعيد المولودي
...........
جرح الذات والبحث عن الانعتاق
...
ان ارتهان الذات وانشغالها بقضايا وجودية  لها امتداد في زمن التردي والخضوع لشروط الاخر واملاءاته ، لا يبرر الصمت المريب والقاتل الذي تتميز به بعض الاقلام التي تكتفي بوصف الواقع ، بل يجعلنا نتيه في زخم الكلمة الحالمة والمعانية  التي ترحل بنا في زمن التيه  متألمة وباكية ، حاملة لمشروع ولادة جديد يرقى بالنفس الانسانية الى مستوى الكلمة الواعية الهادفة الى اعادة انتاج الواقع ولو على مستوى المعاني التائهة بين السطور والكامنة خلف الحروف الحبلى برموز الولادة والبعث من رحم التشظي والتمزق الذي تعيشه الذات الهائمة في ملكوت الشعر والصورة الحية .
فقلق الذات هو في نفس الوقت قلق الحرف والكلمة المشحونة بالمعاني الملتصقة بكثافة الواقع وعدم تجانس ما نلمسه وما نعايشه
أيتها الحروف الخجلى
اقبلي طوعا او كرها
فالمعاني السابحة في الطرقات
تنتظرك قسرا
اننا نعيش لهاث الشاعر وهو يطارد الكلمات والحروف المشحونة بارق الوجود والملغومة بمفآجات الحياة ، فالكلمة هي الذات المنزلقة على اطراف الواقع ،التائهة بين الازقة والطرقات الممزقة بين تجاذبات الرياح المنصهرة مع شعاع الشمس، المنعطفة الى اعماق السهوب والسهول والوديان لتروي الارض وتوقظ الطين من ويلات الحروب:
اوردتي السليبة
تذكرني بفاجعة السنين الرهيبة
شطآن تتهاوى
ودموع تتساقط كالجلمود
تروي ظمأ السهوب
وتوقظ الطين من أوزار الحروب
اننا امام ذات متأملة وواعية ولسنا امام ذات متفرجة ومنسحبة الى صميم كينونتها لتختفي وتموت بصمت ،ولا تساهم في صنع حياة قابلة لتعايش الناس.
فذات الشاعر ليست سلبية ومتمزقة كما نرى في بعض الاشعار ، بل هي ذات جريحة تنتقل من الوجود في ذاته الي الوجود الكموني والخام ، والغير قادر على اشباع رغباتنا ومسايرة طموحنا، الى مستوى الوجود الفعال والقابل الى التحول اي الوجود من اجل الاخر، وفي صالح الجميع وفي خدمة الكل ،فنحن امام ذات تحب وتعشق الجمال تتدفق في شرايينها دماء حارة تتطلع الى كينونة ملائمة:
في حنايا القلب
جرح قديم تلبد
ضاق به قلبي وتجمد
والشوق رفيق دربي قد تبدد.
.............
فيسمو بنا بعد هذا الالم الى عالم الجمال:
عشقي للجمال تحدى الاقطار
وان كان قلبي تائها
صامتا كالإعصار
حبي مارد
يحوم حوله
دخان كثيف بلا نار
اننا امام ذات حاملة لعناصر الشوق ومشروع الحياة المبني على التأمل وليس على التمزق والتشظي والانحباس وراء الاماني الباكية  والمستعطفة ، فهو يحارب الغموض والسكون الكامن وراء مظاهر الاشياء وهذا ما نلمسه عندما يوقفنا امام باب في نهاية الشارع:
نهاية الشارع بوابة موصدة
عليها عيون توجس منها خيفة
ما سر هذا الظلام ؟.
فعمق السؤال يحيلنا الى حتمية الجواب المبني على التأمل والتروي:
كم مرت من من اعوام
على الرقود والنيام
راحت العيون
تبحث عن مصدر النور
فانعتاق الذات وتضميد  جرحها مرهون بقدرتها على فهم الموجودات والتي هي اصل المعنى كما اسلفنا في بداية المداخلة ،لان الشاعر يبني شعره بشكل نسقي تتمكن من خلاله الذات من فهم الزمان واستيعاب الوجود لاستحضار المعنى ، فالشاعر هنا استعمل كلمة ملكوت ليتميز عن اصحاب وحدة الوجود،  فالكون عند الشاعر انفتاح بنيوي والانسان مسؤول عن خطاياه كما هو مسؤول عن حسناته ، وما عليه  الا ان يساهم بايجابية في تخليص ذاته واصلاح وجوده، وهذا هو سر الكلمة الشعرية التائهة في الطرقات فمهمتها اعادة بناء الوجود الانساني بشكل مسؤول:
وانا اسبح في ملكوت الله
وجدت نجما لامعا
منحني قلبا يافعا
داوى المي فصار ألما
مسحت دموعي
على ايقاع افات المعنى
....................يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق