المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الأربعاء، 27 مارس 2019

دراسة نقدية مستقطعة : عبدالرحمن الصوفي

دراسة نقدية  مستقطعة لتجربة الشاعرة مليكة الجباري ( الجزء الرابع ) / المدخل اللساني  / الدراسة المستقطعة من إعداد : عبدالرحمن الصوفي المغرب

================== تقديم =============

بسم الله الرحمن الرحيم

ظهر تحليل الخطاب قويا في مجال البحث اللساني ، تبعا لمجموعة من اللسانيين الذين تجاوزوا مفهوم الجملة ، باعتبارها الوحدة اللسانية الكبرى القابلة للوصف والتحليل إلى وحدات أكبر من قبيل الملفوظ والنص والخطاب ...فانفتحت اللسانيات على حقول معرفية كثيرة فاستفادت من آلياتها وأدوات تحليلها ، كالنقد الأدبي وعلم النفس وعلم الاجتماع ...فأصبح من نتائج ذلك ظهور لسانيات النص واللسانيات النفسية واللسانيات القانونية ...ورغم ذلك فتحليل الخطاب يتجاوز الشرح والتفسير والتحليل إلى أبعاد دينية ولغوية وسيميائية ولسانية تمتزج فيه المعارف قديما وحديثا   ، حيث جمعت اللسانيات النص مابين اللغة والنحو والصرف والبلاغة والنقد ، وجمعت كذلك بين علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة والمنطق وغيرها ، على أساس أن كل هذه العلوم يؤثر في المتلقي على حد سواء . سنركز في دراستنا اللسانية لديوان ( رؤى آجلة ) على مستوى خارجي ، أي المستوى الفونولوجي ، والمستوى الصرفي ، والمستوى الدلالي ، والمستوى التركيبي ، وكذلك ستشمل دراستنا المستقطعة جوانب من  المستوى اللساني الداخلي الذي نعني به دراسة اللغة في ضوء سياقها التلفظي ، أما  بعدها السيكولوجي فسنغوص فيه من خلال ( المدخل التقمصي الوجداني  في جزء آخر من أجزاء دراستنا الذرائعية لتجربة مليكة الجباري الشعرية  ) .
يقول عبدالرزاق عودة الغالبي : ( وحسب علم اللسانيات ، تعمل المهارات الميكانيكية الحسية في العقل الإنساني المتلقي للأدب بشكل عام ، والشعر بشكل خاص ، بأربع مهارات ميكانيكية تعمل على استلام المعلومات المتواترة المؤثرة بالإحساس حسب نوع اللغة وجنسها وكما يلي :
_ الجانب الحسي و العيني هو حسب اتجاه الدلالة المرسومة من الجهات الأربع لتقرر هوية اللغة الحاضرة ...
_ الربط بين الدالة والصورة وهذا واعي بين المنطوق والمرئي من دلالات نصية مكتوبة يتميزها العقل بشكل منطقي بميزة التمييز ..
_ تمييز حرف وآخر في الكلمة ( recognition ) وبعد ذلك ينص الدماغ على التفسير الدالالي (   interpretation ) قد تكون ( phone ) الصورة صوتا فقط فلا تعطي معنى ، إلا إذا كانت مجموعة من الأصوات رتبت بشكل منطقي وصارت ( morpheme )  أي كلمة ذات معنى حينها تسمى ( word ) في سياق سيمانتيكي أي مقبولة بسياق نحوي محبوك بدرجة براغماتية كبيرة ، أي وضع لغوي محفوف بعمق اجتماعي ذرائعي ، بدرجة حسية عالية من العمق الأدبي ..) . ونعتر لكل متتبع ومهتم بدراستي المستقطعة ..لا أدعي أني سأغوص ( المدخل اللساني )  أكاديميا ، لأن المدخل المستقطع هو فقط واحد من المداخل النقدية الذرائعية العلمية التي تكمل علمية  بعضها بعضا ..دراستها المستقطعة ستقدم إشارات لكل ناقد مهتم رغب في دراسة ديوان ( رؤى آجلة على المستوى اللساني .

============ &  المدخل اللساني / ديوان ( رؤى آجلة ) للشاعرة مليكة الجباري =========

تحليل مورفولوجي / مورفيمات صوتية داخلية

يقابل مصطلح المورفورفولوجيا علم الصرف ، والمورفولوجيا في العلم الحديث تدرس بنية الكلمات ، وتهتم بالوحدات الصرفية أي المورفيمات ، وكذا الاشتقاق بأنواعه وأزمنة الأفعال والتعريف والتنكير ، والتعدي واللزوم ، وكل ما يخدم الجمل .

تقول الشاعرة في قصيدة ( محكمة بلون عربي ) / ديوان رؤى آجلة

أرض لونت تربتها الحمرة
قطرات دم ..الحياة صرخة
حر أبي ..قرأ البسملة
لغة الضاد بينكم
فلم تشابكت المسألة ؟؟؟
على اليسار شيطان ...
سلم الأوراق ، سطرت قدسيتها المزبلة
تمهلوا ...
كفه بالدم مخضبة
القلم هارب من سماء صنعت ميزان العدل
أنتم أضفتم الكرسي ...
طاولة عليها محبرة
قراءة التاريخ أمانتكم
ولا تنسوا حق الجدولة
سجل أنت حدود صوتك
لا تقترف خطأ أبيك !!!
تعتقد ...
أن كل الثقوب مهزلة
صراع الخبز والأرض رغبة
قصة شرعية من البداية
نسيج السلطة ..قتلتم السؤال
كفكف دمع الجواب
ركب الكل جنون الدهشة
الانعتاق في حضرة الحياة
ليس بهدلة ...
تاه البحث عن واحة الأماني
الصمت وطن في النهاية
احتلوا فوهة الكلام
تراشقت أبراج الجهل
ناءت بالتمرد سطور الكتاب
فلا تصدقوا من سرق الشمس
سمى الكل شيطانا
حولوا القبلة اتجاه موطنكم
لا مجادلة ...
كيف تكون أنت ؟؟
وتنسى شكل العدالة
قرد ... ذئب
حمار ...أسد
لا أدلة ...
انتهت المحكمة
  ........

إن أكبر اتجاه يصنعه علم الصوتيات في اللغة هو خدمته الكبيرة التي يسديها للنقد الأدبي ، وهو ما يسميه النحاة العرب ( طلب الخفة ) ، تسعى اللغة من خلاله تيسير النطق على المتكلم ، وظهر ذلك في الحذف عند الشاعرة ( قرد ... ذئب / حمار ...أسد ) ، وطلب الخفة كذلك تجلى في التقاء الساكنين ( فلم تشابكت المسألة ؟؟؟)  . ومن ظواهر طلب الخفة رصد الضوابط التي تضبط توالي الأصوات في تأليف الكلمات ، يقول السيوطي في المزهر : ( واعلم أن الحروف إذا تقاربت مخارجها كانت أثقل على اللسان منها إذا تباعدت ، لأنك إذا استعملت اللسان في حروف الحلق دون حروف الفم ودون حروف الزلاقة كلفته جرسا واحدا وحركات مخففة ..) ، وهذا مبدأ يسود في اختيار الكلمة الشعرية المفردة وسلاسة الكلمات المجاورة ، وقديما أطرى الناس شعر البحتري ، فقالوا إنه خيف على اللسان عند إلقائه ، وعلى الأذن عند سماعه ، وردوا ذلك إلى حسن انتقائه للكلمات ، وحسن رصفه للتراكيب
نلاحظ الشاعرة في قصيدتها الشعرية ، استندت على وحدات مورفولوجية حرة ، ونعني بها كل ما يدخل على الاسم فيخففه ( ليس بهدلة / لا مجادلة ) ، وتنوع استعمالها ( طلب الخفة ) يحمل أوجه بلاغية مثل الالصاق والاستعانة والمصاحبة ، واستعملت كذلك حروف العطف لإحكام العلاقة بين أطراف التراكيب ( ولا تنسوا حق الجدولة / وتنسى شكل العدالة ) ، والمعنى بدون هذه الروابط عرضة للبس والبطلان ، وهو من الوحدات المورفولوجية تفيد العطف وتستدعي الانتباه ، أما صيغ اسم الفاعل في كثيرة دلت على صفات ثابتة في الموصوف بغرض سمة فنية جمالية في النسيج الشعري ، فالاسم يدل على الثبوت  والاستمرار ، أما الفعل فيدل على التجدد والاستمرار . الكلمة عند الشاعرة في قصيدتها ذات علاقة عرفية بين الكلمة ومعناها علاقة اجتماعية ، أي علاقة الكلمة بمعناها الأصلي ، وهي تسمح فقط في حال إفرادها أن يتعدد معناها ، وهو يسميه العرب ( حكاية الصوت والمعنى ) ، أي أن الكلمات الشعرية فيها حسن ائتلاف الحروف ، مع احتمال إيحائها بالمعنى مع عدم التنافر بينها وبين بيئتها من الكلام ، فالكلمة تعد مؤثرا سمعيا كالنغمة الموسيقية ( لنا عودة لدراسة الإيقاع الشعري في جزء آخر إن شاء الله ) . الاستفهام والتعجب  الأسلوبي ( فلم تشابكت المسألة ؟؟ / كيف تكون أنت ؟؟/ لا تقترف خطأ أبيك ) يؤدي مهمة توليد الدلالة التي تخدم الفاعلية والتظافر ، وهما من الأساليب البلاغية التي تضفي على دلالة التراكيب دقة المعنى وانفتاحه إلى دلالة تعتمل في نفسية المتلقي وتثير فكره . أما أسلوب الأمر( تمهلوا ... / سجل أنت حدود صوتك / حولوا القبلة اتجاه موطنكم )  فأدى وظيفتين في النص الشعري الأولى حيقيقية والثانية مجازية .

تقول الشاعرة في قصيدة أخرى ( حكاية دعابة )

الحكي مصاغ برتابة الماضي
أغنية لحنها العرب
كلماتها سلمت الأقلام لراحل مع الأقزام
السلام هادن ليلهم يوما
الضوء انحنى قليلا كاشفا سنابل الحرف
بين النجوم ...
الانتصار انتظر تأشيرة السفر
لكن الضوء في عيونهم غازل الهروب
تأسفت العيون
القصة مزدوجة
سأجلس أنا وقوتي
وصحيفة الصباح ..
عناوين ...
أجراس ودندنة ...
عقارب ساعة حقا أصبحت دفاتها مهزلة
لهفة الرقص على الصفحات
اختلطت الألوان ...
سأعيد القراءة
الضوء معي يعيد لعبته
أعيد الكتابة
يعيد القلم عناده
الأوطان قال ...
لا تريد دعابة
السؤال يتدحرج على منصة الخطابة
هل تسكنون الحبر ؟؟؟
أم سكنتم فوق الورق ؟؟
جواب الحلم ارتدى ثوب النسيان
على الأرائك اقتنصتم الزمن الجافل
أعلن الحب انتماءه لغصة في الحلق
رسمت له شرنقة حرير
لعبة التحول رفض
أسطورة الولادة من جديد كانت عشقه الدفين
لا يفهم أن الدوران حكاية الوقت
لحظات الأمل تدفعك لسماع الخيبة
تمطر وابل غصات لا تبالي بالساهر على أبواب الفرح
حرف لو أتعب العيون
صغير الحجم كان ...انتهى مداده
انتهت زغرودة الغافل في جوف مسرحية البؤساء
حكاية دعابة تنتصر
كتبتها أنامل بعض الأغبياء
التحليل نبت خارج الوطن على مساحة الغرباء

بتركيزنا الكبير على النص الشعري للشاعرة مليكة الجباري ، سنلاحظ قدرة الشاعرة على صناعة صنعة التلاعب بالشكل والمضمون والمعنى والأيقاع المنثور ، ونلاحظ كذلك حبك محكم الانفتاح والانغلاق ، أي تجعل معنى الكلمات مرتبطا بالمعنى والشكل البصري السطري ، وسيتبين كل ما ذكرناه من خلال الآتي :

_ الأصوات الشديدة أي ( مجهور + شديد ) ، الباء في الكلمات التالية ( دعابة ، رتابة ، العرب ، سنابل ، الهروب ، الصباح ، عقارب ، لعبته ، الكتابة  ، الخطابة ، ثوب ، ، الحب ، الخيبة ، وابل ، لا تبالي ، أبواب ، أتعب ، البؤساء ، نبت ، الغرباء ) فقراءة الكلمات في إطال تسلسلها وحقولها الدلالية ، سيتوضع دور حرف الباء في المعنى  ...

_ الأصوات الصفيرية أي الصاد والزاي والشين ( صفيري + منفتح + استفالي ) ، أدوات ذات طبيعة غنائية
الأصوات المهموسة ( التاء ) أي ( مهموس + رخو ) ، وهذه الحروف موجودة بكثرة في النص الشعري ، حاملة لغرض إيقاعي وغرض إغناءالمعنى لسرقة حس ووعي المتلقي ...

_أما المورفيمات في القصيدة حاضرة بقوة مورفيم التعريف ، مورفيم الرفع والنصب ، ومورفيم الضمير ( الهاء مفردا وجمعا ) . ومورفيمات معجمية كثيرة ( العدالة _ المحكمة ......) .
أما الأنماط الزمنية للأفعال في النص ، فنمط الزمن الماضي يغلب على النص الشعري و يحمل في طياته دلالية كثيرة منها : الماضي المطلق ( كان ) والماضي البعيد ( سلمت ، سكنتم ) والماضي القريب من الزمن الحاضر ( انحنى ) والماضي المتصل بالزمن الحاضر ( ارتدى ) ، أنماط الزمن الماضي عديدة في النص بحسب دلالة الصيغ والتراكيب ...

نحو الجملة هو وحدة كبرى لتخيل لغوي وهو أساسي في التحليل ، والاهتمام فيه ينصب على الأجزاء المكونة للنص من وسائل لغوية تربط بين كل هذه العناصر المكونة مثل الإحالة القبلية والإحالة البعدية ، والضمائر والعطف ، والاستبدال ، والحدف والمقارنة وغيرها .
السبك المعجمي ، ويكون بين المفردات والغرض يتحقق بوسيلتين ، الأولى التكرار اللفظي من خلال الخبر جملة اسمية ، والثاني المصاحبة المعجمية ، أي العلاقات القائمة بين الألفاظ أي علاقة الجزء بالكل والكل بالجزء . السبك اللغوي ويتحقق بالعطف والإحالة والوصف وغيرها
الانسجام هو معيار الاستمرارية المتحقق في النص الشعري ، ونقصد به استمرار الدلالة المتولدة عن العلاقات الدلالية بين أجزاء النص ، أي علاقات الوصل والفصل والإضافة والعطف ، علاقات التبعية أي الاجمال والتفصيل والسببية والشرط والعموم والخصوص .
النص كائن لغوي يحمل في طياته عناصر صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية تنتظم جميعا في بنية محكومة بقواعد التراكيب ، والنص شديد الارتباط بمدلوله الخارجي .

======  المستوى اللساني الخارجي  / ديون ( رؤى آجلة ) للشاعرة مليكة الجباري =================

تقول الشاعرة في قصيدتها المعنونة ب ( لبسنا هذا الصوت )

أعتذر أيها المداد من خلفيات زجاجهم مارق
الابتسامات تعتذر ..
لذاك الطفل بيننا عالق
أعتذر عن سهام أخطأت وجهة السارق
سنلبس هذا الصوت ..
معه يتلذذ السؤال ويعانق ،
يعانق كومة من السكون ...
لزواياه لا ينافق
يرتطم بجدار الحلم ..
يسابق خطوط الخرافة ...
يبحث عن منافذ الأمل في حكيها
سنعتق هذا الفجر ، ذات يوم
عويل العابرين بلا حب بلا حلم
قلت ...يشبهني
نعم ...شجاعة المجانين نحتاج ..
نحتاج لهيب قبلة لا تساوم الساعة والعقارب
فصناعة الأوجاع تفضح المستور ..
وسماؤنا حالمة كلوحة الغروب يا صديقي ...
تغريداتنا لاهثة لا تمل روحها
فالشموع ورعشات القصيدة هداياها
قلت ...
مسرحياتكم أتعبتني فهي بائرة ..
إذا ...
لنسفك حياة الضمير المفتعل
لنتعلم كفاح هذه النظرة الباهتة  عل المرايا
أنا لست هذا الصوت المشحون بالقضية
صوت يحترم أوقاتي ..
يحترم فصول الفجر وظلالي ..
التعجب بعدها لن يحل في أركانك وأركاني ...

الخطاب الشعري عموما هو رسالة إنسانية تتكاثف عناصره بعضها ببعض مع عناصر التواصل داخل بنية لغوية وبنية إيقاعية ( أعتذر أيها المداد من خلفيات زجاجهم مارق / الابتسامات تعتذر / لذاك الطفل بيننا عالق )  ، تلتحم مجتمعة مكونة الوظيفة الشعرية ، وإمكانية وجود بنية سردية في نص الشاعرة والعديد من النصوص الأخرى في الديوان ( أنظر الجزء الثالث من دراستنا لتجربة مليكة الجباري الشعرية ) ، بنية سردية ثالثة يبرز فيها الفعل القصصي في الخطاب الشعري عند الشاعرة ( قلت يشبهني ...نعم ..شجاعة المجانين نحتاج / قلت .../ مسرحياتكم أتعبتني فهي بائرة ) ، فالبنية السردية تنقل القارئ من الشعر إلى النثر ثم تعود إليه ، مما يخلق متعة ذاتية تؤدي وظيفة نفسية واجتماعية ، فالسرد كائن في بناء الخطاب الشعري ، أي أن الخطاب ثلاثي الأركان ( اللغة ، الإيقاع ، السرد ) . والانتقال من البنية اللسانية الداخلية إلى لسانيات النص ، هي رؤية نقدية قادها ( فان ديك ) و ( جيليان براون ) و ( جورج يول ) و ( محمد مفتاح ) و ( محمد خطابي ...الخطاب الشعري عند الشاعرة يجمع وظائف متنوعة منها : الانفعالية الإنسانية ، والإنفاعلية الاجتماعية ، وكلاهما لهما وقع على النفس ، كما حضرت في النص الذي بين أيدينا النصية والتماسك المتضمن لمبدإ الكمية ، أي الاقتصاد المفيد في القول ، أي الإبلاغ بأقل عدد ممكن من الجمل ( صوت يحترم أوقاتي )  . نبع الخطاب الشعري عند الشاعرة من الذات المعنية ، أي مجتمع قومي ، أي الاعتماد على الذات لتقديم مضامين ورؤى جديدة لمواجهة العصر ، ومواكبة الصراعات مع طرح أسئلة جريئة مع تقديم أجوبة جزئية ( التعجب بعدها لن يحل في أركانك وأركاني )  كما أن الخطاب الشعري عندها يرتد إلى ترسانة التراث ، أي كل المتراكم من منجزات الخصوصية الثقافية المتميزة وإمكانياتها ، خاصة وأن التراث لا يمثل رصيدا جامدا ، بينما ترتكز عليه لتمثل كل ما يرتقب في المستقبل . الخطاب الشعري الحي هو القادر على  الجمع المتوازن بين الثوابت والمتغيرات ، ومن هذا الجمع تنشأ الخصوصية والتميز ، فالخطاب الشعري خاصة واللغة عامة هي مستودع ثقافة أمة ، وأداتها للتفكير ، ووسيلتها للتعبير .

ونواصل غوصنا اللساني الخارجي لنص ( لبسنا هذا الصوت )

فالبحيرة ، يا صديقي ...
لا تهدأ هدوءها لتتألق رشاقة البجع ...
إنه الماهي والرقصة والماء .
نفتقد الدفء وخدعة القمر ...
عاصفة تلك الأحزان حقا ..
عندما تصرخ الدموع في العيون .
لا تصادروا حقي في الحركات الراقصة على الشفاه ..
لبسنا هذا الصوت ...وكفى
خيوط البريق تحتاجنا ...
لفتنا في عيون القادمين من ولادة الشمس
يا صديقي ..لا تعكر صفو الصفاء من أجل ضباب قاتل
سنقبل هذا المدح المتبرج ، وسنقل حتى هذا الهجاء ..
لأننا رفضنا الأصوات الملحنة في الحقول المحروقة ..
سيرني معك نحو روح دون أصفاد ...
لنكسر هذه المظلات العفنة ..
ونحرق كل هذه الأوراق الذابلة في أرواحنا
سنشرع لغة تحاكي نضال اليامات ونشيع الهم ،
نشيع حتى ذبول النشيد على أبراجنا ...
ورقصات مجنون الكلمات .
قبل هذا قلت ...
تعلموا لباس الحقيقة أيها الأحياء ...
تخلصوا من ظلال العقول الحائرة على ضفافكم
لكن الموت يا صديقي ..لا يختار ولا يختبر الجواب
إني أعتذر لهذا الصوت الذي يلبسني ويلبسك
وأعتذر .... وأعتذر ...
كان الضجيج أقوى مني ...
كان الكلام أكبر مني
تعلمنا في غفلة منهم ،
الحاويات بألوانها لا تغير ما في القاع من قمامات ...
شرع معي لغة ، تحاكي نضال اليامات
لأننا لبسنا هذا الصوت ...وكفى
صوت قادم من كلمات كحروف الشرفات
وذاك الطفل العالق بيننا ...
وبعض من عجين الخرافات .
لعلنا نلتمس الطريق
ونسكن النور القادم من خلف الكلمات

يعرف الشريف الجرجاني الكلام بأنه : ( المعنى المركب الذي فيه الاسناد التام ) ، والنص مظهر دلالي يتم فيه إنتاج المعنى المتحولة إلى دلالة حال تشكلها في ذهن القارئ ، وتتضح تمظهرات الخطاب الشعري في أنواع كثيرة منها المظهر النحوي المركب من وحدات لغوية تتشكل في تكوين داخلي وقابلة للخروج إلى تكوين خارجي ، فيصبح الكلام أو الملفوظ الشعري عند الشاعرة يتراوح ويدور في مدارين هما الدفقة العاطفية الذاتية والأحاسيس الاجتماعية ، من منطلق أن الشعر هو القول العظيم المتقن الحسن البيان المرتب المنظم لحرفه وأدواته وكلماته وصورها  وبناء الجمل . أما خطاب المؤشرات الأسلوبية فهو مهم في إجراء تحليل لغوي لنصوص الشاعرة مليكة الجباري ، ومقدرة هذا الخطاب السلوكي ( لنا عودة للمدخل السلوكي في جزء آخر من دراستنا لتجربة مليكة الجباري الشعرية ) على ردود فعله ومدى تأثيراته على القراء ، على أساس أن القدرة توقع ما يتجاوز النص المدروس تتوقف على دفقة الأسلوب اللغوي واتساع المادة والعلاقة اللغوية النصية أي بين المشهد الأصلي والمادة المفتوحة  ، يقول المصطفى فرحات أبزو في تقديمه للديوان : ( تبدو الشاعرة مسكونة بحرقة الأسئلة ومنها سؤال الشعر ، وبقدر ما تتوارد الأسئلة في ذهنها بقدر ما تصبح الأجوبة معقدة ، وبالتالي تأتي القصيدة  أكثر ثراء وغنى ...فالشعر هو في جوهره بحث عن الحقيقة الصامتة الخفية فيما وراء حركات الموجودات وسكناتها ، والشاعرة لا تهتم بوجودها في حد ذاتها ، بل بما تنطوي عليه من جمال ، وعندما تكون الرؤية صافية شفافة فإننا نهتدي إلى مكامن الجمال حيث تربض أسرار الحياة ، وحده الشعر من يملك لكي تراه ، والأدوات الفنية التي تجليه وتكشفه ، والشاعرة أماطت اللثام عن كثير من الأسئلة وسلمت مفاتيح الأقفال للمنلقي ...) .

==============   خاتمة =================

مخاطبة الذوق الفني لشامع أو متذوق النص الشعري تتطلب منه المشاركة الوجدانية ، لذلك يجتهد كل شاعر مجندا كل قدراته اللغوية بدءا بالصوت وانهاء بالجملة واختيار للكلمات المناسبة ذات الجرس والتأثير الإيقاعي التي تناسب موقعها في من اللفظ وقسطا من المعنى .
اهتمت الشاعرة بمحجمها الشعري فجعلته أرضا خصبة تنتقي منه الألفاظ والمفردات ، فتبدع وتخلق علمها الشعري الذي هو القصيدة والتي تعد من مكونات الخطاب الشعري عندها . فالحقل الدلالي هو مادة اللغة العربية ، والألفاظ تضعها في تعدد سياقها مما يمنحها دلالات جديدة ومتجددة ، فتكشف عن بناء أسلوبي لغوي خاص مرتبط بسياقات الشعري ، وهو المسؤول عن منح الهوية للألفاظ وتوظيفها في تجربة الشاعرة الشعرية ، فالكلمة عندها لا تفسر بالعقل لوحده بل بالتقمص الوجداني للمتلقي والخيال . وهكذا تضعنا الشاعرة أمام أهداف إنسانية سامية تعبر من خلالها بالصورة البيانية والتكرار والتقديم والتأخير والتضاد والضمائر والألوان والمستندة إلى دور الكلمة الشعرية الفاعلة والمؤثرة رغبة في خلق عالم أكثر عدالة .

=====\\\\==========\\\\\===========\\\\\\\====================

الهوامش
   ديوان الشاعرة مليكة الجباري / رؤى آجلة
1 _ الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالي
2  _ مكونات الخطاب الشعري وخصائصه اللسانية / مداس أحمد
3 __ محمد مفتاح / تحليل الخطاب الشعري ( استراتجية التناص )
4 _ محمد خطابي / لسانيات الخطاب ( مدخل إلى انسجام الخطاب )
5 _ فان ديك / النص والسياق
6 _ الزمخشري  / الكشاف
7 _ جوليا كريسطيفا / علم النص / ترجمة : فريد الزاهي
8 _ سعيد يقطين / تحليل الخطاب الروائي
9 _ النظريات اللسانية الكبرى ( من النحو المقارن إلى الذرائعية ) / ماري آن بافو ، جورج إيليا السرفاتي ، / ترجمة : محمد الراضي
10 _ علم الدلالة / الدكتور أحمد مختار عمر
11 _ كمال أبو ديب / في البنية الإيقاعية للشعرالعربي
12 _ سعد مصلوح / اللسانيات العربية المعاصرة والتراث

الثلاثاء، 19 مارس 2019

شعر : رضا الحمامصي

شعر رضا الحمامصي  ( بحر المجتث ):
للجمالِ دلالٌ

أصونُ عِزةَ نَفسي
لا أرتضي بِالهوَانِ
***
حُلمي يُعانقُ نَجمي
وواقعي ما كفاني
***
أمَّا التزامي بِديني
فراسخٌ في كياني
***
وذِكرُ ربي بِقلبي
بهِ يبوحُ لِساني
***
لكنَ قَلبي رَهيفٌ
يصبو لحورٍ حِسانِ
***
فللجمالِ دلالٌ
يَهفو له الاصغرانِ
***
أليسَ رَبي جميلاً
ومنهُ حُلو المعاني
***
وقدْ حَبانا بِحُورٍ
كَواعبٍ في الجنانِ
***
ما مسَّهنَّ بتاتاً
إنسٌ , ولا مسُّ جَانِ
***
فَاعملْ كَأنَّكَ باقٍ
وأعلمْ بأنَّك فَانِ
***

الأربعاء، 13 مارس 2019

دراسة مستقطعة من إعداد عبدالرحمان الصوفي

دراسة نقدية مستقطعة المدخل / ديوان ( رؤى آجلة ) للشاعرة ( مليكة الجباري ) الجزء الثالث/ عنوان الدراسة المستقطعة ( درجة الانزياح والرمز والخيال في نصوص ديوان ( رؤى آجلة ) / الدراسة من إعداد : عبدالرحمان الصوفي المغرب .

                               ========== تقديم    ===============

منذ البداية الأولى لعصر النهضة والشاعر العربي يشعر بأن له دور كبير ومهم في تنبيه مجتمعه وتطويره ، من زاوية نظره ورؤيته الخاصة ، شأنه في ذلك شأن كل أديب ومثقف في كل مجتمع ( متخلف ) . فالشعراء فيما يسمى ب( العالم الثالث ) هم عادة شديدو الوعي بما تفرضه عليهم تقافتهم وفكرهم من واجبات إزاء سائر بلدانهم ومواطنيها في كل مرحلة من مراحل التاريخ الحديث والمعاصر  . شعراء  لم تتح لهم الأوضاع العامة وظروف العيش مقدار ما أتيح لهم من ثقافة . الشاعر العربي الحديث هو عادة شخص يشعر بمسؤوليته إزاء تطوير مجتمعه ودفع عجلة الحياة والتطور ،حتى يلحق بسائر العالم المتتطور ، هو هم كبير جدا ملقى على عاتق الشاعر كإنسان ، ويزداد جرحا وألما حين يرى التخلف يزداد عمقا في وطنه بدل أن تضيق على مر السنين . يتميز الشاعر العربي الحديث باستخدامه للغة العربية كأداة للتعبير عن تجارب وأحاسيس وعواطف ومواقف . واللغة العربية لها تراث عريق وهائل عبر مر التاريخ الطويل ، علاقة لا يمكن نفيها أو إقصاؤها  . وهذا التراث الضخم لا يتوفر لدى الكثير من بلدان ( العالم الثالث ) . كما أن الشعور السائد عن العرب على مد قرون طويلة هو أن لغتهم هي أسمى اللغات وأفضلها ، وكون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ، وما ترتب عن ذلك من مفاهيم تتعلق بالإعجاز . لذلك ارتبط الأدب عموما والشعر خاصة عن طريق العلاقة التي وجدت بين  اللغة العربية والدين الإسلامي . وأصبح التطور في مفهوم  الأدب وأسلوبه ولغته لا يخلو من مضمون ديني وإيماءات وارتباطات ونتائج دينية . بديهي إذن أن يكون الشاعر يكتب بلغة لها ماضيها وتراثها الأدبي الثري . فأصبح الشعر وعاء يحوي التاريخ والمثل العليا والقيم . فأصبح الشعر في مجمله من عوامل الثبات والحافظة في الحضارة ، وهذا نتج عنه ازدواجية الموقف ، فالشاعر كمثقف هو نقطة انطلاق في سبيل التغيير ، أي الرغبة في التجديد والتحديث ، وهو كذلك يمثل الرغبة في الثبات والمحافظة سواء تعلق الأمر بالثقافة أو اللغة ، هي ازدواجية هل يمكن للشاعر والأديب تجاوزها ؟

===========       المدخل البصري / ديوان ( رؤى آجلة ) للشاعرة ( مليكة الجباري      ===========

خلال جولتنا البصرية في الفضاء الداخلي والخارجي لديوان ( رؤى آجلة ) للشاعرة مليكة الجباري والصادر سنة 2018 ( الطبعة الأولى ) ، وجدناه يقع في مائة وثلاثة وأربعين صفحة ، وهو من الحجم المتوسط شكلا ، يضم إهداء ، وتقديما للناقد ( المصطفى فرحات أبزو ) نقطف منه الآتي :  ( تجربة الشاعرة مليكة الجباري غنية بمضامينها التي تعكس انشغالاتها ، فهي تراوح بين ما هو ذاتي وجداني تحاول فيه قراءة الذات واستبطان حالاتها وأحوالها المحكومة باللحظة الشعرية ، والمثقلة بهموم النفس والروح والفكر ، وبين ماهو وطني حيث ترسم معالم وطن بما هو عليه وما تطمح أن يصير إليه ، وقومي معلنة مواقفها المبدئية اتجاه قضايا الأمة المصيرية مفتخرة بانتمائها العربي ....من هذه المضامين العامة تنبثق تيمات فرعية شكلت رافعات مركزية للتجربة الشعرية ككل ، وعلى سبيل الذكر وليس  الحصر نجد : الغربة والاغتراب ، الضياع ، الحب ، الانتظار ، الاحتجاج ، الاعتزاز بالأنوثة ، الدفاع عن التسامح والسلام ...إضافة إلى قضايا تأملية تتعلق بالوجود والكينونة ...عموما تتنفس النصوص النضال والتحدي والوقوف ضد من يحاول قتل الحياة فيها ، وفك كل الأغلال التي تأسرها لتنطلق في رحاب كينونتها حيث الحياة المتجددة . والتجدد والإيمان بالتحول هو من يشكل الشخصية الفردية الحرة والمميزة و التي تتكلم بصوتها وهو هنا صوت الشعر والقصييد ....) .

يضم الديوان ثلاثة وأربعون نصا شعريا من نوع الشعر السردي أو السرد الشعري ، والسرد الشعري موجود في محطات كثيرة في الشعر العربي ، ونذكر أمثلة من قائمة طويلة جدا ، قصيدة ( عبديغوث اليمني ) ، والتي تبدئ ب :

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا //// وما لكما في اللوم وما بيا

وفي عينية أبي دؤيب الهذلي ، والتي تبتدئ ب :

أمن المنون وريبها نتوجع  //// والدهر ليس معتب من يجزع

وفي قصائد عند الشاعر (  السيا ب )  ، حيث يقول :

تموز يموت على الأفق
وتغور دماه مع الشفق
في الكهف المعتم والظلماء
نقالة إسعاف سوداء
وكان الليل قطيع نساء !
كحل وعباءات سود
الليل خباء
الليل نهار مسدود

ونجده السرد كذلك في قصيدة ( تعالي إلى نزهة في فصل الربيع ) للشاعر ( محمد إبراهيم أبو سنة ) . يقول الشاعر :

يقول مخاطبا قريته
يا قريتي التي أحملها
ما بين أضلعي
تفاحة من الذهب
أنا وأنت
قصة تبددت
يلفها الذهول
وسط عالم
من الكذب

( لنا عودة لتحليل السرد في الشعر ) حين غوصنا في دراستنا النقدية المستقطعة لديوان ( رؤى آجلة ) للشاعرة مليكة الجباري ) .

ونذكر من نصوص الديوان ، قصيدة ( هل كان لزاما ؟ ) ، ( حمائم النصب التذكارية ) ، ( سنابل فارغة ) ، ( ثلج وكف دافئة ) ، ( جدران الروح ) ، ( ربيع أصفر ) ، ( بحر بدون عنوان ) ، ( ستسأم القصيدة ) ، ( عدوى السواد ) وغيرها من النصوص التي ملأت حيزا مهما من بياض صفحة الأوراق . نصوص شعرية تربعت فيها نقط الحذف قائمة علامات الترقيم تم تلتها علامة الاستفهام . كل النصوص بدون شكل إلا نصا واحدا ( ظل حلمه يشبهني ) مع وضع تنوين الضم فوق اللام من ( ظل ) ، وحركة الضمة فوق الميم  من ( حلمه ) .

& ==============    في السيرة الذاتية للشاعرة / رؤى آجلة  ===================

تقول الشاعرة مليكة الجباري : ( تنتفض القصيدة عندما تطالبك بتغيير دقة الحلم من أجل أن تكون أنت وليس الآخر ...عندما تراهن على القضايا بلغة أخرى ، لغة الرفض أن تقول ( لا ...) ...فالعالم أصبح كومة فوضى كملعب كرة القدم ومباراة معكوسة التنظيم ..اللاعب لا يسدد هو فقط يتفرج والحكم هو بطل اللعبة عن سبق إصرار وترصد ، فلا تتفرج إذا كنت صاحب قضية ..ترفض أن ترحل عبر اللامبالاة وتغلق باب الملعب وراءك ...هنا نضجت قصائد رؤى آجلة ....) .

ويقول الناقد ( علي البوخاري : ( هو حديث من عشق في قصائد الشاعرة مليكة الجباري ، ذلك العشق الذي استوطن كل تأملاتي وأسكنني وطنا ، حاورته كل القصائد بأحلام كبيرة ، تصحو كل صباح فتخجل منها المفردات  ....إنها لمشاهد تصويرية ، تدفقت على أسماعي حين القراءة لكل القصائد ...لحظات تجلى فيها الإبداع الشعري في أخصب اللحظات ، للشكل لوحات تغدو فيها كل عوالم الحقيقة صورا منفتحة على زمن المعاني الدلالات ... وتوقظ أحاسيسنا ، جمعت ما ملكته مليكة من سمات انفعالية وفي نسق متقن جميل ، يتدفق بكل استلهام واقعي وبذات قيمة أساسية تتجرأ فيها عروسة الشعر لبناء مشاهد تشرق فيها كل مقاطع التعبير الذي يفيض بالدلالة والصور الخاطفة التي تتحول إلى رموز تتعاضدد وتتكامل فيها المواءمة البديعة ..)

  & =============   النصوص الموازية ( الغلاف _ العنوان _ الإهداء ) ============

  1.   = العتبة الأولى / الغلاق :

يطالعنا الغلاف بصريا بلوحة مشكلة بمختلف الألوان الكثيرة المتدرجة والتي عكستها نصوص ديوان ( رؤى آجلة )  كلها سواء الملموس منه أو المحسوس ، فكل لون يحيلنا وينفتح على دلالات كثيرة ، منها العاطفة ، والطاقة ، والحيوية والأمل ، والمسؤولية والحزن ، والإبداع والشر والفضيلة والحياة والظلم والجمال ، والكثير من الدلالات الأخرى للألوان  التي تستمد شرعيتها من رؤى / رؤيا في القرآن الكريم . يقول الله عز وجل : ( يوم تبيض وتسود وجوه ) آل عمران 106 ، ويقول أيضا : ( إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) البقرة 69 ، وورد في سورة طه 102 ( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئد زرقا ) ، وفي سورة الإنسان 21 : ( عليهم ثياب سندس خضر واستبرق ) ..واستخدام دلالات الألوان في القرآن الكريم له دلالات بالغة الأهمية ، حيث نقرأ في آياته ذكرا لأغلب الألوان المعروفة ، لما لها من الأدورا الرسالية الدينية  المتعددة سواء في الأغراض الحسية أو المعنوية ، وكذلك لما للألوان من تأثير على النفوس . حقل دلالات الألوان استعمله الأدباء العرب ، وكذلك الشاعرة في ديوانها مستظلا ومنطلقا من كتاب الله المقدس . دلالات الألوان ستصاحبنا في غوصنا في الانزياح والرمز .

2  _  العتبة االثانية / العنوان

لقد أهمل العنوان كثيرا من قبل الدارسين العرب والغربين قديما وحديثا ، لأنهم اعتبروه هامشا ،  لا قيمة له ، وملفوظا لغويا لا يقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي ، لذلك تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط بخيوط النص . علاقة العنوان بالنصوص بالغة التعقيد ، إنه مدخل إلى عمارة النصوص ، وإضاءة لما أبهم فيها . التفت لدراسته باحثون ودارسون مهتمون بالسردية ، ك( جيرار جنيت ) في ( العتبات ) ، و ( متران ) في ( هوامش النص ) ، و( شارل كرفل ) في ( العنوان ) ، أو ما يطلق عليه ( النصوص الموازية ) . الديوان الذي بين أيدينا عنوانه ( رؤى آجلة ) .
و ظائف العنوان التواصلية والتداولية كثيرة ، سنركز في دراستنا له على الوظيفة اللغوية الواصفة ، والوظيفة الإيحائية ، والوظيفة الوصفية .

#  ==== رؤى  :

رؤى مفردها رؤيا ، أي ما يرى في النوم ، والرؤيا الصادقة أول طريق لكشف الغيب ، وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم نبوته بالرؤيا الصادقة ، ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) ( الفتح آية 27 ) ، وكلمة الرؤيا مشتقة من فعل رأى . فهل هذا المدلول لكلمة ( رؤى ) هو غاية الشاعرة في العنوان ؟ أم المقصود الرؤية الاستشرافية للمستقبل ؟ وهل يمكن ربط نصوص ( رؤى آجلة ) برؤيا يوسف عليه السلام ؟ .
ارتبطت إحدى رؤى يوسف عليه السلام بالسنابل ، هذه الكلمة تكررت مفردة وجمعا في ديوان ( رؤى آجلة ) ستة عشر مرة في نصوص مختلفة داخل الديوان  ( السنابل اللمتلئة = الخير ، والسنابل الفارغة = الشر ) هذا دافع أساسي يدفعنا دفعا لربط ( رؤى آجلة ) بالرؤيا الصادقة في الكتاب المقدس وخاصة تأويل رؤيا السنابل من طرف  يوسف عليه السلام ،  والتي تربطنا بالتدبير الاقتصادي ( حقل الاقتصاد ) ، أي أمور دنيوية غايتها أخروية ( الآجلة ) ، فهل ترمز ( آجلة ) عند الشاعرة  في ( رؤى آجلة ) إلى الآخرة فقط ؟ .

يقول الناقد محمد يوب : ( عندما قص يوسف على إخوته رؤياه كان يعلم بأن المكيدة ستأتي منهم آجلا أم عاجلا  ، لكن عندما قصت الشاعرة مليكة الجباري رؤاها الآجلة التي تسم ديوانها الجديد ، كانت تعلم بأنها ستوقظ في نفسية المتلقي متعة القراءة وجمالية التلقي ، لما يتضمنه الديوان من حس أدبي  رؤية إلى العالم ...) .

  
# ===  آجلة  :

المقصود بالآجلة الآخرة ( دار البقاء بعد الموت ) ، عكسها العاجلة وهي الدنيا ، هذا معنى واحد من المعاني التي تروم إليها الشاعرة من مصطلحات الحقل الديني ، بينما نجدها ( آجلة ) في حقل المصطلحات الاقتصادية   أقرب جدا من كلمة ( آجلة ) في عنوان ديوان الشاعرة . آجل / آجله / إيجالا أي حبسه ومنعه ، و( سيزوره آجلا أي مستقبلا ، فآجلة ترمز إذن إلى المستقبل كما ورد ذكرها في الشعر العربي والأحاديث النبوية والقرآن الكريم . يقول الشاعر :

إذا عاجل الدنيا ألم بمفرح ////فمن خلفه فجع سيتلوه آجل

ويقول آخر :

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا /// عقوبة شر عاجل غير آجل

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من نزل به حاجة فأنزلها بالناس ، كان قمنا أن لا تسهل حاجته ، ومن أنزلها بالله ، أتاه برزق عاجل ، أو موت آجل )  .
ترتبط كلمة آجلة بالواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري العربي ، هي رؤى ثقافية فكرية تطمح لتغيير واقع يشكل منطلق رؤاها الشعرية . وكلمة أجلة حين تربط بكلمة قبلها ستحيلنا على حقل الاقتصاد وحقل العلوم الشرعية . لنتأمل ( آجلة ) في الاقتصاد ، ونحن نتصور ونضع ( الفكر والثقافة ) مكان الاقتصاد ، أو ( رؤى الاقتصاد الفكري ) الذي ترتكز عليه ( التنمية البشرية )  .

_ حركة آجلة : اتجاه صعودي لسعر ورقة مالية أو سعر أو مؤشر ( forward movement ) .
_ صفقة آجلة : عملية شراء أو بيع عملات أجنبية على أساس التسوية في المستقبل (  forwad deal )
_  عقود آجلة : مقيدة وهينة بحل مستقبلي .
_ علاوة آجلة : تداول عملة أجنبية بعلاوة آجلة عندما يكون سعرها الآجل أعلى من سعرها الفوري ( forwrd premium ) .
وحين نتأمل كل مصطلحات الحقل الاقتصادي ( العاجلة )  نجدها الواقع الفكري للشاعرة ، خاصة وأن الاقتصاد به يتحدد رقي الأمم أو تخلفها ، ويتبعه رقي الفكر أو تخلفه ، وهذه الأخيرة هو محيط ( رؤى آجلة ) . على ضوء هذه المفاتيح المصطلحية سنركب عناصر العنوان .

========== ( تركيب كلمتي عنوان ديوان / رؤى آجلة ======================

مما لا شك فيه أن ديوان ( رؤى آجلة ) هو رؤية مستقبلية تقوم على مواد وأركان من الواقع القائم ، والرؤية الشعرية  تختلف حسب الزمان المكان ، هو اختلاف ليس في الجوهر ، بل اختلاف في وجهات النظر للمستقبل كلما تطور المجتمع ، وكل شاعر يكون رؤاه عن طريق توظيف الإمكانيات الفنية من صور شعرية وأسطورة ورمز ...ونصوص ديوان الشاعرة سعي لبناء عالم بديل  والمتطلع لآمال المجتع العربي عامة والمغربي خاصة . فالرؤيا في العنوان ليس مفهوما تابثا أو يستقطبه أفق اصطلاحي واحد ، بل تتنوع وتتكامل بفعل عوامل تدور في حقل تجربتها الشعرية ، كقدرتها على كشف الذات الكونية الوجدانية ، وانفتاح النصوص على سياقات الكونية والجمالية ، الرؤيا وعي ناضج للمستقبل من خلال الواقع .

3 ====== العتبة الثالثة : الإهداء :

أول ما طالعنا في ديوان ( رؤى آجلة ) الإهداء المدون على صفحته الأولى ، وهو بمتابة المقبلات التي تفتح شهية مواصلة القراءة ، إهداء من نوع خاص على مستوى تطور خطابه في تجربة الشاعرة الشعرية ، بالمقارنة مع ديوانها الأول ( في قلب العاصفة ) وديونها الثاني  ( على صهوة الجموح ) ، إهداء محمل بالإشارات والإيحاءات والعواطف والإنفعالات ..تقول الشاعرة : ( عندما نصدق الأقلام المرتجفة ، تسرح بنا الأفكار تتبعنا المعاني بدون طعم ...الصفحات الموشومة بالكذب كانت تعلن تهريجها ونحن نجوب السطور في وقت الوقوف على أقدامنا باحثين عن صفحة ترتب لهفتنا وترتب الحقيقة والأحلام ....عقولنا كانت تأبى ترويضها ولم تقبل على  الطعم حتى لا تتهم يوما حتى لا تتهم يوما بتصدير أحلام لا تتحقق . فلا داعي اليوم أيها الرفاق للبكاء على أطلال تعيش بين ممرات ذاكرتنا كأصنام ..ألفنا عبادة فحولة عربتها الفكرية ولا داعي لقبول أوشام رسائل نحفظ عنوانيها تسافر بلا أجنحة ولا هوية ...إنها قضية الكتابة في علاقتها بالذات الكاتبة وعلاقة هذه بالمتلقي في وقتنا الراهن ....شغب أسئلة تنتظر أجوبة بون فواصل لمن سأكتب اليوم ...؟ وماذا سأكتب ...؟ ولمن سأكتب ...؟ ) .

& ====== مدخل : درجة الانزياح والعمق نحو الخيال والرمز في التجربة الشعرية لمليكة الجباري =======

الانزياح لغة هو  مصدر لفعل انزاح ، أي ذهب وتباعد ، والانزياح في النقد الحديث هو استعمال المبدع للغة مفردات وتراكيب وصورا استعمالا يخرج عن المألوف والمعتاد ، وبه يحدث التفرد في الإبداع الذي يجذب ويأسر . مفهوم الانزياح تجاذبته وتعلقت بدائرته أوصاف كثيرة ، وبديهي أن تتفاوت المصطلحات فيما بينها ، كما يشر إلى ذلك ( عبدالسلام المسدي ) ، منها الانزياح عند ( فاليري ) ، والانحراف عند ( سبيتر ) ، والإخلال عند ويلك وراين ) ، وخرق السند عن ( تودوروف ) ...و من أنواعه الانزياح الاستبدالي أو الدلالي ، ويجمع ( الاستعارة والمجاز المرسل والكناية ) . الانزياح التركيبي ويمكن رصده من خلال تقديم ما وجب تقديمه ، وتأخير ما وجب تأخيره في عودة الضمير على ما هو غائب ، ومنا هو غير عائد إليه ، أو عودة الضمير على متأخر ، وكذلك التكرار ، وهناك الانزياح بالحذف أي حذف ما يمكن إدراكه من سياق الكلام .

1 _======= _ تمظهرات الانزياح في التجربة الشعرية للشاعرة / ( رؤى آجلة ) :===========

تقول الشاعرة في قصيدة ( حمائم النصب التذكارية ) :

وعود استصرختني 
تأبى الجفاف وصوت المجزرة
أفكارنا شاخت
وسط الحضن المضطرب
....أسيرة هي رسائلنا بين الأشواك ...
تدمي حواشيها المزينة وهي تراقص الانعتاق ...
على الأنصاب التذكارية حمائم ...
نسيت لهفة الطيران
لبست ريش الغربان القادمة من ساحة المعارك
تخاف طلقات قناص ...
قناص نسي قرص الشمس
يسكن الفوضى المرتبة بالأنامل
همها بذر الرسائل بين الأشواك ...
بناء أعشاش وسط المنابر .
منابر دون عضلات ولا أرداف .
لا تغتالها الأيادي الممنوعة من الفجر .
الممنوعة من ترقب هلال غد يخاف القبر
عفوا أيها الوعود ؛
لا أسطيع لك نصرا
قلبي ينحني على الأنصاب التذكارية كالحمائم ...
تقتحمه مخاوف مسنودة ...
لا تقنعها خطوات مهاجرة ...
لا يقنعها الصوت المطيع ...
ثورتي تدربت على الهدوء ...
تدربت على عشق السلام المرصع بالهدايا ...
كالقصص المثابرة على الرقص ...
تدفن الشخصيات ويعيش التنفس
نستنشقه رغباتنا ...
ليعلمنا كيف ندفن الحكمة حتى لا تحرضني
وقد تحرض الحمائم على المناصب التذكارية ...
خوفا أن تفكر في خلع ملابس الغربان ...
وقد تحلم بنكهة الطيران ...
وقد تحلم بقتل القناص ...
تعتق البذور بين الأشواك
تسرق البندقية ...
تعلن الرماية للكلمات ...

يطالعنا الانزياح في القصيدة وفي نصوص تجربة مليكة الجباري الشعرية بأنواعه المتعددة ( وعود استصرختني ) ( قناص نسي قرص الشمس ) ( ... أسيرة هي رسائلنا بين الأشواك ... ) ، الانزياح ( الحذف والتقديم والتأخير والصيغ البلاغية )  في تجربتها ظاهرة غزت أسلوبها الشعري ، لأنه عنصر جد هام يميز لغتها الشعرية ويمنحها خصوصيتها وتفردها . والمتأمل جيدا للقصيدة سيجد الانزياح ظاهرة امتاز بها الأسلوب الشعري للشاعرة عن غيرها ، منحها خصوصيتها وتوهجها ، يجعل لغتها خاصة بها ، تختلف عن اللغة العادية ، مما جعل الانحراف / الانزياح يمتاز بتأثير جمالي وبعد إيحائي ودلالي . يقول ( جون كوهن ) عن الانزياح  : ( هو الانتهاك الذي يحدث في اللغة ، والذي يمكن بواسطته التعرف على طبيعة الأسلوب ، بل ربما كان هذا الانتهاك هو الأسلوب ذاته ، وهذا ما يؤكد أن الانزياح في الشعر هو استعمال العبارات المألوفة بطريقة غير مألوفة ...) .

ونقدم كنموذج قصيدة أخرى من ديوان ( رؤى آجلة ) عنوانها ( عبث الأصابع ) :

ابتهل الليل في عيون تلذذ التسكع
أوصدت هي الأبواب المشرعة على شطحات الحزن
غابت رمزية الأمنيات
في وجه تلك السماء
تأملتها انشقت شطرين ذات مساء
الصبر نفض غباره
صمتها ستائر أكذوبة
ثائرة هي لعبث الأصوات المتبرجة في الحلق
سراب ليلهم يهوى مضاجعة وطاوط الصقيع
أسقطت أحلامهم من تاريخ قديم الولادة
بين سنابل العيون زرعت قرنفلة
بقاء عطرها يتوسد لحن الانتظار
قالت ....
سأخضر كمروج الربيع
سألتقط العنب المتسكع بين الفصول
على أمواج بهاء ألوان ارتعش فجرها
امتطيت الصبح لتحضير ابتسامته
لتكسير أمواج روح تائهة
بين حيرة وحيرة بلا معاني
( الصفحة 37 و 38 / جزء من القصيدة )

الانزياح في تجربة الشاعرة ظاهرة تدلنا عليها الأشكال البلاغية والأسلوبية التي يطرحها هذا النص وكل النصوص الأخرى في الديوان ، تعتمد فيها الشاعرة على الانزياحات الصوتية والدلالية ( ابتهل الليل في عيون تلذذ التسكع / الصبر نفض غباره / صمتها ستائر أكذوبة / سألتقط العنب المتسكع بين الفصول/ بين حيرة وحيرة بلا معاني  ) . كما يتم الانزياح في تجربتها طبقا لوظائفه الاسنادية والحذف ، الأمر الذي يسمح بالتمييز بين العوامل الإسنادية في قصائدها ، وعوامل أخرى تحديدية ( الوصف / التوابع  ) وعوامل تركيبية ، والعومل مجتمعة شكلت خرقا منظما للانزياح الظاهرة في شعر مليكة الجباري . فالألفاظ في قصيدتها لا تؤدي معاني لغوية واضحة أو غامضة فحسب ، بل تؤدي كذلك وظائف بلاغية وبيانية ذات رموز واسعة الدلالة ، فحتى الألفاظ الحسية ( الليل _ الأبواب _ الحزن ...) تحس فيها اتساعات شديدا وخروجا عن مألوف الاستخدام اللغوي . ظاهرة الانزياح في التجربة الشعرؤية للشاعرة يمتاز بدرجته العالية وهي التي تحدد مستوى التشكيل الفني ذاته داخل النصوص الأخرى . يقول أريسطو : ( أعظم الأساليب حقا هو أسلوب المجاز ...هو وحده الذي يمكن أن يستفيد المرء من غيره ، وهو آلية الموهبة ...) ، ومجاز أريسطو يعادله في اللغة العربية ( الاستعارة _ والمجاز المرسل والكناية ) ، لنا عودة في المدخل اللساني للبلاغة والبديع والبيان في التجربة الشعرية للشاعرة من خلال ديوانها ( رؤى آجلة ) ، وننتقل لمبحث في غاية الأمية ( الانزياح نحو السر / القصيدة السردية ) .

2 _  الانزياح : تمظهرات صوت السارد في التجربة الشعرية ( رؤى  آجلة ) =============

تطلعنا القصيدة الأولى ( هل كان لزاما ؟ ) مركزية الصوت من خلال البنية الاستفهامية سواء داخل النص أو في عنوانه ، ونقصد بمركزية الصوت ( صورة الصوت الواحد عبر الخطاب الشعري ) ، على اعتبار أن للشاعرة لغتها التي تمثل من خلالها طبقة معينة في المجتمع لها صوتها وأيديوجيتها التي يكفي فيها الخطاب ذاته لذاته . ولست القصيدة الأولى وحدها من يتمركز الصوت فيها ، بل يشمل  قصائد متعددة في ديوان ( رؤى آجلة ). ومما يدل على مركزية الصوت وجود المعاني المتماسكة ، وإن وجدنا أصواتا مختلفة في الديوان وكذلك في النص الواحد ، لكنها في عموم التجربة الشعرية عند الشاعرة تميل أكثر نحو المركزية الصوتية الذاتية . يقول ( لوسيان جولدمان ) : ( العمل الفني أو الأدبي يكون ناجحا من الناحية الجمالية عندما يدل على معنى المتماسك يعبر عنه بشكل مناسب ويكون المعنى متماسكا عندما يطابق فيه الفردي الجماعي .) ونقدم قصيدة ( هل كان لزاما ؟ ) لنغوص معا في الذات الساردة ذات الصوت الواحد الذي يكرس مركزية الصوت .

   هل كان لزاما ؟

يمضي الزمان والمكان
أفكاري بندوبها أصرت أن تطارحني هدوئي
توالدت أسئلتي
ارتشفني السكون وانتشى
لكن الصوت في الخارج يعري وجهي الرديء
كم هو مقزز :
انتهاك حرمة جمال الوجود
بدعاء مركب تحت غطاء الليل
حتى الشياطين تباركه ...
هل كان لزاما على الأعمى
أن يجرب ظلمة الألوان ليبدع ...؟
ليبدع لي سنفونيات بالألوان ...
عزفها ما زال يمارس طقوسه على القلب بكل الأشكال
ربما أخطأت السؤال ...
السمفونيات كانت في حاجة لأنامل
بل بصر ...
تبرأت العيون في ولا دتها من العيون البغيضة
لا تحملق في السماء وتهديني تعجبا

تتمركز ( مركزية الصوت ) في الذات الساردة من خلال اللبنات / البنى التصويرية التي تعتمد على الانزياح ( عند الشاعرة ) والذي لا يميل إلى تفجير اللبنة الدلالية ، ولكن تبدو عند المتلقي سهلة الفهم . الذات الساردة في القصيدة تعتمد الانزياح على مستوى العلاقات الجزئية ، والتي تتكاثف وتتآزر في إطار من البنية الكلية ، مما سهل وضوح الدلالات الكلية . تبدأ القصيدة ببنية استفاهية والتي تحمل نبرا عاليا ، يؤشر لتوتر حاد ، وهذا الاستفهام في مضمونه إشارة قوية ، تدلنا على أن القصيدة بدأت ، قبل بداية ملفوظها المتسم  بأبعاد طبيعية للواقع المادي ، تميل إلى التشخيص وجسد الموجودات والأفكار ( أفكاري بندوبها أصرت أن تطارحني هدوئي / ارتشفني السكون وانتشى / هل كان لزاما على الأعمى / أن يجرب ظلمة الألوان ليبدع ) . تمركز صوت الذات الساردة ( ياء المخاطبة ) في بنية الصفة التي جعلت الزمان موجعا ، من خلال علاقة رمزية عميقة تجمع بين الزمان والأوجاع . ونواصل معا غوصنا في نفس القصيدة .

لا تدفن الوجوه البريئة في الأرض
تسترك على البلادة تفضحها الطريقة
بلادة تصرخ دون توقف في وجهي
وفي وجه السماء
طلقات ذلك القلم العاكف في برج الصحائف
علمني الشفرات
شفرات الحكاية الموؤودة
علمني أن أقدم الرأس قبل القدمين
نحو شاطئ السفر
أغاني أفكاره تنزهت في حدائق مسيجة
عباد أصنام زرعوا له الأوتاد
زرعوا النخيل العاقر قبله وركبوا الأصفاد
لكن الفؤوس الصدئة تكفلت برؤوسهم
السوط ما زال يكسر عزلته ...
أنا لا أروي خرافة
أروي قصة سؤال له أطلال
أسقطني من حافة سريري
كنت أطارح أفكاري
نضجت أجوبتي وقت كان الصبح يسعدني
عبر زجاجية الملامح
بعثرت اللحاف البنفسجي
ألوانه أعجبت بسيقاني
إلتف ليمسك حتى بأفكاري
توالدت أسئلتي ، خلصتني من إزاري
علمت وقتها لم أبدع الأعمى وقهر الآلات
نطق القلم والسمفونيات
في غياب العيون الخضراء والسوداء
في غياب تشطيب ممل للأسماء ..
حقا تبرأ في عماه من كل الوجوه البغيضة
أسكن روحه قلب المدينة
ليعلمنا أن الصوت أقوى من من عيون بليدة
تعلمنا الكذب بطقوس وفرضة .

يعتبر السرد في ( مركزية الصوت ) داخل النص في غاية الأهمية ، فهو عملية تواصل تتضمن قصا ، يترتب عنه قيام بناء زمني ، تتعاقب فيه الأحداث ( أنا لا أروي خرافة / أروي قصة سؤال له أطلال ) ، هي أحداث سؤال ( هل كان لزاما ؟ / ربما أخطأت السؤال / نضجت أجوبتي وقت كان الصبح يسعدني / توالدت أسئلتي ، خلصتني من إزاري ) ، حضي الزمان بتنظيم خاص لمكونات قصة ، تتحددها العلاقات الزمنية الكرونولوجية ، وما ترتبط بها من علاقات مكانية ( أروي قصة سؤال له أطلال / أسقطني عن حافة سريري ) . فالبنى القصصية تقدم خصائصها في تواترات ، أو في اطرادات تشيد شعرا سرديا . في هذه القصيدة التي بين أيدينا يمكن التمييز المتن الحكائي ، والمبنى الحكائي ( البنية السردية ) وهي التتابع السببي الزماني الذي هو القصة ،  والسرد موجود في كل الفنون ومن بينها الشعر . ينهض السرد في قصيدة الشاعرة وغيرها من النصوص الأخرى بالمساهمة في توضيح الاتساق والتتابع ، والبنية السردية في القصيدة ليست متعددة الأصوات ، بل ذات صوت واحد هو الراوي ( الشاعرة ) ، من خلال تمركز السرد حول الذات .

3  _ الانزياح : التعدد الصوتي ( بنية المونولوج )  في تجربة الشاعرة ( رؤى آجلة )  ================

هناك عدة قصائد في الديوان تحوي داخلها بنية الحوار ( الديالوج ) وبنية المونوج ، نقدم نموذجا / قصيدة  لهذه الأخيرة معنونة ب ( بحر بدون عنوان ) :

في رحاب مساء لا يشبه سنابل المساءات
عزفت لبحر بدون عنوان
كان لنصيب الرياح موج أسطوري
يلتهم عناقيد الحلم ...
حلم رفيق الواقع الموجع
قالت ...
تنازلت عن معرفة ملوحة المذاق
تنازلت عن قياس درسة زرقة المياه
لن أهتم لعمق الأسرار ...
لا رغبة لي في معرفة كنوز الأعماق
فقط سأنسى خرطتي عندما تحتويني خرطتك
أنا فقط سأكسر طواحين السؤال
والجواب سيمتزج الماء والهواء والرمل
سأغلق الضفاف ...
وأهدي حراستها لخلود الغروب
ليتنفس الشروق شهقة الاتحام ...
أهذا يكفي ...؟
قال ...
ذكريني بالحلم فقط
لأمنح تمردي هدنة ...
وبعضا مني وبعضا منك
وبقايا عناقيد لكل الشهداء ...
أهذا يكفي ...؟

ونحن نغوص في هذه القصيدة سنكتشف التعدد الصوتي المتضمن داخلها ، حين نجد أصواتا متعددة ملفوظة وغير ملفوظة ، وإن بدات في ظاهرها ثلاثة أصوات ( قالت ... / قال ...عزفت لبحر بدون عنوان ( التاء المتحركة ) / وياء المتكلم ) على أساس أنها بنية حوارية ( ديالوج ) ، لكنها أعمق من ذلك لأنها تميل إلى بنية المولونوج يتجاوز ويتداخل في عمقه الشعري بالنثري ، والنثري بالشعري ( النثرية في قالب شعري ) .
يظهر وجود الآخر واضحا في ( أهذا يكفي ...؟ ) ، لكن هذا الذي سميناه الآخر يبدو صامتا ، وإذا نطق ملفوظا فإن السارد ( الشاعرة ) تمحو ملفوظه ، وتستعين بالحذف والفراغات ، رغبة في تحقيق فعل الحوار بين الصوت السارد والصوت الآخر . لكن حين يصغي المتلقي بهتمام للقصيدة سيكتشف التعدد الصوتي المضمر داخلها .
ونلخص غوصنا في تجربة الشاعرة الشعرية من خلال مركزية الصوت وتعددها والتي لا تصل حد الحوار ، وإنما تكشف عن تحاور أقرب إلى المونولوج . مبحث الانزياح والسرد في الشعر هام جدا ، لا ندعي أننا غصنا فيه بشكل كامل ، بل لا مسناه كمفتاح لرصد التجربة الشعرية للشاعرة . وكما يعرف المهتمون بالنقد أن مبحث الانزياح أو السرد ، فكل واحد منها يمكن أن يكون مبحثا يطول لعشرات الصفحات . خاصة وأن التجربة الشعرية تحفل بكل أنواع الانزياحات ، منها الانزياحات الصوتية ، والانزياحات التركيبية ، والانزياحات الدلالية .

4 _ ==== الانزياح : الرمز ودرجته في التجربة الشعرية للشاعرة ( رؤى آجلة )   =============

يقول الدكتور عدنان حسين قاسم : ( إن الرموز تختلف باختلاف أشكال بنائها ، فمنها رموز تستغرق القصيدة كلها ، وتشكل محاورها ، وأخرى تعد جداول صغيرة تتدفق من شعاب جانبية ، وتصب في في المجرى الكبير لتلتحم به ، وبوسعنا أن نقسم الرموز إلى نوعين رئيسين : أولهما الرمز الجزئي وهو أسلوب فني تكتسب فيه الكلمة المفردة أو الصورة الجزئية قيمة رمزية من خلال تفاعلها مع ما ترمز إليه ، فيؤدي ذلك إلى إيحائها واستثارتها لكثير من المعاني المخبوءة ، وتتسع هذه الصورة وتلك الكلمات بأحداث تاريخية ، أو تجارب عاطفية ، أو مواقف اجتماعية أو ظاهرة طبيعية ، أو أماكن ذات مدلول شعوري خاص ، أو إشارات أسطورية معينة وتراثية عامة ، والشاعر في تعامله مع هذه الأشياء يرتقي بمدلولها المتواضع ...الرمز الكلي وهو معنى محوري وشفاف ، مجسد في إحدى الظواهر المادية ، تتمركز على أرضه جل الصور الجزئية ، عمل شفري تشده نحو هدف جمالي منظور يربطنا به ينبوع التجربة الشعورية ... ) .
حين تعميق الرؤية في ديوان مليكة الجباري ، وجدنا الرمز بمختلف أنواعه ، متوزعا بين المحسوس ( الرؤيا ، الرؤية الشعرية  والملموس ، منه الديني( سفينة نوح ، الغراب والدفن ...)   والأسطوري ( أغنيات إيزيس _  الحصان الذهبي  )  والتاريخي ( الكاهن ، المسجد الأقصى ، الوطن ، الأندلس ... ) ، والطبيعي ( السنبلة ،  الصبار  ، البحر ، الحمائم ، الغيلان ، الهدهد  ...) ، والأدبي ( ساندريلا ، ليلى ، كيلوباترا ، فولتير ، بودلير ...) ، والفلسفي ( إبن رشد ، محمد عابدالجابري ) ، والثقافي ( الرصيد المعرفي واللغوي لحقول معرفية متنوعة منها الرياضيات ، والسياسة ، وواقع المرأة العربية ....) ....

تقول الشاعرة في قصيدتها المعنونة ( ستسأم القصيدة ...)

سيبلل المطر القادم من عيون تركناها
وراء ظهورنا
حفلا بالأشواك تزين ..
عندما ماتت أظافر
كانت وراء ظهورنا تنبش الزواحف
سترسل الرياح إنذارها
عندما تتعب من قراءة العيون الذابلة
على جدران كل مدن الانكسارات ...
سيسكت القلم ...
يتوقف المداد من ضخ أكذوبة الفرح ...
والرقص على أوراق لا لون لها ...
لأن البياض سرق في غفلة
والمقص يلحن لها أغنيات " إزيس " ...
هكذا يبتلع الجوع وحرقة القيود
قصص التاريخ ليبدأ الحكي
من رقم الصفر ويتابع الحساب والعد ...
لنتابع نحن لعبة التبرير ...
وشنق ( لا ) بحبل غسيلنا ...

استعمال وتوظيف الرمز هو رابط يجمع معظم شعراء القصيدة الحديثة ، على درجة تتفاوت من شاعر إلى آخر ، و ما نلاحظه في النص ( تجربة الشاعرة الشعرية ) ، أنها استعملت الرمز البسيط الطبيعي ( المطر  / عيون / الأشواك _ الزواحف ...) ، لتنتقل إلى الرمز العميق ( الأسطورة / والمقص يلحن لها أغنيات " إزيس " ...) . رموز تسيطر على النص وتراكيبه وصوره وبنياته المختلفة المجازية والبلاغية والإيحائية . ورغبة الشاعرة تعميق المعنى الشعري بدرجة رمزية معقولة لا تصل حد الغموض . وهو ( الرمز بأنواعه ) عندها مصدر تأثير وتجسيد لجماليات التشكيل الشعري . فصار عندها الرمز الأسطوري صورة فنية أغنت النص من جانب احتمالاته المتحركة ( مدخل تجاوزناه في الجزء الثاني من دراستنا للتجربة الشعرية للشاعرة ) ، كما عمقت الأسطورة النص فكريا وجماليا . وكما يعلم كل معتم فالقصائد المليئة بالرموز تحتاج إلى وقفة طويلة وتحليل عميق . وملامستنا للرمز في التجربة الشعرية للشاعرة هو فقط ترصد واستحضار لمعجم الشاعرة الفني ، وسياقات قصائدها وصورها المتشابكة والمترابطة .

ونتابع مع الشاعرة الغوص في قصيدة أخرى من ديوانها ( رؤى آجلة ) . قصيدة ( ألستم من علمني أن أكون امرأة ..؟ )

نسوا أني عربي ..
أنني الألف والنون والتاء والهودج والقافية
أنني العيون السوداء
أقتبس لقلبي حرارة الصحراء
امرأة بضفيرة وقصيدة
أحلام كيلوباترا ومجادف قوية
امرأة أنا حقا ....
بتوب عربي وقلب غجري ...
وفكر رشدي يرفض التشكيل الدائري
لا تعجل بالقضية وترسمني دوائر
قد يتعبك دوراني ...
فأنتم من علمتموني أن أكون امرأة
ونسيتم أني مهرة عربية ...
( مقتطف من القصيدة جزؤها الأخير ) ص 110 و 111

ونقطف من قصيدة ( سجين عربي برقم أزرق ) ما يلي : ص 51 و52 و 53

تعلمنا معكم أن الليل ظلمة
أشباح غول ...
ألسنة الغيلان تتقن المجادلة
نسينا أن القمر والشمس هدايانا
حتى الفجر وأوقات الأشجار كان لنا
عشق الخريف للربيع
غازل الماء المتربة
إلهام ...
كانت الولادة
قف هنا !!!!!
لا تحك لي ...قصة الأمير والساندريلا
أنا لست ليلى
قصة الذئب أهدت الجدة
المقبرة ...
الحقيقة حملتها سفينة نوح
أبحرت تركت الأرض
عادت دون بعثرة ...
سلمونا الأقفال ...
الحروف والأسماء المبتورة
الحلول ليست ناضجة
حكاية الطفلة شاهدة
قصتكم موشومة بالكذب والرتابة
سجين برقم أزرق
صدق العصفور فارتجل القصيدة
سحبتم قافيتها واعتقلتم القصيدة
سجلوا رجاء : التاريخ
حروف ناطقة لا أسطورة
الحق حق ...
مهما تغيرت الصورة وتلونت المساطر
ستظل الاستقامة للمسطرة
.......

الرمز ودرجته وأنواعه و الخيال الخصب فاعل أساسي في التجربة الشعرية عند الشاعرة ، يتجلى تجليات متباينة ومتكاملة ، تربطهما ( الرمز والخيال ) علاقات لا يمكن فصلها عن بعضها لما تنطوي عليه من من وظائف بالغة  الأهمية في اللمارسة الإبداعية التي جعلت شعرها يزخر بالتفاعلات الخيالية الرمزية  . ( أنني الألف والنون والتاء والهودج والقافية / أحلام كيلوباترا ومجادف قوية / وفكر رشدي يرفض التشكيل الدائري ) . الخيال عند الشاعرة عملية تؤدي إلى تشكيل رؤية متماسكة ، لأن الخيال في الشعر عنصر في غاية الأهمية ، وهو القوة ذاتها التي تجعل الشاعر المبدع يرتبط بأشياء وقضايا مختلفة . يقول ( كول ريدج ) : ( الخيال هو القوة السحرية التي توافق بين صفات الأشياء ، فتظهر أشياء قديمة ومألوفة بمظهر الجدة والنظارة ، أي اجتماع حالة غير عادية من الانفعالات بحالة غير عادية من النظام ... وهو قوة تركيبية تشع نغما وروحا حين يمزج ويظهر الملكات واحدة منصهرة بالأخرى ، والخيال حالة عاطفية غير عادية وتنسيق فائق للعادة ...) . ( لا تحك لي ...قصة الأمير والساندريلا / أنا لست ليلى / قصة الذئب أهدت الجدة / المقبرة .../ الحقيقة حمتلها سفينة نوح / ) ، حين تأمل جيدا النصوص الشعرية في ديوان ( رؤى آجلة ) والقصيدتين السالفتين ، سيتضح لنا بالملموس تداخل وتشابك الانزياح والرمز والخيال بالسرد ، أي المفهوم الحكائي التي تعتمد عليه الشاعرة في وصف النص الشعري ، على اعتبار أن عناصر الحكاية هي التي توجه خطابها الشعري من الناحية الفنية . تمتاز النصوص ببنائها الخاص الذي يتخذ نمطين ، الأول حركية سردية تتحكم فيها الذات ( حوار الشاعرة مع ذاتها ) ، والثاني حركية سردية موضوعية ، معتمدة في النمطين على الجمل القصيرة والطويلة أحيانا ، وهذا ألزمها بطرح المعنى داخل التراكيب ، وكذلك استخداما لحروف متقاربة ومتفاوتة من حيث المخارج الصوتية . لنا عودة في ( المدخل اللساني للغوص في نصوص الديوان من خلال المفاتيح التي سبق ذكرها )

====== ============== خاتمة  =================

الشعر عموما هو فلسفة للوجود والذات من خلال منطق ( الرؤيا ) فيما وراء جدار وحاجز الأشياء ، وكل تجربة شعرية رغبتها الإيحاء الذي يوسع زوايا الرؤيا ومخيلتها من أجل استنطاق ما وراء الوجود . فنصوص الديوان تمتاز بفضائها الشعري مع تنوع في تقنيات السرد الشعري ، من حوار داخلي ( الحالة النفسية للذات الشاعرة ) ، والبنية الزمنية ، والحدث الشعري ، مما رسخ لدينا أن الشاعرة تتكئ على أسلوب القص من أجل ترسيخ الظاهرة السردية في الشعر ، أو ما يسمى ( السرد الشعري ) أو ( القصيدة الديالوجية ) المبنية على تقنيات درامية يسودها الحوار بأنواعه والمتعدد صوتيا . يحضر في النصوص الصوت السردي للمتكلم ، وأصوات سردية أخرى مرتبطة بعلاقة الشعر بمختلف الفنون . كما أن البنية الزمنية السردية تحضر في نصوص الديوان حاملة دلالات كثيرة ، منها الدلالة الزمنية الماضية وهي خيط يوصلنا دلالة الزمن الحاضر ، أو ترتد من الحاضر إلى الماضي لضغط لحظة الحدث خاصة مع الاستفهام بالهمزة التي حملت توترا حادا ، كما أن بنية الديالوك أو الأبنية الحوارية تتجلى بوضوح من خلال ( قال ....قالت ...الجواب المضمر أو المحذوف : قلت ، أجبت ..) ، وهي تدل على التفاعل والاستجابة المتبادلة المرتكزة إما على أحادية الصوت أو تعدده .
نتمنى أن يكون غوصنا في ديوان ( رؤى آجلة ) استطاع أخراج لؤلؤ النصوص واضحة براقة أمام المهتمين والقراء ....ونتمنى أن نكون أعطينا لتجربة الشاعرة مليكة الجباري حقها بين الشعراء المغاربة والعرب المعاصرين . لنا عودة في الجزء الرابع لنفس الديوان من خلال ( المدخل اللساني ) و( المدخل الرقمي الساند ) إن شاء الله تعالى .

=====================  عبدالرحمان الصوفي المغرب =====================

==========================  الهوامش ===========================

1 _ الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالي
2 _ مليكة الجباري : عنقاء اللوكوس / مجدالدين سعودي
3 _ مدخل نظري لدراسة العنوان / محمد رشيد / موقع ( ديوان العرب )
4 _ قاموس معجم الوسيط
5 _ معجم لسان العرب
6 _ القاموس المحيط
7 _ شعرنا إلى أين / شكري غالي
8  _ الثابت  والمتحول / أدونيس 
9 _ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده / ج 2
10 _ يوري لوتمان / تحليل النص الشعري ، بنية القصيدة / ترجمة محمد فتوح أحمد
11 _ معجم المصطلحات الأدبية / إبراهيم فتحي
12 _ معجم مصطلحات السيميوطيقا / ترجمة : عابد خزنجار .
13 _ بحثا عن الشعر / رفعت سلام
14 _ فالح الحجية / الرمزية في الشعر المعاصر
15 _ الرمزية والأدب / أنطوان غطاس
16 _ علي عبدالرضا / الأسطورة في شعر السياب
17 _ محمد أحمد مفتوح / الرمز والرمزية في الشعر المعاصر .
18 _ البنية اللغوية في الشعر العربي المعاصر / د . ابراهيم السمرائي
19 _ الشعر والتجربة  / أوشيبت ميلتس : ترجمة  سلمى الخضراء
20 _ خطابي محمد : لسانيات النص
21 _ فض صلاح  / بلاغة الخطاب وعلم النص / سلسلة عالم المعرفة/ العدد 4