المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

المغرب / الناقد عبد الرحمن الصوفي

الاثنين، 11 يناير 2021

احتفالية ‏الفياض ‏في ‏ذكرى ‏وفاة ‏السياب ‏/ ‏بقلم ‏: ‏د ‏. ‏صالح ‏الطائي ‏

من إحتفالية الفياض في ذكرى وفاة السياب .
 
 عبد الجبار الفياض ،  ضياع الحلم والنقش على شواهد القبور
الدكتور صالح الطائي
 
الشعر روح الفلسفة، والفلسفة غذاء الشعر، العلاقة بينهما كالعلاقة بين الماء والهواء، لا تستقيم الحياة بأحدهما، فجوهرها خلق من كليهما، وبني من تأملات وجودهما ليخلق فضائا يجمع كل ألق الدنيا في كأس قلب أنهكه البوح، وأصبح يبحث عن متنفس بين الأحرف والكلمات، فلا يجد سوى صدى أنفاسه يتردد في متاهات اللاوجود ينعى الوجود، واللاحياة تنعى الحياة.
أعطت الفلسفة بكل تعقيداتها للشعر بعده الروحي، وأخذت عنه بعده الجمالي، فتعادلا كفتي ميزان جمال ورقي، وربما أنفة وكبرياء؛ من سنخ ماهيتهما الغرائبية ووجودهما العجائبي. ومن أجواء هذه الألفة الحميمية بين مشاعر الروح، وأحاسيس القلب، وإشعاعات الفكر المطلقة، انطلق المفكرون يقاربون بين الفلسفة والشعر والمقدس والفن والجمال، فاتخذت الخلاصة مسارا تاريخيا، يرصد تطور هذه الإشكالية الشرسة إلى حد التوحش، والناعمة إلى حد الخدر، هذه العلاقة التي تمتد آثارها على امتداد الفكر البشري، منذ لحظات وجوده الأول على سطح كرتنا الأرضية الصماء، يوم كان طفلا آدميا يحبو بحثا عن موطئ أمان، وصولا إلى مراحل تألقها في أجواء الحضارات الفارسية والإغريقية والرومانية والإسلامية، يوم شخصت أعمدة الحكمة وهجَاً يخطف الأبصار، ويسلب الألباب، حينها وبكل كبرياء الواقع، انتصب الإنسان طودا شامخا، يناطح السحاب، مرورا بعبثية وثورة وتحدي وضوضاء الفكر الحديث، حتى انتهائها في مرحلة المعاصرة بكل الفوضى التي ترتسم على محياها.
وفي كل هذه المراحل كانت انعكاسات شواخص جنس الفلسفة وجنس الشعر  تتحد لتكوِّن جنسا من جنسين، هيمن بقواه الخفية على الثقافة والعقل. ومن هنا، من نقطة الشروع القلقة هذه، ولدت الأطروحة التي لا تشبه نفسها، أطروحة التحدي اللامعقول المفعمة برؤى أرسطو وأفلاطون وسقراط والفارابي والقديس أوغسطينوس والكندي ويوحنا الدمشقي وأبن سيناء والقديس توما الاكويني والغزالي وابن طفيل وابن باجة وابن خلدون وديكارت وفرنسيس بيكون وكانت وهيكل وشوبنهاور وابن النفيس كيركيغارد، لتغتال خلوات امرؤ القيس وطرفة بن العبد والحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد  وعروة بن الورد وأحيحة بن الجلاح وعمر بن أبي ربيعة والمتنبي والبحتري والمعري وشوقي وعبد المحسن الكاظمي والجواهري ومصطفى جمال الدين.
هذا التواشج المصيري؛ هو الذي ولَّد السيميولوجيا التي بحثت عن العلامة، عن الرمز الدال على المعنى المقصود في محاولة لم تكن اعتباطية لربط التواصل بين سعي قلقميش الجاد بحثا عن ماء الحياة، وسعي الشعراء وراء حياة الحياة، في لحظات تجلي الرمزية والدلالة الحقيقية للوجود نفسه. وكم هو عظيم ذلك الإنسان الذي نجح باختزال الوجود بكلمة، والكون بفكرة، وكلاهما يغريان المشاعر بفيض الوهم الوجعي، فالإنسان لو لم يكن أقوى المخلوقات لما بقي وتطور وتمدن وتقدم في الوقت الذي انقرضت فيه الديناصورات. الإنسان هو ديناصور المعرفة وعملاق الفكرة، وسيد البحث عن الأسباب والمسببات.
قد تكون هذه العلاقة الجدلية غير خافية، بالرغم من الضبابية المحيطة بها، ولكنك تتوسمها بوضوح في أجواء قصيدة "نقش على شاهدة" للشاعر البصري الكبير عبد الجبار فياض، فهي قصيدة ليست من نوع الملهاة بقدر كونها تفاعلا يبعث على الأمل بالرغم من ومضات الوجع السابتة فيها، هكذا شعرت وأنا أراه يقدمها إلينا مشفوعة بجملة "السياب يموت غدا"، فأي سياب هذا الذي لا زال حيا يتحدى أوجاع المرض وفراق جيكور؛ وهو الذي كان مغرما إلى حد اليأس والمرارة بشناشيل بنت الجلبي وغابات النخيل وساعات السحر والشرفات التي ينأى عنها القمر؟!
أي سياب هذا الذي لا زال يتغني بالكروم المورقة والمجذاف الذي يهز صورة القمر المرتسمة على وجه الماء والمطر؟
هل هو تجلٍ لروح السياب الذي نعرفه والذي غادرنا منذ زمن جميل طويل بذات شاعر تنفس مثله عبق البصرة؟ ألا نفهم ذلك من قول:
عُذراً شريانَ قصائدي
عشّاري الجّميل
أرسمُكَ على مساحةِ سريري
أمشيكَ كُلَّ يومٍ بلفافةِ تبغٍ من وريد . . .
رجلاي متعبتان
تحملاني من فراشٍ مُتذمرٍ لطولِ رقاد
تطوفانِ بي
أقفُ متوسّلاً بأنفاس
تختفي بدهاليزَ مظلمةٍ تحتَ ساعةِ السّورين ومضاتٍ بعدَ وهج . . .
تقذفاني في بطنِ سوقِ الهنود
وهل من إشارة أكبر من هذه الإشارة إلى تلك التواصلية التي ترسم صورة المعاناة التي كابدها السياب وقد تجددت بعد عقود لتتلبس روح شاعر بصري معاصر؟
وأي معاناة تلك التي تدفع الشاعر الفياض ليرفع نداءه الذي يفضح فيه ما فعله إخوة يوسف عصرنا؟
أنبأني راءٍ 
أنَّ إخوةً يأكلونَ على بساطي
ما حرّمهُ إسرائيلُ على نفسه . . .
يزورونَ بيتي
 كُوّتي الصغيرة
ألبسوها مِعطفَ ماكبث
أفرغوا عُلبَ الماكياج على عذراواتِ الطّين
ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !
لقد زرعت هذه التواصلية في روح الشاعر الفياض فيضا من العنفوان الثوري، ولأنه شاعر، لأنه حافي اليدين، لا يحمل بيده سكينا، ولا راية سوداء، ولا يُكَبِّر، ولا يرفع إبهامه، ولا يتهدد أحدا، لم يجد سوى الكوميديا السوداء ليعبر من خلالها عن فورة حزنه عله يخرج من حالة الاختناق، فيتنفس:
سيزارُ بعدَ سنين
يُعطى مدرسة
شارعاً
مذخرَ أدوية
قصاعاً من ثريد
بعضَ زجاجاتٍ من مُعتّق
رُبَما سورةِ الفاتحة !
هكذا إذا، تحولت المقطوعة إلى رواية تسرد قسوة الشعور بالهزيمة الذي نعاني منه، الخيبة التي ترتسم على ملامحنا، بعد أن ماتت تلك الأحلام الوردية التي كنا نرقب تحققها بلهفة كل سنين الظلم والظلام، لنجد أنفسنا لما نزل محصورين في نفس الحيز الضيق الذي فُرض علينا قسرا:
أوّاه
ما زالَ منزلُنا الكبيرُ يغرقُ بالظّلام
أرى النّوافذَ مُغلقة
لكنَّما الأبوابُ مُشرعة
بلا أقفال
كُلُّ المفاتيحِ في حوزةِ علي بابا والمليون . . !!
كما قرأتُ ذلكَ في شريطِ الألمِ اليومي.
لقد أجاد الشاعر الفياض في ومضاته الفلسفية التي انضوت عليها قصيدة " نقش على شاهدة"، وقد بدت صورة العلاقة بين الفلسفة والشعر واضحة في أجوائها التي تصطرع فيها السعادة والحزن، وهذه أقسى المراحل التي يمر بها الإنسان الذي أضاع حلمه.
  
نقش على شاهدة
 
( السّيابُ يموتُ غداً )
 
ألقى ما أثقلَهُ سَفَطاً في جوفِ الخليج
آلامَه
جيوبَهُ الخاوية
ألقابَاً لم تأْتهِ بشروى نقير
عملةً مُلغاة
رُدّتْ بوجهِه
شربَها كأساً فارغة . . .
عادَ عارياً
ليتوسّدَ ذراعَ الحسنِ البصريّ
يقبّلهُ الخليلُ معاتباً . . .
  . . . . .
شناشيلُه
الموشّاة بخيوطِ شمسٍ سومريّةٍ
تنقشُ السّمرةَ على جلودِ الحُفاة
مشقتْها من قبلُ على جبهةِ ديموزي
أثداءِ عشتار . . .
أنَ تُعادَ لها الألوان
والدُهان . . .
ما زالتْ ابنةُ الشّلبي
تشربُ الزّمنَ بزجاجةِ كولا والمطر
تضعُ كرّاسَها على شرفةِ انتظار
غادرَهُ الرّصيفُ
الظّلُ
 يذوبُ  بظلامِ يأسٍ شعراً
يحفرُ أسماءً على جذعِ شجرةٍ ميّتة !
 . . . . .
نم نم جيكور
لفجرٍ قد لا يُريكَني
غفوتُ عنكَ بعيداً
لم أتعبْكَ بعدُ لغسلِ عيوني كُلَّ صباح
فقد غسلتُها للمرّةِ الأخيرةِ من ماءِ طفولتِنا معاً دونَ أنْ تدري
لم أردْ أنْ أيقظَك من اغفاءةٍ تحتَ ظلال  باسقاتٍ
هُنَّ الأطولُ من كُلِّ عهودِ الظّلام
بسطْنَ أمامَنا النظرَ إلى السّماء
ما دونَهُ تسوّل في دروبِ الإنحناء !
. . . . .
آلامُ بروموثيوس
أيوبِ النّبيّ
فارتر
مثلثٌ
صارَ معي مُربّعاً مُغلقَ الجّهات
حدَّ الاختناق
تابوتاً
أودعتهُ أنا  
وآخرَ القصائد . . .
لستُ محسنَ السعدون 
همنغواي
رصاصتي
لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي . . .
 . . . . .
عُذراً شريانَ قصائدي
عشّاري الجّميل
أرسمُكَ على مساحةِ سريري
أمشيكَ كُلَّ يومٍ بلفافةِ تبغٍ من وريد . . .
رجلاي متعبتان
تحملاني من فراشٍ مُتذمرٍ لطولِ رقاد
تطوفانِ بي
أقفُ متوسّلاً بأنفاس
تختفي بدهاليزَ مظلمةٍ تحتَ ساعةِ السّورين ومضاتٍ بعدَ وهج . . .
تقذفاني في بطنِ سوقِ الهنود
ما ازدحمتْ به النهودُ
ممالك البهار
البخور
القهوة
السندُباد يُبحرُ على الأرض . . .
 . . . . .
أنبأني راءٍ  
أنَّ اخوةً يأكلونَ على بساطي
ما حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه . . .
يزورونَ بيتي
 كُوّتي الصغيرة
ألبسوها مِعطفَ ماكبث
أفرغوا عُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين
ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !
 . . . . .
ما فتئتُ بينهم أحتضر
وهم يلّفون سكراتِ الموتِ بورقِ الزّينة
 كي لا أموتَ ثانيةً
ثالثة . . .
توقّفوا
قفوا أمامَ المرايا قليلاً
لو . . .
ما كانَ ما كان . . .
بينكم مَنْ يتكأُ على منسأةِ سليمانَ النّبيّ
مَنْ يعاشرهُ الدودُ
من غيرِ نداءِ نُدبة
لم يمرْ ببابهِ عروةُ بن الوردِ أيّاماً
فاحتسى الماءَ بارداً. . .
. . . . .
كل في بيته
ما عدا المطر
يتجوّلُ بالشوارعِ منفرداً. . .
قفوا قبلَ أنْ تحملَهم سيارةٌ مُستأجرة
سائقٌ وصديقان
حفّارُ القبورِ
يتثاءب . . .
جنازةٌ بائسة
ألم يكنْ لهُ . . .
. . . . .
سيزارُ بعدَ سنين
يُعطى مدرسة
شارعاً
مذخرَ أدوية
قصاعاً من ثريد
بعضَ زجاجاتٍ من مُعتّق
رُبَما سورةِ الفاتحة !
. . . . .
أوّاه
ما زالَ منزلُنا الكبيرُ يغرقُ بالظّلام
أرى النّوافذَ مُغلقة
لكنَّما الأبوابُ مُشرعة
بلا أقفال
كُلُّ المفاتيحِ في حوزةِ علي بابا والمليون . . !!
كما قرأتُ ذلكَ في شريطِ الألمِ اليومي
كنْ سخيفاً تعشْ سعيداً !
مسحتُ كُلَّ ما كتبتُهُ عن المومسِ العمياء
المخبرِ السّريّ
السبعِ اللائي عشقتْ . . .
احتفظتُ باسمٍ تدورُ به الاسطوانة
عراق
وإذا روحي تعود
تشربُ عينُهُ عَتمةَ قبري
 فيشرقُ من محاق
أنْ أرضي ولود
سيضاجعُها المطرُ ذاتَ يوم
يهزُّ نخلتَها
جا ء
المهدُ يضيق
فلْيشربِ الشّيطانُ دمَ المَخاض !!
. . . . .
عبد الجبار الفياض

احتفالية ‏الفياض ‏في ‏ذكرى ‏وفاة ‏السياب ‏/ ‏بقلم ‏: ‏باسم ‏عبدالكريم العراقي ‏

من العراق
 ختام احتفالية الفياض في ذكرى وفاة السياب . 
مع الشاعر الناقد الأستاذ باسم عبد الكريم العراقي. 

{ مسرَحة التماهي النصي }
ـ دراسة في البنية الأسلوبية لنص (نقش على شاهدة / السّيابُ يموتُ غداً )
للشاعر عبد الجبار الفياض.

توطئة : 
التماهي نصياً مع السياب الانسان والشاعر ، بكل همه الوجودي ، و تقاطعاته / توافقاته ، موقفياً مع الآخر ( المؤدلج المؤسساتي ، الشمولي
السلطوي ، الاصولي المجتمعي ) ، و سائر صفحات تجربته الشعرية ، الموزعة بين ترجمة خصوصية قلقه ، إحباطاته و تصدعاته
النفسية ، وانتمائيته الوطنية المندكة ، بآلام و استلابات أحلام شعبه ، بالحرية والسلام ، تجربةٌ شغلت تأريخياً ، حقبة زمانية امتدت من
اواسط العقد الرابع ، ولغاية اواسط العقد السادس ، من القرن الماضي ، هذا التماهي يتطلب من المتماهي ، الإحتكام على واسع دراية
بأدق تفاصيل مراحل حياة وسيرة المتماهى معه ، وهذا يتأتى من عميق غور ثقافته المعرفية ، لاسيما مايتعلق منها بالفنون الادبية ،العلوم 
التاريخانية والنفسية ، تمكنه من التعرف التام على المحيط المكزماني لبواكير نشأة الشاعر وترعرعه ، من خلال دراسة بُنياته الاجتماعية ،
الاقتصادية و الثقافية ، بإستفاضة ، لما لذلك المحيط من أثر مباشر وحاسم ، في تشكيل ملامح شخصيته ( النفس ـ فكرية ) الاولى ، التي 
تُعد الاساس لبناء شخصيته الشعرية لاحقاً ، وهذه بدورها يمثل التعرف التام على مركباتها ، حجر الزاوية في تحقيق الفهم الحقيقي لآثاره 
الإبداعية ، و التعاطي مع كل ذلك ، لابد أن يكون بوعي موضوعي القراءة والتحليل ، حينئذٍ يتم انتاج نص التماهي ذاك ، بأدوات تعبيرية غنية
بأسرارها الفنية ، كيلا يقع في التقريرية ، ولا تتجاذبه التوثيقية ، فتُفقدَه جمالياته الخطابية التواصلية ، وفي نص الشاعر ( عبد الجبار الفياض )
المذكور، تماهٍ ( إنساشعري ) مع تلك الذات السيابية ( الفردية / الجمعية )، ينطق بتوحده معها حياتياً ( شعورياً / فكرياً / ذاكراتياً ) ، و تقمُّصه
تصارعيتها مع الاخر ( الموضوعي / النفسي ) ، مما يؤكد أنه قد امتلك كل ما مرّ ذكره من آلياتٍ تعرُّفية ، على شخصية من تماهى
معه ، درجةً جعلته يتشرَّبَ همَّها الوجودي ، وابدع في تصويره مُعصرَناً ، بلغة حداثوية مؤصلنةٍ ، ذات سيميائية دلالية تخارجية متينة
البناء ، غنية الاشارات ، مع مرسلاتيّة خطابية محكمة بشيفراتها المعنوية ، وتكثيف صوري ذي رمزية عالية .
وتشريح بُنى مركبات النص الشكلانية ، قادني الى إمكانية عقد تقاربيةً فنية ، مع هيكلية بنائية لمُنتَجَةٍ فنيةٍ ( مَرئِسمعية ) ، رغم مغايرتها له 
في وسيلتها التوصيلية ( توصيل المعنى ) للآخر ( المرسل اليه / المخاطَب ) ، وتلك المُنتجة هي ( المسرحية )، وتتمظهر هذه التقاربية 
( النص مسرحية ) في مايلي :
ـ وجود مشتركات ومقاربات موضوعاتية بين تلافيف الاشارات الدلالية لهذا النص ، و مفهوم العرض المسرحي ، كإستحضار( من / ما ) هو غائب ، و الحضورية الثيمية الموجَّهة للجمهور ( القراء / المتلقين هنا ) ، التفاعلية بين المرسِل والمرسَل لإنتاج المعتى النهائي لكليهما 
ـ تشاكل المَشاهد المنظورة ، بشيء من التحويلية الدلالية ( تحويل المشهد المرئي بعين مشاهد العرض ، الى صور متخيَّلةٍ في ذهن قاريء النص ) ،
ـ مركبات البنية القصدية للنص ، مفهومياً ، تكافيءُ وصفياً ، العناصر الثلاثة الرئيسة التي تشكل هيكلية العرض المسرحي وهي ( وحدة المكان 
والزمان والموضوع ) ، وفق هذه المقاربات :
* تصارعية مركبات النص ( الفكرسيا سوسيولوجية ) ، تدور احداثها ، في مجملها ، على مساحة محددة مكانياً ( العراق ) / وهذه تقارب
مفهومياً خشية العرض المسرحي ،
* الظرفية الزمانية لأحداثه محددة بسنيِّ حياة الشاعر ( من 1926 ـ 1964 ) / وهذه تقابل فصول ومشاهد العرض ، بإعتبارها وحدات
زمنية محددة التوقيت ( بداية / نهاية )، 
* الغرض المضموني الجوهري للنص واحد ( الصراع الوجودي الأنوي / الوطني ، للشاعر ) / وهذا تشاكلية توازي وحدة موضوع 
العرض المسرحي 
ـ التعددية الصوتية في النص ( صوت الراوي / الحاكي + صوت الشاعر ) /، يقابله في العرض ( صوت الراوي / كما في بدايات الفن
المسرحي + صوت الممثل )
ويمكن تمثُّل هيكلية النص البنائية ، وفقاً لهرم فرايتاغ ( غوستاف ، أديب ألماني ، يُعد من اشهر المنظِّرين في الفن المسرحي الكلاسيكي ، وفق
هذه المقاربات :
الفصل الاول للعرض ( المقدمة أو التمهيد ) / يقابله نصياً مقطعه الاول ( المقاربة : فصله الأول ) 
الفصل الثاني ( الحدث الصاعد ) / يقابله نصياً المقطع الثاني ( المقاربة : فصله الثاني )
الفصل الثالث ( الذروة أو العقدة ) / تقابله نصياً المقاطع من الثالث حتى السابع ( المقاربة : فصله الثالث بخمسة مشاهدَ ) 
الفصل الرايع ( الحدث النازل ) / يقابله نصياً المقطعان الثامن والتاسع ( المقاربة : فصله الرابع بمشهدين ) الفصل الخامس ( حل العقدة او النهاية ) / يقابله نصياً المقطع العاشر ( المقاربة : فصله الخامس / الأخير) 
لهذا سأعتمد في دراستي هذه ، مبضعَ الرؤية المسرحية ، لمقاربة دلالاته الإشاراتية ، و كشف معانيه الشيفراتية ، وقبلها سأتوقف عند
عتبة النص المركبة من عبارتين : ( نقشٌ على شاهدة ) و ( السياب يموت غداً ) ، لنفكك سيميايتها الدلالية ، للحصول على بعض مفاتيح
قرائية موضوعية ، تقرّب بعيد مراميه القصدية ( اي النص ) ، و تُخارجُ انغلاقية رمزيته وازاحاته ، مما يُيسِّر امامنا سبلَ التأويل الاقرب 
لغاياته المضمونية ، و الفهم الأصوب لمعانيه الفرعية ، وبالتالي خلق مقاربات معنوية مناسبة، لدلالته المضمونية النهائية :
أولاً ـ الاشارة ( نقشٌ ) دال ، ذا مدلول لغوي حصراً ، والدلالة هنا ، غير تامة المعنى ، فمن الذي قام بالنقش ؟ و لأي غرض ؟ ، 
اما ( شاهدة ) فإشارة مقطوعة ..، فعلى اي قبر قائمةٌ هي ؟؟ وتنكيرها إيماءة الى استتار من قررها وأقامها ، / المقاربة الدلالية : شاهدة
مؤجلة مكازمنياً ، لقبر مؤجل تعريفياً ( هناك قبور للفكر ، والمعنى الانساني ، غير قبور الاموات ) ، وكلاهما يسكتان عمن قرّرهما , 
المرسلة ( السياب يموت غداً ) ذات اشارات متعارضة ظاهرياً ، فالسياب كدال ، اشارة لها مدلولان : 
ـ أحدها لغوي : لقب انسان ( بدر شاكر ) مات بايولوجياً ( غياب نهائي لوظائفه الجسمانية ) ، و غادر الحياة ( الغياب الجسدي ) ، منذ اكثر
من خمسة عقود ، والاشارة الظرفية المستقبلية ( غداً ) تتعارض مع هذا المعنى زمانياً ،
ـ والآخر اصطلاحي : كينونة وجودية إعتبارية، لها قيمة انسانية عابرة للزمن ( شاعر رساليّ متجدد الحضور ) ، وبالتالي تخرج 
الاشارة ( يموت ) ، من دلالتها التوقُّفية المادية ( الانطفاء العملياتي للاجهزة العضوية الفسلجية للكائن الحي ، وانتهاء زمنه ) ، الى 
رمزيتها الايحائية التصوُّرية ( الموت المعنوي / تغييب / محو الأثر ) ، وهو هنا موت مؤجل بدلالة ( غداً ) ، هنا تلتقي 
الإشارتان ( شاهدة / يموت ) في دلالتهما على ( التأجيل ) ، واذا اعدنا تركيب ما فككناه من سيميائية الغتبة ، بغائية تأويلية 
قصدية ، نحصل على هذه المقاربة القرائية لها : 
عنوان النص يرسل اشارة مستقبلية منقوصة الدلالة ، بسبب السكوت عن دالها ( لغاية مؤجلة ) ، فتتحول الى إيماءة إيحائية ، بوجود
إرادةٍ ما قضت بإنقبار وإمّحاء الرمزية السيابية ، كقيمة ( إنساشاعرية ) وطنية ميتا زمانية ، من الذاكرة والحياة ( الثقافكرية ) العراقية ، وهي 
إرادة من ( نقشَ ) هذا الحكم ،على ( شاهدة ) قبر السياب ، المؤجل التعريف ( مجهولية الأين والمتى لحفره ) ، ومن يمتلك هذه الإرادة
النافذة القرار ، لابدّ أن يكون سلطوياً ( فهو وحده من يقرر مصائر الآخرين ) ، مؤدلجاً ظلامياً ( بدلالة قراره الإفنائي لتلك الرمزية 
التحررية التنويرية ) ، شمولياً ( لأنه لايتقبل نقيضه وجودياً ) ، فما هي ( جرائمه ) بحق هذه المؤسسة السلطوية ، لإصدارها 
حكم ( الموت ) عليه غداً ؟ لننتظر ما ستسفر عنه الدراسة التي سأقوم بها للنص المذكور تمرحلياً ، ( أي دراسته فصلاً فصلاً بترابطية 
عضوية مضمونية بينها ) ، ومن ثم تجميع ما اخلص اليه من مقاربات معنوية لكل ( مرحلة / فصل ) ، لتشكيل معناه العام النهائي ، وساشير
الى صوت كاتب النص باشارتين ( صوت الراوي ) و ( صوت الشاعر / السياب ) . 
الفصل الاول التمهيدي للنص : 
ألقى ما أثقلَهُ سَفَطاً في جوفِ الخليج 
آلامَه 
جيوبَهُ الخاوية 
ألقابَاً لم تأْتهِ بشروى نقير
عملةً مُلغاة
رُدّتْ بوجهِه 
شربَها كأساً فارغة . . .
عادَ عارياً 
ليتوسّدَ ذراعَ الحسنِ البصريّ 
يقبّلهُ الخليلُ معاتباً . . .- ..............
ـ دراسته التحليلية : 
ينداح صوت الراوي ( الحاكي ) ليمهد للنص ( العرض ) بالإشارة الى ( غائب / السياب ) / بحضورية ضميره / الهاء المتصلة بـ ( أثقلَهُ ) ، 
ويفاجئنا بتلك الإشارة الملغّزة ( سفطاً ) !! الغارقة في معجميتها المعنوية ، فإذا تحرينا مدلولها اللغوي نجد انها : ( وعاءٌ من قضبان الشجر
ونحوها توضع فيه الأَشياء كالفاكهة ونحوها ، أو / قُفّة ، وعاء مصنوع من أغصان الشجر أو القصب ) ، وهي مُقحَمةٌ زمانياً ، على سياق
النص الحدثي ، المعاصر وقتاً ( فترة حياة المتماهى معه ) ، لذا سنعود الى زمن تداوليتها اللسانية للعثور على مقاربات دلالية تفك لغزها ،
وتبعد عنها نشازيتها النافرة ، في البنية النسقية لعموم المقطع ( الفصل ) الاول ، وحين نرجع الى الكتب المقدسة ( القرآن / التوراة ) ، نجد
ورودها بمعيىة الفعل ( ألقى ) في قصة النبي موسى ( ع ) ،حيث وضعته أُمُّهُ في ( سفط / سلة مصنوعة من البردي ) و( ألقته) في
النهر ، نجاةً له من فرعون ( الحاكم الشمولي المضطهِد ) ، هنا تتكشف قصدية إقحامها ذاك ، فهي تمثل إشارة الى ان المُلقى في
الخليج / المكافيء المكاني لنهر النيل ، هو ( مقدس ) ولأنه كذلك ، كان لابد من ( سَفطية ) الوعاء لتخصيص الدلالة بذلك القصد
الماقبلي ( الآيات الموسوية في الكتب السماوية المذكورة ) ولما كان ( سفط موسى ) مقدَّرةً له النجاة ، لإتمام إبلاغ الرسالة الالهية
للآخر ( الشعب المضطهد ) ، فالمقاربة المعنوية تكون هنا : إن للسياب ( سرّاً مقدساً ) محتماً خلاصه، ممن / مما يتهدده بالفناء ، وجوف
الخليج هو ذاته قعر النيل ( والاثنان يرمزان للموت ) ، وهو رسالة لابد أن تصل منه الى الآخر ( شعبه العراقي المبتلى بالطغيان ) ، الموحى
به بالضمير ( الهاء ) المتصلة بالاشارات اللاحقة ، التي ستقارب تفكيكيتُها، ماهيةَ ذلك السر :
آلامه : ان ترتقي الآلام لمرتبة السر المقدس فهي آلام غَيرية ( تخص غيرَه / الآخر ) ، أو من أجله ، وهي آلام تفرضها عليه إنتمائيته
له ، الاشارة الى تحمُّلِه آلامَ ابناء وطنه المضطهدين ، 
جيوبه الخاوية : اشارة مولِّدة للاشارة ، دلالة الأولى الفقر، وهذا بدوره يمثّل اشارةً دلالتها : وجود الضديد ( الغِنى ) ، المقاربة المعنوية
للاشارتين / فقر عامة الشعب مقابل غِنى الاثرياء ( تفاوت طبقي / مستغَل ومستغِل ) 
ألقاباً لم تأتِهِ بشروى نقير : اشارة لما حملَه الشعبُ العراقي من اسماء ( غير اسمه الاول )، تدل على التشريف والتعريف ( معنى اللقب
لغةً )، مثل شعب الحضارات ، شعب الامجاد ، .. الخ فماعادت عليه بنفع ولا حتى بـ( شَروى ( شبيه ) نقير ( ثقب في ظهر نواة
التمرة ) / تراثية هذه العبارة المركبة اشارة الى قِدم تعارضية تلك الالقاب مع وافع حياة مَن حملها 
عُملة : دال مدلوله ( وحدة تبادلية نفعية / تجارية )، وفق اللغة الإقتصادية ، اشارة الى وسيلة اشباع حاجاتية ، مقرَّرَة قيمتها ( قوتها التبيادلية )
سلطوياً 
ملغاة : اشارة مركبة الدلالة ؛ فقدان الدال اعلاه ( عملة ) مدلولَه ، و عّجْزِ مُقرِّرِ قيمةَ المدلول ( السلطة ) عن المحافظة على قونه
النفعية / المكافيء المعنوي : فشل نظام الحكم ( فساده ) في اشباع حاجات الشعب 
رُدّت بوجهه : اشارة لمنع إشباع حاجات المحتاج ، من قِبَلِ من بيده وسائل الاشباع ( الطبقة البرجوازية )، / المقاربة الدلالية : التوافق
السلطوي / البرجوازي ، على عدم سد حاجات الشعب ( أستمرارية آلامه وعذاباته ) ، بدلالة التقابل المعنوي بين الفعل ألغى ( فعل اسم
المفعول ملغاة ) والفعل رَدَّ ( معلوم رُدَّ ) فالفعلان دلالياً متوافقان في المعنى ( المنع / التحريم ) 
شربها كأساً فارغة : اشارات تشترك في رسم صورة رمزية الدلالة بمقاربتين ، أولاهما معنوية : سدُّ الحاجة ( شربها ) بتوهم وجود
وسيلتها ( كأساً فارغة )/ وهذه تكافيء الإستجارة من الحرمان بالحرمان ، وثانيهما إيحائية : تماهي الذات الفردية ( السياب ) مع 
الجمعية ( الشعب ) 
ثم يشخصن الراوي خطابه : 
عاد عارياً : اشارة للسياب ( الفاعل المستتر ) وبدلالة ( الخليج ) في مطلع المقطع اعلاه ، يتحدد المكان الذي عاد منه وهي ( الكويت ) ،
و( عارياً ) اشارة الى الموت ( يُعرَّى الميت لغسله قبل دفنه ) المقاربة الدلالية : موت السياب في الكويت وعودة جثمانه 
ليتوسد ذراع الحسن البصري : اشارة لدفته في مقبرة ( الحسن البصري ) وهذه بدورها اشارة لمكان الدفن ( مدينته جيكور ) ، لكن دلالة
الشارة ( بتوسد ذراع ) تباعدية معنوياً عن دلالة ( الموت ) ، فمعناها لغةً : اتخاذ الذراع وسادة للإتكاء أو النوم عليها ) ، وهذه بدورها 
اشارة متولدة عن سابقتها دلالتها الغياب المؤقت للسياب ( نومه ) ، وسيعاود الحضور من خلال وصول ( سفط ) اسراره / رسائله
للآخرين ( مُريديه كشاعر ) ، ليبحثوا عن فك طلاسم شيفراتها المعنوية ، في آثاره الشعرية ، الأصيلة الجذور بدلالة ، : 
يقبّلهُ الخليلُ معاتباً . 
فالاشارة ( يقبِّله ) : دالة مجازية المدلول معنىً وزمناً ، لتباعد عصري المقبِّل و المقبَّل ، تأريخياً / مقاربتها الدلالية : ارتباط الاثنين بعلاقة
صميمية ( فكر ـ وجدانية ) ، مستمرة الحضور ( بدلالة مضارعية الفعل/ يقبِّل ) 
( الخليل ) : اشارة تناصية ماقبلية ، معناها الدلالي ( الفراهيدي البصري )، مخترع البحور العروضية / المنهل الاول للقصيدة
السيابية / الجذر الاول لبذرة ابداعه الشعري ) / مقاربة الاشارتين معنوياً : تواصلية علاقة [ شعرية / مكانية ( كلاهما بصري ) ] جمعت 
الاثنين ولائياً / انتمائياً . ،
( معاتباً ) : اشارة الى ثورة المعاتَب ( السياب) على شكلانية الشعر الكلاسيكي ( نظام العروض الخليلي / لزومية القوافي ) ، و تأسيسه ( 
مذهباً شعرياً متحرراً من قدسية تلك الانظمة الفنية القديمة، اطلق عليه ( الشعر الحر ) ، مخضعاً الوزن والقافية ، لمزاجية شعره ، وما 
تختاره معانيه منهما / وتأويلية عبارتي المقطع الأخيرتين : ان السياب عاد الى جذوره وإن كان ميتاً / مكافيء عمق ارتباطه بالوطن 
ينتهي الفصل الاول من النص ، كاشفاً أن مرجعيته الخطابية كانت ذلك التماهي مع سيرة السياب الحياتية ، وقد لعبت مفردات
لغته ، ادوار الممثلين ، منها ماكانت حاضرة بقوة اشاراتها رعم ثانوية دورها ( سفط ، الخليج ، شَروى نقير ، عملة ، عارياً ، الحسن 
البصري ، الخليل ) ، ومنها ماكانت غائبة / مستترة ، رغم محورية دورها ( السياب ) ، غير أن أثرها ، كان جلي التأثير على حركة 
أحداث العرض ، وتولى الحاكي مهمة ( الإخراج ) ، بقصدية التمهيد / التقديم ، للعرض النصي ، بقصدية الإيحاء أنه سيدور حول
ماهية أسرار السفط السيابي ، التي منحته حياةً لايطالها الموت ( رمزيته الشاعرية الثورية ) ،
واذا ماجمعنا العلامات السيميائية ، التي حصلنا عليها من نفكيكنا لهذا الفصل ، تتشكل لنا مرسلة خطابية هي : السياب لايموت أبداً ،
وهي تتعارض دلالياً مع ماعنتْهُ عتبة النص / يموت السياب غداً ، ولما كان السياب صاحب رسالة ثورية ( مقدسة الأسرار )، فإن
بقاء أثره ، سيفضح زيف المقدس المؤسساتي ، وهذه في عرفها / جريمته الاولى ، ويستأنف الراوي قوله : الفصل النصي الثاني / الحدث الصاعد : 
شناشيلُه
الموشّاة بخيوطِ شمسٍ سومريّةٍ 
تنقشُ السّمرةَ على جلودِ الحُفاة 
مشقتْها من قبلُ على جبهةِ ديموزي 
أثداءِ عشتار . . .
أنَ تُعادَ لها الألوان
والدُهان . . .
ما زالتْ ابنةُ الشّلبي 
تشربُ الزّمنَ بزجاجةِ كولا والمطر 
تضعُ كرّاسَها على شرفةِ انتظار 
غادرَهُ الرّصيفُ 
الظّلُ
يذوبُ بظلامِ يأسٍ شعراً 
يحفرُ أسماءً على جذعِ شجرةٍ ميّتة !
دراسته التحليلية :
تستمر حضورية صوت الراوي ، مع هذا الفصل أيضاً ، ليعلن بدء انطلاق حركة النص التصاعدية ، بمرسلة خطابية مشفرة :
شناشيلهُ 
وهي ذات سيميائية تواصلية ( مع الآخر / قاريء العرض ) ، فإضافتها الى هاء الغائب ( ضمير متصل يعود للسياب هنا ) ، أخرجها 
من بنيتها النصية ، كإشارة ذات دلالة معنوية ( طراز بنائي معين ) ، الى سياقها ( التاريخي الأدبي ) الخاص بالشاعر ، و تفكيك شيفرتها 
يحيلنا الى آثار السياب الشعرية ، للبحث عن دلالة ( شناشيل ) تلك ، فنجد أنها من مركبات عنوان قصيدته الشهيرة ( شناشيل ابنة الشلبي ) ،
التي كتبها قبل وفاته بقراية العام ، وهذا يؤكده ماذكره الراوي لاحقاً .... : 
ما زالتْ ابنةُ الشّلبي ..
وكأنه اراد أن يوجه وعي المتلقي ( قاريء العرض )، الى أن (حدث ) هذا الفصل ، يدور عن شاعر أصيل الأنتماء لجذوره 
المكانية ( مدينته / وطنه ) وكل ما يرتبط بهما من ذاكرة ( فرد جمعية ) و إرث إنساني وميثيولوجي ، من خلال الايحاء بالأولى ( المدينة ) ، 
ببعث اشارتين : 
الاولى ـ ذات دلالة مكانية ( شناشيل ) / طراز معماري اشبه بالشرفات البارزة من غرف المنازل العليا ، كانت معروفة في العديد من مدن
جنونبي العراق عامةً ، وتُشتهرت به البصرة خاصةً ، حتى سُميتْ ( أم الشناشيل ) ، 
الثانية ـ ذات دلالة ذاكراتية فرد جمعية ( ابنة الشلبي ) / وقصديتها مركبة المعنى ، يفكك الى ظاهر( الشلبي ) : لقب اسرة بصرية 
عريقة / ذاكرة جمعية ،ومعنى آخر تحتاني (ابنة ) : حرمان عاطفي كان يعاني منه الشاعر السياب / ذاكرة فردية 
لتتكامل الدلالتان فتشكلان قسمات الانتمائية الجذورية الأصغر ( مكا / ذاكراتياً ) للشاعر ( البصرة ) ، والايحاء بالثاني ( وطنه) ، من خلال ما ورد في متن القصيدة من اشارات ( ميثيولوجية رافدينبة ) / سومر ، ديموزي ، عشتار، وهي ذات مااوردها الراوي في سياق عرضه هذا ، في توظيفية صورية قصدية الدلالة حيث يقول : 
الموشّاة بخيوطِ شمسٍ سومريّةٍ 
تنقشُ السّمرةَ على جلودِ الحُفاة 
الاشارة ( السمرة ) : ذات دلالة لونية ، ( شمس سومرية ) نفشته ( على جلود الحفاة ) فموضعتهم مكانياً ، في جنوبي العراق ، / الحضارة 
السومرية ظهرت في هذا المكان من العراق قبل بناء البصرة بآلاف السنين ، 
و ( جلود الحفاة ) اشارة هنا ، الى فقراء بائسين ، ممزّقي الثياب فبانت جلودهم، وبغير هذا سيينتفى فعل ( تنقش .. على ) / المقاربة المعنوية : 
احفاد بُناة الحضارة السومرية ، غدوا اليوم فقراء عراة ( طبقة معدمة ) ، وهذه اشارة تقابلية مع / اثرياء ( طبقة منعمة ) / يكافؤها : 
التمايز الطبقي الصارخ 
و يتصاعد الحدث ليشعرنا بقدسية سُمرتهم ، وارتباطها بالخصب والخضرة والمراعي / مقاربة ايحائية بالحياة الزراعية الرعوية السائدة في
الجنوب ، حين يبعث الراوي اشارة صورية مركبة لإله المراعي ( ديموزي ) ، و إلهة الخصب ( عشتار ) في تلاقٍ أسمر السبب والأثر 
على ديموة الحياة : 
مشقتْها من قبلُ على جبهةِ ديموزي 
أثداءِ عشتار . . .
أنَ تُعادَ لها الألوان 
والدُهان . . 
ويعود الراوي ، في حركة تصاعدية أخيرة لهذا الفصل ، للتأكيد على أن ذاكرة السياب الفردية ، مكتظة بالقمع الشعوري / محرومية عاطفية ، إلا
أنها انسحبت امام هيمنة ذاكرته الجمعية المتخمة بالهم الآخروي، / عاطفية نحو المحرومية ،/ مكافيء نكران الذات أو تأجيلها ، العطاء دون 
مقابل ، رغم أن المقابل ( ابنة الشلبي ) منعته يسير العطاء ، فلا غير اعراضها عنه وتجاهله ، وهنا يقول الراوي .،: 
ما زالتْ ابنةُ الشّلبي 
تشربُ الزّمنَ بزجاجةِ كولا والمطر 
( مازالت ) : دالة زمانية تعني الثبوتية المستمرة الحضور 
( ابنة الشلبي ) : شيفرة معنوية ،/ مقاربتها الدلالية : صورة ذاكراتية الحضور ، لمكبوت عاطفي توتري / حبيبة رافضة 
( تشرب الزمن ) : بنية دلالية ازاحية المعنى ، مركبة من اشارتين متضادتين : 
الاولى ( تشرب ) ودلالتها الإفراغ / الإخلاء المحدود ، لأشياء محددة الوجود والنوع ، من اوعيتها الظرف مكانية .
الثانية ( الزمن ) وهي دالة حسية مطلقة الحضور ، أبدية الوجود لاتفنى .
المقاربة القرائية : إفنائية الاشارة المحدودة تزيح عن معنى الاشارة الثانية ، دلالة الاطلاق الحضوري اللامحدود ، ولافنائية الوجود ، لتعطيها
دلالة بديلة محددة فانية ، مكافئة لمعناها المحدود ، وهذا يتحقق بموضعة الزمن ومرحلته مكانياً / جسدياً ، فيكون البديل الانسب ، زمن الشاعر
المتمرحل في فترة تجربته العشقية القصيرة لها ، وفاقدة لكل قيمة عندها ، فهي تقوم بشربه / إخلائه ، من حيزه الضئيل الحجم ، العديم القدر، في
أفق ذاكرتها ، وحسابات اهتماماتها :
( بزجاجة كولا ) : كولا اشارة الى ترفية حياة تلك المعشوقة وهي تقاطعية مع حياة العاشق الفقيرة ، ولاتكتفي بهذا بل تردفه بشرب / اخلاء ،
اجمل ما ارتبط بقصة حبه لها ( والمطر ) بكل دلالاته ، وتظل تنتظر بترفع ( غرور ) ، ضحيةً جديدة ( عاشق لها ) تضيفه الى ( كراس ضحاياها) :
( تضعُ كرّاسَها على شرفةِ انتظار ) 
و في ( ازاحة نفسية لاشعورية ) لحجب احساسه بالخيبة والاحباط جراء رفضها اياه ، يقرر أن لن ( اداة نفي المستقبل ) يكون هناك من
بَعدِه ، من سيحبها مثله ، ومحطة انتظار طلّتها من شرفتها ، أوصدت ، فيقول ( بإزاحة معنوية شديدة الذكاء ) : : 
( غادرَهُ الرّصيفُ )
ولايتبقى من ذكريات حبه إياه الا أثرها الشَبحي ( الظل ) ، يبالغ في إمحائه من مخيلته ( يذوب ) ، حين يجعل ما يبدده انطفاء أمله فيه ( ظلام
يأس ) ، لكنه انطفاء باعث ( محفز ) على انفعالية منتِجة ( شعراً ) ، وهو نتاج شعري غائر الشكوى ( يحفر ) / اشارة دالة على عمقية
الأثر ، ( اسماء ) من جرحن مشاعره ، برفضهن حبه اياهن / المكافيء المعنوي للحرمان والظلم ، وهو يحفرها على جثمان ( جذع ) محبته التي
كانت بدون مقابل ( شجرة ) / اشارة للبذل المجاني ، مسلوبة الحياة ( ميتة ) : 
( الظّلُ
يذوبُ بظلامِ يأسٍ شعراً 
يحفرُ أسماءً على جذعِ شجرةٍ ميّتة ! )
يختم الراوي فصله النصي هذا ، وهو قد صعد به حدثياً نحو تكاملية الفكرة التي يريد العرض النصي الإخبار عنها / عرضها ، في فصوله 
اللاحقة ، وتخلص قراءته الى :
1 ـ مرجعية الفصل/ النصي ، الخطابية : التماهي الانساني مع السياب 
2ـ رغم عميق شعور السياب بالاحباط ، مصدره هنا ، الآخر العاطفي ( من أحبهن ) / مقاربته المعنوية : القهر الحرماني ، وما خلفه
رفضهن إياه ، من توترات وصراعات نفسية ، مشعرة بالغربة والقلق الوجودي ، اكتظت بها ذاته الفردية ، الا انها لم تسحبه اليها نكوصياً
انغلاقياً ، لتقاطع بينه وبين الاخر الانساني ، بل ان ذاته الجمعية ، ظلت هي المتحكمة الفاصلة ، في تحديد مواقفه المنحازة نحو ذلك الآخر
المضطَهد ، ودفاعه عنه ، بانتمائية وطنية ( مكاتاريخياً ) اصيلة ، وهذا هو جوهر مشاهد فصل الذروة / العقدة النصي اللاحق 
3ـ جريمة السياب الثانية : أن في آثاره الشعرية دعوة للانحياز للمضطهدين والدفاع عنهم ، ضد السلطة الجائرة وكل من تلتقي مصالحه معها ، 
4 ـ الرابط العضوي المضموني مع الفصل السابق : ان صاحب ( السفط ) المقدس ، له جذور إنتمائية وطنية ممتدة الى اعماق تاريخه الحضاري 
، واحد اسرار سفطه هو انحيازه للمظلومين والفقراء المسحوقين ، وحمله همهم ،ً ودفاعه عنهم .
الفصل النصي الثالث ( الذروة الحدثية ) :
في مشاهد هذا الفصل يختفي صوت الراوي ، ليحضر صوت الشاعر ليتولى الحكائية الحدثية ، / اشارة لظهور بطل العرض / الحدث
النصي ( السياب )، بقصد تحقيق اكبر قدر من الحيادية والموضوعية في عرض الأحداث :
المشهد الأول / 
نم نم جيكور
لفجرٍ قد لا يُريكَني 
غفوتُ عنكَ بعيداً 
لم أتعبْكَ بعدُ لغسلِ عيوني كُلَّ صباح 
فقد غسلتُها للمرّةِ الأخيرةِ من ماءِ طفولتِنا معاً دونَ أنْ تدري 
لم أردْ أنْ أيقظَك من اغفاءةٍ تحتَ ظلال باسقاتٍ 
هُنَّ الأطولُ من كُلِّ عهودِ الظّلام 
بسطْنَ أمامَنا النظرَ إلى السّماء 
ما دونَهُ تسوّل في دروبِ الإنحناء !
دراسته التحليلية :
( جيكور ) : مرسلة خطابية إحالية ، فهي تحيلنا الى تلك القرية البصرية الريفية المشهورة بالنخيل ، التي شهدت ميلاد السياب و كانت شاهداً 
على اول حرمان استوطن ذاته ( موت امه ) ، والتي استقبلت في رخمها جثمانه بعد موته ، بعد ان لازمت وجدانه طوال حياته 
الاشارة المؤكدة بالتكرار ( نم نم ) : توحي بضديدها، اي انها دلالة على ( صحوها / حضورها ) في وجدانه طيلة سنوات عمره ، و طليه منها 
النوم ، هو ( اسقاط نفسي ) لشعوره بدنو ساعة رحيله من الحياة / نومه الابدي ، فهو يقول :
( لفجرٍ قد لا يُريكَني )
لكن حرف التقليل ( قد ) اطلق اشارةً معنوية مفادها ان رحيله كليةً غير مؤكد ، فهناك رؤية ( يريكني) لاتكون بالبصر ، بل بإستحضار أثر
الغائب / الراحل هنا ، وهي دلالة على ان السياب سيرحل منه ما يُيصَر بالعين فقط / الجسد ، لا ما سيخلفه من آثار / ابداعه الشعري ومعناه
الانساني ،
باقي العرض النصي يدور حول ابتعاده عن قريته ، واشارات عن موته / انطفاء عيونه ( لم اتعبك بعدُ لغسل عيوني كل صباح ) ، واخرى :
( ظلال باسقاتٍ ) 
وهي اشارة مركبة ازاحية المعنى، دلالتها تتحدد بعد تشريحها :
ظلال : دال ، مدلوله : مايخلفه احتجابُ الضوء بفعل حاجز قائم ما ، من خيالٍ لذلك الحاجز ، فالظل دليل على وجود شيء ما قائم ، تحدده 
هنا صفته ( باسقات ) : عاليات ، المكتسبة تعريفها ، من مكانيتها ( الريف الجيكوري المزدحم بالنخيل ) ، وهذا يقودنا لتركيب هذا المعنى : ظلال
النخيل العاليات ، وقراءته الاستيحائية الاولية تكون : الوجود الجيكوري الحي ، و بإلحاق الجزء بكليته العراق وهو العريق ، تكون القراءة
الاستيحائية النهائية : الوجود الجيكوري العراقي الحي العريق ، وهذا الوجود : 
الأطولُ من كُلِّ عهودِ الظّلام 
الاطول : زيادة تفضيلية ، خصص دلالتَها الزمانية ، ماجاء بعدها ( من كل عهود الظلام ) ، وهذه معناها لغةً : من كل أزمنة الظلام ، فيكون
المعنى الكلي للعبارة ، بعد إرجاع تمييز / الأطول ( زماناً / تقديراً على مابعده أزمنة ) ، المحذوف كإزاحة تركيبية : 
الاطول زماناً من أزمنة الظلام ، ولما كان الطول الزماني يدل على العمر ، فتكون مقاربة العبارة الدلالية :
الاطول عمراً من ازمنة الظلام، ولكن اي ظلام ؟ 
الظلام : دالة تعني : غياب النور ، ولما كان المكافيء الدلالي للنور / الشعور بالامان ، فستكون مقاربة مدلول الظلام المعنوية : الشعور
بالخوف ، وهو مما يزرعه الحاكم الجائر في نفوس الشعب المضطهد ، لتثبيطهم عن الثورة عليه ، وبتقريب الدلالات يغدو الظلام اشارة
للظلم ، ويصبح معنى ( ظلال باسقات / هن الاطول من كل عهود الظلام ) : الوجود الجيكوري العراقي الحي العريق هو الأطول عمراً
من عهود الظلم / المكافيء المعنوي لهذا الوجود العريق : انه الأبقى رسوخاً في الحياة من تلك العهود ، وهو وجود عبّد للمظلومين درب 
الشموخ ( بسطْنَ أمامَنا النظرَ إلى السّماء ) ،وبغَيره لاكرامة ، بل مهانة الذل (ما دونَهُ تسوّل في دروبِ الإنحناء !) 
خلاصة المشهد القرائية :
1 ـ التماهي كان تماهياً شعرياً تقمُّصياً حد اننا تصورنا ان السياب عينه هو من كتب هذا المشهد النصي 
2 ـ ملامح الذروة العرض نصية ، بانت بدايات تشكلها بذلك التقابل بين الصراع الذاتوي ( الفردي / الجمعي ) ، حيث تتمثل مظهرية الاول
بالمقطع الاول ، حتى تمفصله مع الثاني بـ ( تحت ظلال باسقات ) ، حيث تنسحب الذات الفردية و تذوب لوعة همها ، في الهم الوطني
للذات الجمعية ، وهذا ارتباط عضوي مضموني مع الفصل السابق
3 ـ جريمة السياب الثالثة هنا : التبشير بأن العراق سيبقى حياً لن يموت ، و ستندحر عهود الظُّلم مهما طال بها الزمن 
المشهد الثاني /
آلامُ بروموثيوس 
أيوبِ النّبيّ 
فارتر 
مثلثٌ 
صارَ معي مُربّعاً مُغلقَ الجّهات 
حدَّ الاختناق
تابوتاً 
أودعتْهُ أنا 
وآخرَ القصائد . . .
لستُ محسنَ السعدون 
همنغواي
رصاصتي 
لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي . . .
المشهد يبدأ باشارات تتوحد دلالاتها عند معنى عام هو الالم ، وتتعدد عند تخصيصه :
ـ بروميثيوس : سارق شعلة النار من كبير الالهة ( زيوس ) لكي يعطيها البشرَ / تناص تخارجي مع اسطورة اغريقية ، فحكم عليه
بأن يتعذب الى الابد ، ومن المقاربات المعنوية للنار : المعرفة ، ازاحة الظلام / الظلم 
المعنى الخاص : الالم كثمن للتضحية من اجل الاخر / مقاربته سيابياً : تضحيته من اجل ابناء وطنه المظاومين
ـ أيوب : العذاب الاختباري / تناص مع الموروثات الدينية 
المعنى الخاص : الألم كدليل على عميق الولاء للاخر ( المقدس ) / المقاربة السيابية : ولاؤه للوطن المقدس عنده
ـ فارتر : العذاب كجزاء للحب المستحيل / تناص تخارجي مع الادب العالمي ( رواية آلام فارتر ) 
المعنى الخاص : الألم كجزاء للوفاء للاخر/ المقاربة السيابية : وفاؤه لمن انكرنَّ حبه 
ومثلث الالم والعذاب هذا ، صار مربعا اغلقت جهاتِهِ عذاباتُ وآلامُ الشاعر بسبب ولأجل الآخر ، بل ان هذا المربع صار : 
تابوتاً 
أودعتْهُ أنا 
وآخرَ القصائد . . .
والتابوت : شيفرة نصية ، يؤدي تفكيكها الى التعرف على سياقها التاريخي / الديني ، المؤثر على انتاجها ، فيكشف انها
تعني : ( تابوت العهد ) ، الذي وُضعت فيه ( ألواح العهد المقدسة ) ، وهو من معاني ( السفط ) / وفق المراجع المقدسة لذلك السياق المار
ذكرها آنفاً ، وهكذا يكشف السياب ان تلك الاسرار المقدسة التي وضعها في سفطه هي :
أنا .. وآخر القصائد 
الاشارة / انا : حصرية الدلالة ، فهي تعني الوجود الحسي المعنوي الحي للشاعر / رمزيته الثورية الوطنية ، فهو كوجود مادي طواه الموت 
آخر القصائد : الاشارة ( القصائد ) اطلاقية الدلالة ، تدل على عموم المنجز الشعري للسياب ، اما الاشارة السابقة لها ( آخر ) فهي ذات 
رسالة ايحائية للبحث والاطلاع على جميع ذلك المنجز للعثور على ( القصيدة الاخيرة ) تلك ، ورغم شدة عذاباته و احباطاته النفسية / كمكافيء
شعوري لتنكر من احبهنَّ لنقاء عاطفته ووفائه لهنّ ، إلا أنه لم يقدم على الانتحار كما فعل غيره : 
لستُ محسنَ السعدون / اشارة للانتحار السياسي 
همنغواي / اشارة للانتحار المرضي ( الافكار الاضطهادية )
بل هو يتخذ من ( الرصاصة ) / آلة انتحار المذكورين ، وسيلة لتأجيل موته : 
رصاصتي 
لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي . . ./ اشارة لإصابته بالتدرن الرئوي ، الذي تسبب في موته لاحقاً ، وهنا يتكشف سبب آخر لذلك الصراع 
الذاتي الفردي
خلاصة المشهد القرائية :
1 ـ ذات التماهي في المشهد السابق 
2 ـ ذات الارتباط العضوي معه ( انسحاب الذات الفردية المحبطة امام الذات الجمعية المحبة للحياة ) ، مع ظهور سبب آخر لتصدع تلك
الذات الفردية 
3ـ كشف السياب أسرار سفطه المقدسة ، مما مثل تأكيداً لجريمته الأولى ، فهي تفضح زيف القدسية المؤسساتية السلطوية 
المشهد النصي الثالث /
عُذراً شريانَ قصائدي 
عشّاري الجّميل 
أرسمُكَ على مساحةِ سريري 
أمشيكَ كُلَّ يومٍ بلفافةِ تبغٍ من وريد . . . 
رجلاي متعبتان 
تحملاني من فراشٍ مُتذمرٍ لطولِ رقاد 
تطوفانِ بي 
أقفُ متوسّلاً بأنفاس 
تختفي بدهاليزَ مظلمةٍ تحتَ ساعةِ السّورين ومضاتٍ بعدَ وهج . . .
تقذفاني في بطنِ سوقِ الهنود 
ما ازدحمتْ به النهودُ
ممالك البهار
البخور
القهوة 
السندُباد يُبحرُ على الأرض . . .
يتمفصل هذا المشهد مع ما سبقه ، في ذلك السبب الآخر لصراعية ذاته الفردية / اصابته بالمرض القاتل ، وبلغة تكتظ سيميائيتها الدلالية
بالاشارات المكانية ، وكثافة الصور الفردية او المركبة او الكلية ، والازاحات المعنوية ،يستهل الشاعر المقطع / المشهد ، بالاعتذار لنسغ
قصائده ( نهر العشار ) : 
عذراً شريانَ قصائدي 
عشّاري الجّميل 
والاعتذار اشارة لقصور ما ، او تخلف عن وعد ، فبعد ان كان الشاعر يستلهمه شعرَه ، وهو يسير حِذاءَه ، بلا حساب لخطواته ، إذاه يقول : 
أرسمُكَ على مساحةِ سريري 
أي أنه صار يتمثله مرسوماً بين حدود ضيقة ، يشغلها سريره / اشارة لمرضه المذكور ، المقاربة المعنوية لهذا : الشاعر يعتذر للعشار
عن أسره / رسمه ، اياه داخل حدود زنزانته ( سرير مرضه ) ، و الغاية من هذا الرسم : ان يبقى يَمشيه كل يوم / لاشعور توهمي
تعويضي ( وفق التحليل النفسي ) للتغطية على فقدان قدرته على القيام بذلك الفعل ( المشي ) حقيقةً بسبب تداعيات مرضه ، و ابتعاده
عنه غريباً خلف حدود وطنه ، ويحمله توهُّمُه على مماشاته يومياً ، وفي كل يوم يحرق وريداً متخذاً إياه ( لفافة تبغ ) تصاحبه في
مشيه ذاك / لفافة تبغ اشارة ذات دلالتين:
الاولى ـ تعني السيكارة التي ادى ادمان الشاعر على تدخينها الى اصابته بذلك المرض القاتل .
الثانية ـ الاحتراق النفسي الداخلي بدلالة ( وريد ) / مقاربتها : لهفة الحنين المستعر في وجدانه : 
أمشيكَ كُلَّ يومٍ بلفافةِ تبغٍ من وريد . . . 
ويأخذ الشاعر برسم صورة المرض الذي بنهش ايامه وبسلبه قواه ، مبرَّزةً بألوان العجز والوهن اللذين يُقيّدانه الى سريره : 
رجلاي متعبتان 
تحملاني من فراشٍ مُتذمرٍ لطولِ رقاد 
ولاشعوره التوهمي يصور له انطلاقه مُطوِّفاً على مرابع الصبا والشباب ، في مدينته الحبيبة ( البصرة ) / كتعويض نفسي ، عن رغبة
مستحيلة التحقق واقعياً حيث يقول :
تطوفانِ بي 
أقفُ متوسّلاً بأنفاس 
والاشارة ( متوسلاً ) / دلالة على طلب المعونة والمساعدة ، خصصَتهما ( بأنفاس ) / مكافيء القوة البدنية ، لذا هو يتوسلها عونَها على 
مايبذله من جهد للوقوف ومن ثم الطواف ، لكنه توسُّلٌ لما تختفي / تتلاشى بسبب المرض ( السلُّ الرئوي بفعل نهشه الرئتين ) ، ويكون
تلاشيها مكانياً في : 
تختفي بدهاليزَ مظلمةٍ تحتَ ساعةِ السّورين ومضاتٍ بعدَ وهج . . .
ساعة السورين : اشارة تناصية تخارجية، لأشهر ساعة تراثية عرفتها البصرة ، في تأريخها المعاصر، غدت مَعلَماً مكانياً متلاشياً ، بعد هَدِّها 
بفعل عامل خارجي ( امر سياسي ) / وهذه صورة كلية تعويضية نفسياً عن تلاشي الانفاس في رئتين ( مَعلَمين جسديين ) معطوبتين / مهدودتين ،
بفعل السل / عامل هدم خارجي ، لكن تلكما القدمين تتهالكان من وهنهما فتلقيان به في اعماق معلم آخرَ، سوقٍ بصري المكان ، عراقي الشُّهرة : 
تقذفاني في بطنِ سوقِ الهنود 
ما ازدحمتْ به النهودُ
ممالك البهار
البخور
القهوة 
وبعد طول ترحال يشدُّهُ شعوره الى واقعه المرِّ فيجد أنه كان بحاراً مغامراً بلا بحار / المقاربة الدلالية : توهُّمُ الوصول لتلك الأماكن المحببة لنفسه،
كتعويض نفسي عن استحالة ذهابه اليها حقيقةً ، فنجده يقول : 
السندُباد يُبحرُ على الأرض .
دراسة المشهد التحليلية الموجزة :
التماهي عكس اعلى درجات تقمص ( الذات السبابية الفردية ) في صراعها المرضي ، بلغةٍ اعتمدت سيميائيتها الدلالية على الاشارات المكانية
الواقعية المعاني ،وكذلك الصور المكثفة بنائياً وبكل انواعها / صور مفردة ، مركبة وكلية ، لتجسيد ما سببه ذلك المرض للسياب من احباطات 
نفسية مؤلمة ، حاول التغطية عليها ، بتصوّرات لاشعورية تعويضية ( في مفهوم علم النفس ) / مكافئوها المعنوي : احلام اليقظة ، لكن 
شعوره / صحوته، تعيده لواقعه المؤلم المتقاطع مع ما يتمناه . 
المشهد النصي الرابع : 
يطرق الشاعر قصداً تعبيرياً آخر بعيداً عن تشكِّيه من تصدعاته النفسية كما مر بنا في المشهد السابق ، فيعرض في هذا المقطع تقاطعاته الفكرية 
مع الآخر المؤدلج قائلاً : 
أنبأني راءٍ 
أنَّ اخوةً يأكلونَ على بساطي
ما حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه . . . 
يزورونَ بيتي
كُوّتي الصغيرة 
ألبسوها مِعطفَ ماكبث 
أفرغوا عُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين
ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !
دراسة تحليلية موجزة :
السيميائية اللغوية لهذا المقطع وما تحفل به من اشارات ، رموز ( نصية / ماوراء نصية ) ، ايحاءات ، صور ( شعورية / عقلية ) ،
وشيفرات / { راء ، بساط ، اسرائيل ، كوّة ، مكبث ، علب مكياج ، عذراوات الطين ، ينبش ، سكين صدئة } ،توحي لنا ، للوهلة الأولى ، أنها 
عبثية الانتخاب ، متنافرة دلالياً ، متباعدة تزامنياً ، ضمن سياقها النصي ، مما يجعلها غير متمفصلة مع بعضها دلالياً ، ولامتآلفة نسقياً ،
فتتهاوى مركبات بنية المعنى الفوقاتي للنص ، وتعقم مرسلاتُها ، عن توليد رسائلَه الخطابية ، لهذا ساقوم بتفكيك مركبات تلك السميائية ، ثم
اعادة تركيبها ، ، بعد الحصول على جذور دلالاتها المنتجة لأفكار النص ، التي ستكشف ( المعنى التحتاني للمقطع ) المخبوء تحت ذلك 
البناء الظاهر، مما يمثل مقاربة مضمونية شديدة الملامسة ، لغائية المقطع التي ( عناها ) الشاعر : 
الجسد المضموني لهذا المقطع مركب من ثلاثة اجزاء ، منقطعة عن بعضها رسائلياً ، ومتصلة عضوياً بضمير الجماعة ( الواو المتصلة ) ،
الجزء الاول : ( أنَّ اخوةً يأكلونَ على بساطي / ما حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه . . .) 
الثاني : ( يزورونَ بيتي / كُوّتي الصغيرة / ألبسوها مِعطفَ ماكبث ) 
الثالث : (أفرغواعُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين/ ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !)
وهذه اشارة لغائبين في ماهيتهم ـ حاضرين في آثارهم ، فمن هم ؟ ، سنترك الاجابة عن هذا الى قصدية ( المعنى التحتاني ) للمقطع ، وهو 
ماستكشفه عمليتا ( التفكيك / اعادة التركيب ) لبنية المعنى الفوقاني ، كما اسلفت ،
بداية سأقوم بجمع بعض الاشارات الواردة في السياق اللغوي لكل جزء ، والموحية ظاهرياً بالعلائقية بينها ، ثم إحالتها الى ماورائيات
النص (مصادرها المعرفية ) ، للحصول لها على دلاله معنوية ، أقوم بزرعها في جسد الجزء اته ، فإن رفضه ، فهذا يعني ان هناك مقاربة
مغايرة الدلالة علينا الوصول اليها ، وكما يلي : 
من الجزء الاول : اخوة + اسرائيل ( بعد الإحالة الى المصادر الدينية ، ومراجعها / الكتب المقدسة ) = اخوة يوسف / حددت بعض تلك
المصادر/ سفر التكوين، معنى اسرائيل بتعريفين :
الأول ـ هو النبي ( يعقوب ) المفجوع بغدر اولاده بأخيهم المحبب اليه يوسُف ،
الثاني ـ هو ( مصارع الرّب ) ، وهي صفة لحقته ( اي يعقوب ) ، جراء مصارعته الربَّ ( الذي تجسّد له على هيئة بشر او ملاك ) ، وتمكنه
منه، ورفضه اطلاقه من بين يديه ، قبل ان يباركه / المقاربة الدلالية هنا : ( الهو ) =المقدس المطلق القوة 
وعند زرع هذا المعنى ( بعد اختيار التعريف الأول اعلاه لإسرائيل ) في موضعه من جسد الجزء ، نجد ان ( بساطي ) تجعله يرفضه
بعمومه ، فياء المتكلم المتصلة به ، تُعصرِنُ زمنَ النص ( في جزئه هذا ) ، فهو زمن الشاعر ، بدلالة مضارعية الفعل ( يأكلون ) ، المتضاد 
تماماً مع الماضوية البعيدة لزمن تلك القصة ، ورفض عموم المعنى، يعني رفض معاني مكوناته / فالاخوة ليس معناها الاشقاء هنا ، بعد ان فقد
( اسرائيل) معناه الاول اعلاه ، لذا سأبحث عن مقاربة معنوية اخرى وكما يلي :
من الدلالات اللغوية الآخرى لهذه الاشارة ( الاخوة ) : الاصدقاء ، الشُّركاء ، الاصحاب الملازمون لبعضهم / المقاربة المعنوية لها : اصحاب 
الفكر المؤدلج المشترك / رفاق الحزب السياسي 
و( بساطي ) / دال لمدلول يعني لغةً : مفروش ارضي يُصنع من الصوف وغيره ، ومنه الحصير . ولما كان هذا البساط رخيص الثمن
لذا ظل ملازماً لحياةَ الففراء وبسطاء الكسبة والعمال / طبقة الكادحين ، وتغدو هذه المفردة مولدة للأفكار ، فهي بعد ان ازاحت عن الاخوة
معناها اعلاه ( اخوة يوسف ) ، هاهي تشير الى انهم رفاق ( شيوعيون / ماركسيون ) ، فقد اختاروه ( بساط الكادحين ) موضعاً لجلوسهم ونتاولهم
الطعام / المقاربة الدلالية : انتمائهم لتلك الطبقة ، لكن الشاعر يبعث باشارة تكاد ( تشفر ) عموم الجزء وتغلقه على نفسه تماماً ، فاولئك الرفاق
يأكلون : 
ما حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه . . . 
فما علاقة الماركسيين / ذوي آيديولوجية مادية ، بنبيٍّ / آيديولوجية غيبية ..؟؟
، وقبل الركون للحيرة لنشرِّحْ تلك الشيفرة : 
بعد ازاحة المعنى الاول عن اسرائيل ، نحصل على هذا التحديد التعريفي له :
اسرائيل = مصارع الرب / ألهوَ المقدس المطلق القوة 
واذا ما شرّحنا ماركسية اولئك الاخوة الرفاق ، بالاحالة الى ماورائيات النص ايضاً :
ماركس = منزل الرب من السماء الى الارض ( اخضاعه لسلطة الفكر المادي ) / ألهو المطلق القوة ( قوة الفكرة المهيمنة والمتحكمة 
بعقول مريديه/ فكرة الاشتراكية كتطور حتمي للبشرية وفق الديالكتيك المادي الجدلي )، وهي فكرة متكاملة منزَّهة عن ايِّة منقصة أو مثلبة
لدى المؤمنين بها / المكافيء المعنوي لها : فكرة المقدسة .
وبعقد مقاربة موضوعاتية بين نتائج هذين التشريحين نخلص الى : 
اسرائيل الوارد في سياق النص بعني ماركس ، وقد واراه الشاعر تحت الاول للايهام أو لخداع الرقيب السلطوي
فيكون المعنى التحتاني لهذا الجزء :
الشاعر ينتقد اولئك الرفاق الذين يأكلون ( مرادفها اللغوي : يستبيحون )، من مباديء وقيم العقيدة الماركسية ما حرم / منع ، ماركس نفسَه 
عن استباحتها . 
ومن الجزء الثاني للمقطع :
يزورونَ بيتي
كُوّتي الصغيرة 
ألبسوها مِعطفَ ماكبث 
يزورون بيتي : اشارة لدوام صحبة الرفاق 
كُوة : اشارة دالية تعني منفذ ضوئي صغير في جدار / من مقاربات الضوء الرمزية : كشف حقيقة الاشياء ، بإزاحة ما يحجبها / الظلمة 
معطف : اشارة دالية تعني الرداء الغليظ ، المانع للبرودة ، الحاجب مادونه عن اثرها / مقاربة البرودة الدلالية : مؤثر خارجي ( خارج الجسم هنا ) 
ماكبث : اشارة تناصية ماوراء نصية ( بطل مسرحية لشيكسبير ) ، تعني المُغيّب للحقيقة ( قتله غيلةً الملكَ الشرعي واغتصاب عرشه ) 
وبتخصيص الاول ( بإضافته للثاني ) : نحصل على الاشارة المركبة ( معطف ماكبث) ، وهذه تكون دلالتها : المانع للحقيقة 
ويتقابلية دلالة الاشارة الاولى ( كوة ) ، مع دلالة الثانية المركبة ، يحصل التنافر / التعارض بين : كشف الحقيقة و المانع لها 
المعنى التحتاني للجزء الثاني : 
وهذا انتقاد ثانٍ يعلنه الشاعر لمن اعتبرهم رفاقه، فهم يحجبون الحقيقة بل يغتالونها .
وتمضي انتقاداته اياهم في الجزء الثالث :
أفرغوا عُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين
ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !
المكياج : دالة مستحدثة مدلولها اللغوي : تزيينٌ ، تجميل الوجه بمساحيق التجميل ذات الألوان المتعددة ، لتغييره حسب المُراد تمثيله ( مشاكلته
مظهرياً ) ، و (علب) دلالة على كثرة استعماله / .
عذراوات الطين : دمىً تشكّل من الطين الصناعي على هيئة فتيات / أشكال جسدية ميتة 
وافراغ المكياج على هذه الدمى قصديته اعطائها ملامح بشرية / المقاربة الدينية : التشبّه ، شكلانياً ، بفعل الخلق الالهي للبشر ( العذراوات هنا )
المقاربة التأويلية لدلالة هذه الصورة ، بإستحضار فاعلِي الفعل / افرغوا ( الرفاق الماركسيون الماديون ) تكون : هم ( الرفاق) يقومون بخداع 
الفقراء والكادحين ، من خلال ادعائهم انهم سيخلقون لهم حياة نابضة ، وهي في حقيقتها حياة ميتة ، مشاكِلة بملامحها للحياتهم المعاشة ، وكل
مايفعلونه تجميلها ( مكْيَجَتَها ) بشعاراتهم البراقة / مكافيء دلالي للمكياج 
و يحاولون تفريغ / محو ، الماضي ( التاريخ ) من اية اشارة لحدث ، او واقعة، تخالف ادعائهم ذاك :
ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !
النبش : الحفر بقصد اظهار المدفون / الذكريات : ما جرى وحصل في الماضي / مقاربته المعنوية : احداث وقائع التاريخ الماقبلي 
بسكين : اشارة لآلة القتل بدلالة ( ماكبث / استخدم الخنجر / من انواع السكاكين ، لتنفيذ جريمته بقتل الملك ) وهي ( صدئة ) لطول ماتقادم عليها
من زمن ، فالنبش هنا غايته ( قتل / حذف ) الماض?

الجمعة، 30 أكتوبر 2020

قراءة ‏نص ‏شعري ‏" ‏لثريا ‏الشمام ‏" ‏بقلم ‏: ‏صاحب ‏ساجت ‏/ ‏العراق ‏

تحيةٌ طيبةٌ...
    في أدناه قراءة نص شاعري لكاتبته "ثريا الشمام"، رأيتُ فيه مسوّغًا أن اتناوله بكل حيادية، لما يحمله من إرهاصاتٍ إبداعية، عَمَدَتْ كاتبته أن تَضْفيها على شاعريته...
المصدر:-ملتقى ادباء الشرق
التعليق:- صاحب ساجت/العراق
كاتبة النص:- ثريا الشمام/سوريا
               (كَاذِبةٌ)
أخبرتُكَ بِحجةِ  كَسْري
لِئَلَّا أكسِرُكَ بِظَنِّي
وَ أريْتُ سَوْءَةَ شَوقي وَ غَيْرَتِي 
بِكِذْبَةٍ!
 لِعَجْزي وَ قِلَّةِ حِيلَتي 
قَتَلْتُ بالهَجْرِ.. قَلبي الظَّنُونَ 
وَ تَنعَتُني بالكذبِ أَو الجّنونِ
قُلْ ماتشَاءُ... 
قسوتُكَ أراقَتِ الماءْ
فَمَنْ يُلَملِمُهُ بعد، 
إذا حَانَ القَضاءْ؟
 -------( ثريا الشمام/سوريا)--------
تقديم:-
العقدةُ-- يختلفُ تعريفُ العقدة باختلاف السياق المستعمل.
و هي فكرةٌ أو مجموعة أفكار مركبة و مترابطة، ذات شحنة عاطفية، تعرضت للكبت، و صارت مصدر تنازع و صراع مع أفكار أخرى تَحظى بالقبول.
و هي لغة:- ربطة على شكل حلقة، أو
               أُنشوطة.
و عَقِدَ الشيء:- لواهُ، او حبسهُ، أو أكّدهُ
و عقَّدَ الكلام:- جعله عسيرَ الفهم، غامضًا (و هو المراد في موضوعنا)
        الموضوع:-
النصُ أدبيٌّ، تناول سلوك انساني-بغض النظر عن كونه سلبي أم ايجابي- هو:-
الكذب كسلوك و مهارة يتعلمها الشخص من بيئته.
و هو تزييف حقيقة، و خلق حدث جديد، بقصد الخداع لتحقيق هدف، مادي أو نفسي، في أغلب الأحيان.. لتجنب عقوبة عن فعل معين؛ يضطّرُ المُجبر عليه، بغية إصلاح ذات البَينِ بَينَ متحابَينِ، أو إستعماله كخدعة للأعداء في معركة.
و للكذب أشكالٌ متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر نوعان:-
أوّلهما كذب إدعائي:- أي- إدعاء الشخص بأنه يعاني من مرض، بهدف الرعاية و الاهتمام و العطف.
و ثانيهما كذب إنتباه:- أي- يلجأ الشخص إليه عندما يفتقد اهتمام من حوله به.
حيثيات الموضوع:-
     للمبدع عدسة"كاميرا" خاصة به،  يلتقط بها صورًا تحت تأثير دهشة تَمَلَّكَتهُ في لحظة ما، يختارُ فيها زوايا يَطلُّ من خلالها على مشهدٍ، و تحقق له مآربه في زيادة المعلومة أو لذّة المتعة، لا يعرف بها أو يتذوقها غيره.
فَثَمَّ حوارٌ  Dialogue ، بمعنى:- الرجوع عن شيء ما، و الإرتداد عنه،  مصدره الفعل (حارَ) عن الأمر و إليه، أي- رجع عنه أو إليه.
و هو حديث بين شخصين أو أكثر، وَشَىٰ لنا (كذبةً) و حَسَّنها بالمشاعر الوجدانية، حينما فَضحَ شوق و غَيْرَة و عجز و قلّة تدبير العاشقة!
و الكاتبة هنا رَصَدتْ لنا هذه اللقطة الواقعية- أو كما نُقِلَ لها- و النادرة بحيثياتها.. و نقلتها باسلوب شاعري، سوَّقَتْ به عذرًا لسلوكٍ لا نقبلهُ لأنفسنا و لا للآخرين، هدفها أن تقنعنا بمفهوم "مكيافيلي" الدَّاعي إلى:- 
"الغاية تبرر الوسيلة"!
و حتى ينالَ الشخصُ مراده من شخص محدد بعينه، و يتزلَّف إليه و يُرضيه.. يضطّرُ في حالة الحرمان إلى الكذب!
و للأسف.. وَردَ في نصنا موضوع التعليق، ما يقترب من هذا المفهوم، دون مبالاة إلى إن صخرة الحُبِّ لا يَفتُّها إلّا الخداع و الكذب!
لكننا لا يحقُّ لنا فرض خلاف ما جاء في النص من مشاعر، في أثناء لحظات الودِّ و التقرب إلى الحبيب المجافي و القاسي، حينما نقلتها لنا بعدستها المبدعة.
و حَسَنًا فعلتْ عندما سَوَّغتْ (للكذبةِ) بالجملة السببية "لِئَلَّا أكسُرَكَ بِظَنِّي"!
و بذلك تخلَّصت من سلوك غير مرغوب، و نَأَتْ بنصّها إلى معادلةِ العلّةِ و المعلول، و الرابطة بينهما.
فعِلَّةُ الهَجرِ و القسوة الحادثة، رَتَّبتْ أثرًا على الطرف الآخر.. المَعلولُ. أمّا العلاقةُ بينهما أو الرابطة/العِلِّية هي السلوكُ الذي تطور إلى الكذب.
و الإخبارُ بشهادة المرء على نفسه، هو اقرارٌ بحق الغير على المخبر!
'أَخْبرتُكَ بحجَّةِ كَسْري"! 
و يُضاف كذلك:-
"و أريتُ سوءةَ شوقي و غَيْرَتي بكذبةٍ"!
مع إبداء مسوِّغات لذلك...
هذا التعقيدُ في الكلام، جاء بناءً على معطيات ذهنية، جعلت الأمور أكثر غموضًا. فالعلاقة هي علاقةٌ(عاطفية)، و ليست علاقة بورصة أو مزاد فيه مساومات، فلا بد ان الأمر وصل إلى ذروة الخذلان و الهجر، مما دَعَىٰ المقابل أن يتصرف بهكذا سلوك كي يكسبَ العطفَ و القربىٰ! 
لكن هيهات... فالماء رمز الحياة و التواصل (و جعلنا من الماء كل شيء حي) الانبياء-٣٠.. أُرِيقَ و من الصعب بمكان جمعهُ و لَملمتهُ!
تعقيد آخر:-
تعقيد لغة النص في:-
* لِئَلَّا -مخافة أن- أكْسُركَ بظنِّي،
* قَتلتُ بالهجرِ.. قلبي الظَّنُونَ،
* صورة استحالة لملمة الماء بعد أن
   يُسْكبُ و يُراقُ!
هذه الصور منحت النص اجازة القبول و متعة تذوّقه و السكوت على إسلوب معالجته لحادثة، تبدو للبعض ليست ذات أهمية، لكنها منحت المشاعر الانسانية أسمى درجات الصفاء و النقاء، و كشفت شفافية التعامل بين المحبّين و صدق حواراتهم و أفعالهم!
نص أزاح ستارة التردّد في تبادل العواطف، جَريء ، حملَ موجبات بقاءه في ذهن المتلقي، و حازَ رضاه و انحيازه!
كل التوفيق للمبدعة الاستاذة "ثريا الشمام"، و نأمل أن تتحفنا بما هو ممتع و جديد...
            مع أطيب التحيات
       (صاحب ساچت/العراق)

الجمعة، 9 أكتوبر 2020

بقلم ‏: ‏الشاعر ‏إدريس ‏لحمر ‏🎶🎶🎶🎶🎶🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸🎸

قَالوُا
قَالوُا اْلعِيَشة بيِنْ الصْفيِحَةْ وَاْلمَسْمَارْ 
وْلاَ غُمَّةْ التْرَابْ ..
وْظنَوُّا ْاكْلاَمْهُم ْصَواَبْ.
وَخَّا هُوَّ ْعْذاَب فَعْذاَبْ.
 ْفرَاسَكْ مْياَت ْمطَرْقَة ْوْمطَرقَةْ
 الْدَّاْر وَاْلدْرَارِي وْهمْ الْزَّنْقَةْ
وْهَمْ اْلْرَواغَلْ ْوشَايَبْ وَشبَابْ
الْقَوْسْ بْحُكَّانْ اْلرِْزينَةْ اْعْيَا اسْبيُِبو
وَالْقَلْبْ الَّشْبْعاْن اضْغيَِنْة اْظهرْ عِيبُو 
رْزَقْ الْجُّوف ْيبَات ْفيِْه 
دَمْعْ ْالخُوفْ دْوَا علِْيهْ
سيِدِي عَبْدْ الرَّحمَن اْلَمجْدُوبْ
الِّلي َكاْن فَرحَاُبو ْيذوُبْ
كُلْ مَنْ كَانْ كْلاَموُ ْكذُوبْ
مَا تْنفْعُو  ُقوَّةْ وْلاَ هْرُوبْ
عِيَّطْ عْلَى الَّضَماَّن ْ
تَنْجَا َمْن اْلبَرْكَاَكةْ وَمْساَمَرْ اْلمِيدَةْ
لاَ َتْبقاَشِي زَعْفَان ْ
مَا ِبيْن اْلحَراَّكَة وَاولَْاد ْعْكِيَدةْ
بَرَكَةْ َمْن اَلهْباَل ْ
راَهْ َالحَْملْ ْثقَالْ
والَجْوَانَحْ َما عَاَدْت عْاْلِّطيرَانْ قَاْذرَة ْ
الْفُم ْاْلَبرْواَلْ
كَيْغَنِّي َباْمثاَلْ
وْماَ يْطَبَّقْ وَلا َمثْلَة ْباَلنصْح ْعَامْرَة ْ
ضَاعَتْ لُو لَحوَالْ
وَاْلقَلْبْ اْلمَعلْالْ
َيْتَفاَدى ُكْل َضرَْبة ْمنْ اْلفقْر صَادْرَةْ
عْلِيكْ التَّعوَال ْ
ياَ بُو اَلعْيَالْ
بَاشْ َتْنقَدْ اْطفَالْ رَاهاَ بالجُّوعْ شاَعْرةْ  
خَضَّارْ وبقَّال ْ
مَْيسمحوُا فرَْيالْ
 غلْا َهاْذ اْلوَقْت ْما َابْقاَتْ الَّنفْس ْقَادرَةْ
هَذَا يْغُوَّث هَذَا يِْصيحْ
هَذاَ َيْبكِي َقلْبُو جِْريحْ
هَذَا ضَاَيع ْهَذَا يْطيِحْ
هَذَا عنْدُو ْلسَانُو اقْبيِحْ
يَا سَاتَرْ َالْعُيوبْ اسْتَر عيِبْناَ 
يَا سَاتَرْ اَلعْيُوبْ َنجِّي اْقليِبْنَا
بقلم ادريس لحمر

الأحد، 20 سبتمبر 2020

دراسة ‏نقدية ‏ذرائعية ‏مستقطعة ‏/// ‏عبدالرحمان ‏الصوفي ‏

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان " ثلاثة أرباع قلب " ل " سعاد بازي المرابط " عنوان الدراسة النقدية المستقطة : " فلسفة الانزياح نحو الرمز والخيال في قصائد ديوان " ثلاثة أرباع قلب " .

الدراسة النقدية من إعداد : عبدالرحمن الصوفي المغرب

أولا – التقديم :

اللغة العربية كائن مطاوع ، تتسع لكل أشكال اﻷدب والشعر الفنون ، ولها قدرة فائقة على المطاوعة المساعدة على التجديد والابتكار في أدبها وشعرها . لا يمكن لدارس أن يتجاهل التطور الكبير الذي عرفه اﻷدب العربي عبر التاريخ  ، من خلال فعل الاحتكاك بثقافات أخرى . ولا يمكن لأحد ان يتجاهل أهمية الابتكار في مجالات اﻷدب والفن عموما ، فالابتكارات فيه  تضاهي الابتكارات  في المجالات العلمية ، لأن الأدب والفن يشكلان قاطرة ثقافية لتنمية  رصيد حضاري ، لمجتمع مبدع ، يحركه هاجس الابتكار والخلق . كما أن تاريخ اﻷدب العالمي يشهد على أن الابتكار في اﻷدب والفن قد أسهم في التأسيس للعديد من الابتكارات ، والاختراعات التي أخرجت الإنسانية من عصر الظلمات ، وأدخلتهم إلى عصر الأنوار ، ويشهد التاريخ كذلك على أن الابتكارات اﻷدبية دعمت العلم والعلوم بالكثير من الإنتاجات أدبية التي هي من محض الخيال . لقد تطرق " قدامة بن جعفر " لموضوع التجديد والابتكار في الأدب العربي من خلال رأيه في ( المادة و الصورة ) ، حيث يقول : " ... المعاني كلها معرضة للشاعر ، وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر ، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه ، فإذا كانت المعاني الشعرية بمنزلة المادة الموضوعة ، والشعر فيها كالصورة ، كما يوجد في كل صناعة ، من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها ، مثل الخشب للنجارة ، والفضة للصياغة ، وعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة والرفث والنزاهة ... أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة ... " ( 1 )
اللغة العربية تعيش مع المبدع كل أنواع أحاسيسه ومشاعره ، ومنها أنها تعيش معه حين يصارع أمواج القلق المتحرك ، وكذلك حين يكون على حافة التناقضات المتصارعة من أجل الوصول إلى المستحيل الممكن تحويله حقيقة  ، فالحيرة مشروعة ، واللغة مفتاح مجال التأملات ، والحزن والقلق والتفاؤل النار الهادئة التي يستوي عليها الإبداع ...
تعيش اللغة مع المبدع اللحظات التي تلف رؤاه التعب والحيرة والحقيقة والوهم والوضوح والغموض والقلق والفرح ... لذلك نجد قلق الشاعر يفوق قلق المنتجين اﻵخرين في الميادين الفكرية والثقافية  الأخرى  .

ثانيا : توطئة :

يقدم " عبدالرزاق عودة الغالبي رأيه  حول الخيال وأبعاده " : " ... فكرة البعد الرابع المكاني ووجود مكان آخر أعلى من عالمنا ثلاثي الأبعاد هي من أفكار الأوربيين خلال الثورة الصناعية الأولى والثانية في القرن التاسع عشر كما أسلفنا ، حيث انبثقت من تطور علم الرياضيات والهندسة ورياضيات المنحنيات والسطوح الأهليجية أو ما يطلق عليه علم الرياضيات والهندسة اللاإقليدية ، وتلعب الهندسة الإهليليجية دورًا هامًّا في النظرية النسبية وفي هندسة الفضاء الزماني . لقد ظلت هندسة إقليدس تمثل أسس علم الهندسة على مدى بعيد من السنين ، ومن أبرز مميزاتها أنها لا تستعمل سوى المسطرة والفرجال لإنشاء الأشكال ، ولا تأخذ بعين الاعتبار القياسات أثناء الحركة ، لكن التطور الصناعي والعلمي أدى إلى ظهور مسائل هندسية لم يتم حلها إلا في القرن التاسع عشر ، ومن هذه المسائل تقسيم زاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية ، إنشاء مكعب حجمه ضعف حجم مكعب معلوم ، وإنشاء مربع مساحته تساوي مساحة دائرة معينة ، وهذه المسائل يستحيل حلّها باستعمال المسطرة و الفرجال فقط . وحينما قسّم الله الوجود واقعًا وخيالًا ، الواقع مفهوم بزمكانيته الملموسة ، والخيال معروف بمكانيّة المجهولة لا تخرج عن العقل البشري بمقارنتها مع محتويات التكوينات وسكان الواقع ، لذلك ينزاح الخيال نحو الواقع لو توفرت الظروف المتشابهة في العالمين ، وما دام الواقع يمتلك سكانًا ومكونات ملموسة إذًا تصوّرها في الخيال يتمّ في العقل بشكل متباين ، والسؤال الذي يطرح نفسه :
- هل هناك خيال لا يمتلك مكونات الواقع...؟
- وهل بالإمكان تصوّر حدود هذا الخيال ومكوناته....؟ " ( 2)
تعتبر هذه التوطئة منطلقنا النظري الذرائعيى في ذراسة ثلاثي ( الرمز والانزياح والخيال ) في نصوص ديوان " ثلاثة أرباع قلب " .

ثالثا - المدخل البصري لديوان " ثلاثة أرباع قلب " :

ديوان " ثلاثة أرباع قلب " ( الطبعة الأولى 2017 ) ، وهو الديوان الثاني بعد ديوان " تأشيرة باب الحياة " .
الديوان متوسط الحجم ، يضم 99 صفحة ، تجمع الإهداء والتقديم وتسع وثلاثين نصا شعريا نثريا ، نذكر منها : ( أتخشى الكلام ؟ / آخر اجتياح / أقاتلة أنا / الكياسة سياسة / أنا غائمة / بانتظار قصيدة متمردة / تلك هي ساعتي / ثلاثة أرباع قلب / حب على الرصيف / حب على المقاس...) .
أما علامات الترقيم في نصوص الديوان فتتوزع بين النقطة والفاصلة والحذف وعلامة الاستفهام ( لم لا تكتب لي من على صهوة حصان ؟ / لم لا تكتب لي من تحت مظلة بثقوب ؟ / أو مظلة شفافة ، قصيدة شفافة ؟ / وشما بصدور الذين فتحوا لي صدورهم ؟ / لم تنبض في وأنا لست ذكية ؟ / فهل أنتظر ؟ / لا تسألني لمن أكتب ؟ ) .
يقول جنان : " ... المجموعة الشعرية " ثلاثة أرباع قلب " متجانسة النصوص من حيث الموضوع أو ما يصطلح عليه بالوحدة العضوية للنصوص . بمعنى أن المجموعة الشعرية يربط نصوصها خيط ناظم ضمن رؤية واضحة .
و المجموعة الشعرية ( ثلاثة أرباع قلب ) تدخل ضمن هذا القسم . إذ نجد بناءها مثل خيمة تحتوي على :
- العماد الرئيسي أو ما يصطلح عليه في العامية ب : (الْحُمَّارْ)، و تمثله القصيدة التي تحمل نفس عنوان المجموعة .ص 27 = الأوتاد التي تشد العماد و هي أربعة .
1 - الهجوم : و تمثله القصائد : - أتخشى المواجهة ؟ ص 110 / أقاتلة أنا ؟ ص 15 .
2 - النفي / الرفض : و تمثله القصائد : - لن أغادر المكان . ص 58 / لن أكون ناعمة . ص 61 / لن ألتفت . ص 63 .
3 - السؤال الحلم : و تمثله القصائد : - هل أتعود على الرغد ؟ ص 79 / هل أنتظر ؟ ص 81 / و لا أكتب إلا لك . ص 89 .
4 - الرضى : و تمثلها القصائد : أنا غائمة . ص 20 / بانتظار قصيدة متمردة . ص 23 / طوق الوفاء . ص 45
و باقي النصوص هي مؤثثات تناسب كل وتد من الأوتاد الأربعة . لتختم الشاعرة المجموعة بقصيدة تلخص الحكاية : لو سألوك ص 95 ...) . (3 )

رابعا - السيرة الذاتية للشاعرة " سعاد بازي المرابط  :

-  من مواليد مدينة تطوان
-  أستاذة : اللغة العربية
-  صدر لها ديوان " تأشيرة باب الحياة " ، وديوان " ثلاثة ارباع قلب "
-  كاتبة عامة لجمعيتي : - جمعية البهاوي لداء الصرع .
-  جمعية صانعات الحياة
-  تنشر بجرائد ورقية وإليكترونية .

خامسا  - العتبة  / العنوان / تناص الدهشة العنوانية :

عتبة العنوان هي صنع الدهشة البعيدة عن محاكاة الحياة بقواعدها ورتابتها ، بل الدهشة التي تجعل المبدع يعيد ويجيد الصناعة والخلق ، والغاية طبعا إدهاش القارئ من خلال الإمتاع ، وشده لبؤرة عنوان ” معقد ” يدخله إلى عالم نصي واضح المعالم ، أي احتواؤه على رموز صغيرة متشابكة تصنع منظومة ثقافية مدهشة ، فتغدو معها النصوص صامدة أمام الزمن محمية ببوابة عنوانية عتيدة ومدهشة .
يمكن أن تحلينا الاحتمالات المتحركة لمضمون العنوان إلى الإرث في الإسلام ووضع المرأة فيه . فنجد المرأة بعد وفاة الزوج  :
" تأخذ الزوجة الربع كاملا ، ثم تبقى ثلاثة أرباع : للأب ربعان ( وهما النصف ) وللأم ربع ( وهو نصف النصف ) فتتساوى مع الزوجة ، بينما أعطاها ظاهرُ القرآن ثلث التركة كاملا ، والثلث أكبر من الربع ، وأكبر من نصف النصف ..." ( 4 )
يمكن أن تحلينا الاحتمالات المتحركة للعنوان  على الموسيقى خاصة "... مقام الراست : يعني بالفارسية والكوردية : المستقيم التحويلات : مي نص بيمول + سي نص بيمول وعند العودة من الجواب تعزف سي بيمول .. أما الأبعاد بعد - ثلاثة ارباع البعد - ثلاثة ارباع البعد - بعد - بعد - ثلاثة ارباع البعد - ثلاثة ارباع البعد .. وسمي بالراست (المستقيم) لأنه يصعد على السلم الموسيقي ويهبط بشكل أبعاد متساوية.
البياتي ري : أي التحويلات : مي نص بيمول + سي بيمول الأبعاد : ثلاثة ارباع البعد - ثلاثة ارباع البعد - بعد - بعد - نص بعد - بعد – بعد ...( 5 )
ويمكن أن تذهب بنا الاحتمالات إلى تناص لثلاثة أرباع مع مكونات كثيرة ، نذكر منها :
-يتكون سطح الارض من اليابسة والمياه ، حيث ان نسبه المياه 3/4 واليابسة 1/4 من الكرة الارضية . اليابسة على سطح الكرة الارضية . ومذلك نسبة السوائل ( الماء ) في جسم الإنسان . وكذلك نسبة السوائل في قلب الإنسان وغيرها من الاحتمالات الكثيرة .
يقول " عبدالعزيز حنان " في لوحة الغلاف : " في العديد من الإصدارات تأتي صورة الغلاف الأولى بعيدة عن مضمون النصوص ، المهم صورة تؤثث الغلاف قد تكون لها جاذبية لكن ، لا ارتباط لها بعالم مضمون الإصدار .
و في كثير من الأحيان تأتي قراءة هذه الصورة ( صورة الغالاف ) مناقضة لهذا المضمون . بعض الإخوة الذين يتفضلون بهذه القراءة ، يطنبون في المدح و لَيِّ مضمونها لتناسب الإصدار ، أو دون تقديم العلاقة بين النصوص و الصورة .
في المجموعة الشعرية ( ثلاثة أرباع قلب ) أول ما يمكن تسجيله أن صاحبة اللوحة التشكيلية ، هي الفنانة " أمامه سحر" . إذ تتماهى الفنانة التشكيلية مع رؤية الشاعرة من خلال الانتماء النوعي .
فمن خلال اللوحة نلمس استضمار الفنانة التشكيلية للنصوص و أنها تشربت دلالاتها من خلال مواقف الشاعرة لتنتهي إلى وضع معالم اللوحة .
أرضية اللوحة أخضر . قوي على مساحة المحيط خفيف على صدر اللوحة . و كأن ما ينطلق من ذاتَيِ اللوحة يؤثر على قوة اللون دون أن يلغيه .
فالأخضر لون الحياة ، و تأثيره على النفس عميق ، كما توصل العلماء إلى قرار قاطع من أن اللون الوحيد الذي يجلب السرور إلى النفس و الانتعاش في الفكر هو اللون الأخضر الذي يتواجد في أكثر من مكان في الطبيعة . و من الملاحظ أن هذا اللون يتوسط ألوان الطيف السبعة في قوس قزح .
في اللوحات القديمة استخدم الأخضر بكثرة ، فلا تكاد لوحة تخلو منه ، حتى لو رسم الفنان وجهاً لشخصية معروفة ، أو متخيلة يأتي المشهد الخلفي بالأخضر أساسيا في اللوحة ، والذي غالباً ما يكون منظراً طبيعياً، مثل
لوحة «إليدا والبجعة» للفنان ليوناردو دافنشي ، «عذراء الصخور» . كما استخدمه الفنان مايكل أنجلو حين رسم على سقف كنيسة «سيستان» في الفاتيكان، في أكثر من منطقة مثل شجرة التفاح التي طردت آدم من الجنة. وعموماً فإن الاستخدام لهذا اللون متعدد ، وقد يبدو أساسيا ، فعندنا يستغني الفنان عن الطبيعة ، قد يكسو به خلفية لوحته .
اللوحة : تحت الظلال ، هو يمد يده نحو الأعلى يقطف الثمار أو يستجمع باليد اليسرى الأقرب إلى القلب ، أطياف النور / الأمل المنبعث يتدفق منه أليها من خلال إمساكه بالمعصم حيث النبض قويا و ليس باليد كلها .و غلالة نور تحيط بهما تحول اللون الأخضر إلى طيف خفيف .
ملامح الوجهين تطفح بالبشر و ابتسامة رضى تشكل الشفاه . و لا بد من ملاحظة الإيشارب يمتد من صدر النثى للجيد لكتف الرجل لساعد يده .
ألوان باقي المكونات متناسقة بلا نشاز البني يجانب الأبيض ثم الأسود فالبنفسجي ، ألوان تليق بالعمر المفترض لشخصتي اللوحة من خلال الشعر الأسود بلا أدنى شهرة شيب .
إلى هنا اللوحة متناغمة لكن ، هل اعتباطا أو صدفة أن يأتي طول الْهُوَ أكبر قليلا من طول الْهِيَ ؟؟؟
و هل اعتباطا أو صدفة أن تستند الْهِيَ على كتف الْهُوَ ؟؟؟
ركزوا على اللوحة و أنتم تسافرون مع النصوص لاستجلاء الأمر .
قد يكون مجرد سؤال لعله يستفز المتلقي لطرح أسئلة مغايرة و إعطاء إجابات غير متوقعة من خلال لوحة الغلاف الأولى .
و هذا هو فِعْل القراءة ، و سواه مجرد عبث ...
الوجه الأخير من الغلاف : استمرار سيطرة اللون الأخضر امتدادا للصفحة الأولى مع اختيار لمقطع من القصيدة العُمدة " ثلاثة أربع قلب " تؤطر العلاقة أو جزء من العلاقة بين الْهُوَ و الْهِيَ .
هذا المقطع يشكل الخطوط العريضة للرحلة أو قل هي المرشد الذي يبين للقارئ مسالك و دروب الحكاية ... ( 6 ) .

سادسا : فلسفة الرمز / تكنيك الصناعة الرمزية في ديوان "
 ثلاثة أرباع قلب " :

1 - تكنيك الصناعة الرمزية :

احتلت فلسفة الرمز في قصائد ديوان " ثلاثة أرباع قلب " مكانة مهمة ، ونقصد بها الفضاء الفلسفي الذي يوحي به الرمز الشعري ، ولا نريد هنا بالفلسفة التأسيسَ على قواعدها الصارمة المرتكزة على العلة والمعلول ، والاستقراء والاستنتاج ، والتنظير والتقعيد ، وإنما نقصد الكيان الفلسفي  بمضمونه التأملي الأقرب إلى فضاء الشعر وعوالمه الرحبة . تعتمد الصنعة الشعرية عند " سعاد بازي " تيكنيكا يزيل الخصومة والحدود بين الشعري والفلسفي . حيث يصبح الشعر الحقيقي في جوهره فلسفة أصيلة ، وأن الفلسفة الحقيقية هي في جوهرها شعر أصيل ... ( 7 )

لنتأمل معا نص " لن أغادر المكان " / الصفحة : 58

لم أكن أرتب كلمات قصيدة ،
فأنا لا أحب القصائد الأنيقة
بربطات عنق
وبدلات ماركات بتوقيع
ولا بقمصان مكوية .
كنت فقط أرتق إزار الغياب الشامل
تلك الثقوب يتسرب منها البلل
يتسرب منها الملل .

نلاحظ في قصيدتها بعدين في رمزيتها الفلسفية التأملية : الانطولوجي (الوجودي) ، كظاهرة  بارزة في هذه القصيدة وغيرها من القصائد الأخرى ( غادر تلك المنطقة الوسطى / غادر ذلك الحذر المريض / دع تلك الخطط وطرق التنفيذ / مزق رداء عاطفة صقيعية / ص 56 ) . رموز شعرية تتنوع باختلاف الموقع ( البؤرة والهامش ) ، ولونا وحركة وسكونا ، وسوادا وبياضا ( فضاء الورقة ) ، وهدا يدل على أن الشاعرة عمّقت في ديوانها فلسفة منحاها الرمزي الواضح...

لمن أحكم الأقفال على الحواس
مدثرة بتلابيب راهبة
من دير يجدد البيعة
جثة بلا كفن
مشدودة الحزام
كجندي مرابض عند حدود وهمية

أما البعد الثاني فيتجلى في البعد الإبستمولوجي / المعرفي ، أي أن فلسفة الرمز في قصيدتها ، ليست تجريدية بحتة ، فهي  تمزج  بين الرمزية الوجودية و الرومانسية ، مصحوبة بالواقعية ، وهذا التكنيك يتجول بنا بين الذاتي و المجتمعي ...

ونقرأ لها في نص " على خد الحرف " / الصفحة 47

قبلة واحدة على خد الحرف
تكفي
ليرش حرفي " شانيل " أنوثته من محابر
المداد
تكفي
ليقضم حرفي حبل المسافات
ليجتاح المسافات
ليجتاح المدى
ليقطع وريد البعاد .
قبلة واحدة على خد الحرف تكفي

يطبع فلسفة الرمز عند الشاعرة الإبهام الذي لا يُربك ولا ينفر المتقي ، وإنما يجذبه ليدخل طقوس القصيدة ...فبعض القصائد تبدأ واقعية ، ثم تنتهي رمزية وجودية ..

ستغادر حروفي البرك الراكدة .
ستجلس على حافة جدول رقراق
تشرب قهوتها
تنفث سجارتها .
وتضاهي قصائدك التي ترمي لها
طعم الغواية .

الرمز الشعري إذن يحضر المعنى بطبيعة تتعدد أوجهها ، حيث تخضع للتأويل ( تحكما وضبطا ) ، أي يتحكم في توجيه  مآلاته الدلالية . يلعب الرمز في بعض نصوص ديوان ثلاثة أرباع قلب " دور رابط ووسيط الذي ينظم الخيال والانزياح  والصورة الشعرية
يقول أدونيس :" ... بعيدا عن تخوم القصيدة ، بعيدا عن نصها المباشر ، لا يكون رمزا. الرمز هو ما يتيح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص . فالرمز هو قبل كل شيء معنى خفي وإيحائي ، إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة ، أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة . إنه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له ، لذلك هو إضاءة للوجود المعتم واندفاع صوب الجوهر ..." (8 )

2 - تكنيك الرمزية وهواجس الكتابة :

اتخذت الشاعرة لنفسها هواجس للكتابة ، فبعض القصائد في ديوانها " ثلاثة أرباع قلب " تبدأ واقعية وتنتهي رومانسية ، وأخرى تبدأ رومانسية وتنتهي وجودية أو واقعية ، هو تكنيك شاعرة متمردة على صيغة التدوينة الواحدة ، أو انتظامها في سياقات كتابية وحيدة تتموقع داخلها ، إن كتاباتها لا تختارها مسبقا ، أي كيف ينبغي أن تكون ، وبهذا فهي لا تخضعها لخريطة طريق ، فعمق العملية الإبداعية عندها  سيرورة للكتابة .

تقول الشاعرة في نص " رغما عني " الصفحة 39

لن أقول أن المشوار مضن
لن أصدق أن الطائرة نفذ وقودها
والمطار بعيد عني .
السفينة ستجد المرفأ
سأحتفي بالوصول
بيني وبيني .
من قال لست حائرة
بين شوقي وظني
لن أخنق فرحة قلبي
وقد كان يأمل يوما أن يغني

لقد ابتدعت الثقافة الذكورية المتسلطة في مجتمعاتنا العربية دونية المرأة ، فخلقت ما سمي بالأدب النسوي . في الإبداع لا يعنينا في النظرية الذرائعية جنس صاحبه ( ذكر أو أنثى أو عمره … ) .فالكتابة هي الكتابة ، والنص هو النص ، والمحك الحقيقي للحكم عليه هو محك جمالي .
إن وظيفة فلسفة الرمز عند الشاعرة في قصيدتها ليس محاكاة للواقع رغبة في تجميله ، بل وظيفتها تعريته ورؤيته من الداخل ( سأستورد كلمات من لغة موليير / سأستورد من لغات ليست من شأني / لن أعود لسجني / سأعيش الحياة / كنت قبلها مت أو كأني ) . الشعر قادر على فتح طرقات جديدة وآفاق تسألنا وتسائلنا . يقول "عبدالعزيز حنان " حول التجربة الشعرية لسعاد بازي  : "... كتابة نسائية تتجاوز  التصنيف . و لولا بعض الإشارات الطفيفة لما أمكن التمييز هل الكتابة لامرأة أو لرجل ، ويمكن تقسم هذا الصنف المنفلت من التصنيف إلى نوعين :
-  نوع تعمد اختيار هذا المسار بدعوى تكسير الطابوهات و الارتقاء إلى تحطيم كل الفوارق الوهمية حسب قناعاتها و الدخول فيما يسمى – الحداثة – بكل جرأة و الانتصار لمبادئ التقدمية بكل شعاراتها . و هذه الكتابة نجد فيها إغراقا في تمثُّل النماذج الغربية ( مثلها مثل الرجل في مرحلة ما بعد صدمة الحداثة كما يعبر عنها أدونيس في الجزء الثالث من مؤلفه الثابت و المتحول ) . فكان المضمون يغلب على الجانب الإبداعي حيث تأتي الكثير من الكتابات على شكل بيانات .
-  نوع استلهم الانتماء الإنساني كمدخل لكتابه فكان هذا الوعي بالانتماء مدخلا للكتابة و الإبداع . فعبّر بإبداع متميز عن هذا الانتماء و كان إضافة نوعية للإبداع الإنساني بلمسة تتجاوز الارتكان للنوع ... ( 9 )

سابعا : الانزياح / نظرية التقابلات الرياضية في ديوان " ثلاثة أرباع قلب " .

والانزياح الشعري يمتاز عن غيره من أشكال الانزياحات الأخرى ، في كونه يحقق قيمة جمالية ، ترتبط ارتباط مباشراً بالدلالة وفواعلها النشطة ، ولهذا يرى البعض " أن التعرف على المعنى يتأتى من بيان الموقف الذي يقال فيه الكلام ، وآخرون يحددونه بمجاورة الكلمة لغيرها من الكلمات في السياق ؛ في حين أن المعنى يتولد – بفعل الخرق للاستعمال العادي للغة ، هذا الخرق الذي يشحن اللغة أو الخطاب الشعري الشعري بطاقات أسلوبية جمالية تحدث تأثيراً خاصاً في المتلقي ؛ وهو ما نجده في الفنون الأدبية كالشعر مثلاً ، أي لا يهتم الشاعر في حديثه بالحقيقة بقدر ما يهتم بإدخال البهجة في نفس المتلقي ، فينتج عن هذا انزياح لغوي ، واضح تتراوح معه الدلالة من معنى إلى آخر ، باعتبار أن الكلام هو تحقيق لهذه اللغة فقد ساعد على حصر مجال الأسلوبية بالبحث في العبارة ، أو النص ، أو الرسالة ، أو الخطاب ، لأجل تقصي الأثر الذي تتركه في نفس المتلقي ؛ هذا الأثر الذي يختلف في كل مرة استناداً لمقام استعماله ، ما ينجر عنه عدول تركيبي لغوي يعدل معه المعنى. وتتحقق معه الصفة الإنسانية للغة ؛ باعتبار أن الإنسان في جهد دائم لتطوير لغته ؛ لأن هذا الثراء الدلالي يكسب اللغة قيمتها هذا بالإضافة إلى خصائص أخرى تتميز بها اللغة ... " ( 10 )

تقول الشاعرة في قصيدة " ثلاثة أرباع قلب " الصفحة  : 27

ثلاثة الأرباع لك
والربع لي عنك ممنوع
ثلاثة الأرباع لك
الربع لي حق مشروع
سأترك لك فرصة الرجوع
لا أريد خسارتك
قد يعيدك الفضول
لشبر أغوار الممنوع
قد تعرج غرب الحكاية
قد تغمرك رمال تلك الصحراء
جنوبا بلا نهاية

نؤكد على أن الانزياح التقابلي الرياضي متجذر في الفكر البشري ، فنجدها جسمت في أشكال هندسية تدعى بالمربع المنطقي ، وهذا الأشكال الهندسية كان لها دور كبير في تعيين مواقع الحدود ، وطبيعة العلاقات فيما بينها . والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل عرف الشعر العربي التقابلات الهندسية أو تقابلات رياضية  (( قصائد تتخذ شكل رسوم هندسية ) أو انزياحات لتقابلات رياضية ؟؟ ))

قد تستيقظ شرق الكحلية
كل الاتجاهات مفتوحة
مشرعة أبواب الغواية
معذور
لأنك لم تمسك خيط البداية
سيبقى الربع مواريا
أكسر به هر الملل بهذه الحكاية
من يدري ؟
قظ تعود من جديد
لن يكون غيرك بطلا للرواية

ليس غريبا أن تعيش انزياحات في بعض نصوص ديوان " ثلاثة أرباع قلب " على حافة القلق المتحرك ، وعلى حافة التناقضات المتصارعة من أجل الملموس الكوني الوجود البعيد المنال ، فالحيرة مشروعة وهي مجال تأمل ، والحزن يعقبه التفاؤل ( طوق الوفاء بمن يليق ؟ / يليق بك / أنت من يخفض جناح الحب / أمام العناد / الذي لا يبر حني / إلا ليسكنني / طوق الوفاء بمن يليق ؟ / ص 44 )  ....
يقول جون كوهن : " .. الأسلوب هو كل ما ليس شائعًا ولا عاديًّا ولا مَصُوغًا في قوالبَ مستهلكة...، هو مجاوزة بالقياس إلى المستوى العادي ، فهو إذًا خطأٌ مُراد ...". (11 )
ومن أكثر التعريفات الواردة  تعريف فاليري، الذي قال: " إن الأسلوب في جوهره انحراف عن قاعدةٍ ما ". ( 11 نفسه )
يرى ريفاتير أن الانزياح : " ...يكون خرقًا للقواعد حينا، ولجوءا إلى ما ندر حينا آخر، فأما في حالته الأولى، فهو من مشمولات علم البلاغة، فيقتضي إذًا تقييما بالاعتماد على أحكامٍ معيارية، وأما في صورته الثانية، فالبحث فيه من مقتضيات اللسانيات عامة، والأسلوبية خاصة ... " ( 12 )

تقول الشاعرة في نص " أنا غائمة " الصفحة : 20

غائمة فوق المعتاد
لن أنثر ورودا على حافة الطرقات التي
لم تضع ختما بجواز جنوبي
لن أهجع لمقعد بذاك القلب الذي
يرفض سهودي
يتبرم من صمتي
غائمة أنا دون أن أمطر
سأمطر قطنا
أضعه بأذني
أريدني " بيتهوفن"
في هذا الزمن النشاز

انزياحات تشد من أزر الشاعرة ، وتضيء لحظات سأمها ويأسها وفرحها وسعادتها ، تحدد وصفاتها من خلال ترابط كلي ، تتوغل فيه اﻷحاسيس ، وفي الاستبطان الحلم الذي تستشعر فيه الشاعرة الحاضر ، ليسلك بنا طريقا حلزونيا نحو الماضي . من منطلق ان البداية متوهمة ،  والنهاية محتملة من خلال عناصر دلالية متداخلة مشدودة إلى تمثل الماضي واستشراف المستقبل ...

غائمة أنا ألوك حروف عتاب أبله
لبس كسوة أقسى من احتمالي
شجرة احتمالي لن تورق بعده
غصيناتها مثقلة بتمائم بحروف النداء
وعلامات استفهام عن عوانس البلد
نسيت أن تخضب أكفها بالحناء
نسيت أن تمنطق خصرها
بحزام عيد دون غصة
غائمة أنا ( ص : 21 )

إن أفضل فائدة للانزياح هي حفظ اﻷفكار ، بحيث يكون الفكر داخل كلمات النص متجليا من خلال علامات ودلالات ورموز ... واللغة من حيث هي لسان لا تتحقق إلا في شكل مؤسسة اجتماعية تتخذ شكل نسق من العلامات والرموز ، ومن هنا لا يمكن للمبدع أن يكتب نصوصا من خارج وجود مجتمعي ( لازالت ذاكرتي تأخذ سلة للتبضع / تتبضع كل ليلة حلما للوقاية من الجنون / تتبضع حلما أراك فيه / مرابضا فوق صخرة الصبر / بانتظار عودتي من رحلة الحياة / فاشلة كنت أم مظفرة / أنا لازلت مبعثرة / ص 44 ) .

ثامنا -  فلسفة الخيال في ديوان ثلاثة أرباع قلب :

ينشطر العقل إلى محتويين ، وهما الأفكار ويقابلها العقل ، والأفكارويقابلها الخيال ، وما يميز الشاعر الإنسان عن غيره هو ما يتمتع به من رد فعل طبيعي يأخذ مسلكين : من الواقع إلى الخيال ، ومن الخيال إلى الواقع ، الشاعر مستجيب للأحداث التي تؤثر في أحاسيسه . وتلعب فلسفة الخيال في غالب الأمر دورا كبيرا في دعم الانسجام والتوازن وربطهما بالبعد الانفعالي عند الشاعر الإنسان . يقول الدكتور " عبدالرحيم الساعدي : " ... علينا الاعتراف انه لا توجد امة لا تتمتع بخيال ما ، واذا قدمت هذه الأمة حضارة ما ، فذلك يعني ان خيالها على مستوى الأفراد والمجتمع انما هو خيال فعال ومتميز وراق، اما التي لم تقدم فافتقرت الى الشروط التنموية للابتكار والعلم ... " ( 13 )

تقول الشاعرة في نص " ها قد عاد ذاك التمرد " الصفحة 73

ها قد عاد ذاك التمرد يدب في أوصالي
أريد حفنة عزلة
شبر مسافة
لن أضع يدي في يد الآخر
الآخر كله أغلال
اريد حفنة خلاص
أريد تضليل الحزن
وأنا أراه حاملا عباءته
ينوي أن يلفني بها
من شمالي إلى جنوبي
أريد حفنة عزلة
أنوي تصفية مؤسسة الهواء
أنوي تهريب مياه النهر
إلى قنوات للتصفية
سأسقي مساحات بقلبي

تغمر الشاعرة القوة والحماسية لممارسة الخيال بفاعلية ، وبنفس متجدد من سطر إلى آخر ، فممارسة الحياة دون خيال واسع لا قيمة لها ، لأنه هو من يضفي مسحة جمالية وقيمية عليها ، وهو من يوسع أفق الانسان والوجود والحياة . الخيال رياضة عقلية وفكرية لا غنى للإنسان عنها ( حدثني نفسي عن نفسي / وجدتني أجهل أحوالي / متجردة مني / أحرقت جواز السفر / إلى متاهتي / ذاك الدخان / قد أتبع خيطه / الواهن / ليدلني على هويتي / ص 36 ) . فلسفية الخيال تثير الانفعال وتنظم الذات وتحفز الفرد على استعادة توازنه في الحياة ، وتحويل آلامه التي سببها له الواقع ألى مصدر قوة ( سأقول بعدها لقلبي : / عمت صباحا أيها القلب الذكي / لم تنبض في وأنا لست ذكية ؟ ص : 74 ) . إن قوة الخيال لا تكمن فقط إصدار انطباعات بل كذلك في إعادة صياغتها وتجسيدها ، وهذا ما يجعل الخيال انطباعا وتفكيرا في الآن نفسه . إن علاقة الإنسان بالأشياء الخارجية هي مصدر إما متعة أو ألم . لكن الشاعرة في خيالها تعطي قيمة للوجود وتحوله صورة مورفولوجية تركيبية ذات أبعاد جمالية .

تقول في نص " ذلك الصمت " / الصفحة : 37
ذلك الصمت
ملاذ مؤقت
لا لم أكن صامتة
كنت أصغي
كنت أحلق
كنت أسبح في جدل كزبد البحر
أسبح في مقامات الصخب
وأعود لشط الهدوء
ذلك الصمت
ملاذي المؤقت
لا لم أكن صامتة
كنت صحبة ذلك الغائب حتى يعود

ترتكز فلسفة الخيال عند الشاعرة في قصيدتها على التواشح والتقارب الموجود بين البشر ، الذي يقتضي الرأفة بالآخرين ، والعطف عليهم ، والتعبير عن آلامهم ، والإحساس بما يحسون ، فمنطق الخيال هو منطق الأخلاق والأعراف ، ويكتسي الخيال كذلك طابعا اجتماعيا بحكم اندماج الفرد في النسيج الاجتماعي الذي يطبع على قلبه أحاسيس متنوعة ومختلفة منها العدالة ، والحب .... ( كنت صحبة ذاك الغائب حتى يعود / كنت بانتظار إزاحة الستائر القاتمة / لأفتح نافذتي على شجر الليمون الأصفر / وذاك العشب البري الأخضر / سيعود أوان النور / لصوتي المخدوش شوقا / ص : 38 )
الخيال يزيد من التدفق العاطفي ، ويؤجج لغة الشعر وأثره وقيمته ، فالشاعرة تمتاز بالتعبير  عن عواطفها من خلال عملية للخيال ، وتكييف للصور الذهنية مع الافكار والعواطف في شكل إعادة للصياغة . فهذه الطريقة في التعبير تغدو فيها الشاعرة العنصر الأساس الذي يخلق عالم المتعة .
فالشعر ينبع من روح خيال الشاعرة المشبع بطاقاتها الخلاقة المحاكية لصور العالم الخارجي ، وهنا يصبح الشعر عند الشاعرة ليس شكليا أو محاكاة كما هو الحال عند أرسطو ، ...بل إن فعل الخيال في الشعر وازع داخل الشاعر من العواطف و والرغبات ، فيسعى هذا الوازع للتعبير عن نفسه أو عن محيطه ، أو هو الدافع القسري للمخيلة الخلاقة التي تشبه الشاعر نفسه ، في أنها تمتلك منبعها الداخلي للفعالية ، أي التعبير بصدق عن العواطف والقدرات العقلية..

تاسعا  - خاتمة :

ونختم دراستنا النقدية المستقطعة بمقتطف من رأي الذرائعية في عمق النص الأدبي بالانزياح نحو الرمز والخيال بالمنظور القرآني والعلمي وهو كما يلي :" وقبل أن ندخل هذا الخضم الجنسي الأدبي المضمّخ بالخيال ، الذي يفوق الواقع روعة وبناء ، ولو أطلق العنان لكاميرات وريَش الرسامين من الأولين والآخرين في هذا العالم ، لما استطاعوا الإحاطة بعظمته واتساعه ، فالخيال عالم واسع يشمل ما أبدع الله في عوالمه ، ولم تصله يد أو عين مخلوق في الواقع بشكل ملموس ، هو تصوّر بمنظور ميتافيزيقي لحوادث وبنى ومخلوقات لا تسكن الواقع ولا تشبه محتواه الحركي والبنائي ، وتشكّل رؤيتها إثارة وانبهارًا لسكان عالم الواقع ، وتلك التصوّرات لا تسكن إلا العقل البشري ذا الأفق الواسع ،  وأعني به الأديب ،  وهذا التصور هو إطلاق العنان للعقل البشري بالسفر والتفكير في مجالات لا يقبلها الواقع لكونها ضرب من ضروب المستحيل ، لكنّ تلك الأفكار والتصورات تكون شرعيّة ومقبولة في حقل الأدب ، وتعد عمقًا أدبيًّا محمودًا ، يشكل في جميع مستوياته الدنيا والعليا ، مجالًا أدبيًا أو فنيًا ، يجسد من خلالها عناصر اللذة والتشوق ، حين تبثّ فيه الروح والحركة وقد تحدث تلك التصورات في الواقع المعاصر ، على سبيل المثال : كان القمر حلمًا من أحلام العشاق قبل قرن تقريبًا ، لكن عملية الوصول إليه جعلته ينتقل من الخيال إلى الواقع.... و(الموبايل) كان حلمًا أن تتصل بشخص من أي مكان كان فوق الأرض أو تحت أعماقها أو محلقًا في السماء ، وصار واقعًا ملموسًا ولعبة بيد الاطفال ، إذًا الخيال هو كل شيء يحلم به الإنسان ولا يستطيع بلوغه في الواقع المرئي والملموس ، فوظیفة اللغة في حیاة الإنسان لا تنحصر ببساطة في الدور التواصلي فالإنسان كیان معقد جدا تتفاعل في داخله المشاعر والأفكار والأحلام والعواطف ویرید أن یخرجها للوجود تعبیراً  لغویا یتمثّل ذلك كلّه ، ولكنه یفاجأ بمحدودیة أدواتها وطاقتها اللفظیة فتضطر اللغة إلى التمسك بالخیال محاولة لاستمداد القوة منه لتستطیع تحمّل العبء التعبیري الثقیل الذي یحمّلها إیاه الإنسان([1]) ، فوسيلة الانتقال عبر الزمن كثيرًا ما تشغل بال الإنسان وخياله في عبور آفاق الزمن على أجنحة التأمل الممزوج بالتطورات والمكتسبات العلمية ، وأحيانًا تكون التصورات قريبة على الواقع الإنساني ،  كتصوّرات المعوزين لحاجات لم يمتلكها إلّا الأغنياء ، وتصورات أخرى تخصّ العدل والحياة لم تسكن الواقع إلّا مرة أو مرتين مثل المدينة الفاضلة ، التي تعد ضربًا من ضروب الخيال السياسي لم يتحقّق قط في أي عصر مضى ، لكن ربما سيأتي يوم ونرى الانتقال عبر الزمن ،  وفي المدينة الفاضلة بالذات ، والتي حلم بها الفارابي ، و قد يتحقق حلمه فعلًا ، حين تتوفّر ظروف هذا الحلم في الواقع ، كما توفّرت ظروف من سبقه من الأحلام الخيالية التي أصبحت واقعًا ملموسًا.... "

المراجع والمصادر

1 – محمد ويس، الانزياح من خلال الدراسات الأسلوبية، المؤسسة الجامعية للدراسات، 2005، ص 82.
2 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي وعبير يحيي الخالدي
3 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
4 - ) باب المساواة في الإرث / ا بن الأزرق الأنجري / هسبريس 7 / 2 / 2019 .
5 – ويكليبيديا
6 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
7 - حني، عبد اللطيف- شعرية الانزياح وبلاغة الإدهاش في الخطاب الشعري الشعبي الجزائري، ص 23
8 - بخولة بن الدين- الانزياح الدلالي وأثره في تطور اللغة، جامعة حسيبة بن علي الجزائر، ص 81 و 82
9 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
10 - السد، نور الدين، 1997- الأسلوبية وتحليل الخطاب، ج1/ الجزائر، دار هومة، ص179.
11 - إسماعيل شكري، نقد مفهوم الانزياح، مجلة فكر ونقد، العدد 23، نونبر 1999.
12 - عبدالسلام المسدي، الأسلوب والأسلوبية، الدار العربية للكتاب، ط3، 103.
13 - ( كتاب فلسفة الخيال / د. رحيم الساعدي، استاذ الفلسفة الاسلامية المساعد في كلية الآداب ـ الجامعة المستنصرية ص : 83
14 - محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي
15 -  دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
16- الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي

السبت، 12 سبتمبر 2020

عبدالرحمان ‏الصوفي ‏

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لرواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " ل " المصطفى الزواوي "
عنوان الدراسة : المظاهر السردية وعنف الزمن الكوروني في رواية " الجسد الجريح في  زمن كورونا " .
الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة من إعداد : عبدالرحمان الصوفي / المغرب .

أولا - التقديم :

منح الحجر الصحي فرصة للكثير من الكتاب لجمع شتات أفكارهم وتدوينها ، حيث أصبحت أحلام اليقظة مصدرا للأفكار الواعدة والخلاقة . كما أن قضاء وقت طويل في المنزل يصيب الإنسان بالملل الذي يمهد لشرود ذهني يساعد ويسمح للخيال بأن يحلق في عالم التأمل لابتكار و صياغة أفكار جديدة ، لأن التفكير هو عملية ذهنية تحدث عند المبدع حين يكون متفرغا وغير منشغل بإنتاج آخر . والمعروف في تاريخ الأدب الإنساني أن الأزمات تولد الإبداع ، أي أن الإبداع يصير السبيل الأوحد لمواجهة الأزمات بمختلف تجلياتها سواء سياسية او اقتصادية أو اجتماعية ... خلال الكثير من الأزمات التاريخية حدث زلزال في الذات الإنسانية ، فولد عصفا ذهنيا عند الجماعات والأفراد ، صار فيها الإبداع هو الملاذ والحل الأمثل لتخليص الناس من الأزمة .
لقد كان الأدب دوما مرافقا للبشرية في كل أزماتها ، وأزمنتها الحضارية عبر مد العصور ، يسجل طموحاتها ، ويؤرخ لمعاناتها وأفراحها ، ويستشرف مستقبلها ، ويرصد أحلامها ، ظل مرآة لما عاشه وعايشه الإنسان من اضطراب وفوضى داخلية أو خارجية ، ولذلك كان الأدب ، شعرا ورواية ومسرحا وقصة وغيرها ، دوما رفيقا لمعاناة الإنسان .
لقد اشتهرت الرواية خصوصا بتعاطيها مع ما أصاب الإنسان من كوارث وأحداث ، خاصة تلك المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية ، منها روايات عالجت مأساة الإنسانية ومعاناتها وحربها ضد أوبئة فتاكة قهرته ، وحصدت الملايين من الأرواح ، نذكر منها " حكايات كانتريري " ،  التي كتبها جيفري تشوسر ( وباء الطاعون ) ، ورواية " دفتر أحوال عام الطاعون " التي كتبها الإنجليزي دانييل ديفو ، ورواية " حصان شاحب ، فارس شاحب "التي أصدرتها الروائية الأمريكية كاثرين آن بورتر وروايات أخرى كثيرة أشهرها " الحب زمن الكوليرا . في هذا السياق نطرح الأسئلة التالية :
-  هل هناك إبداع زمن أزمة كورونا ؟
-  وهل يمكن أن بكون هذا الإبداع زمن كورونا إبداع لمواجهة الأزمة ؟
-  وهل الأدب زمن كورونا يساهم في إدارة الأزمة ؟
هذه الأسئلة وغيرها ستكون  موضوع دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة  .

ثانيا – توطئة :

يقول عبدالرزاق عودة الغالبي في أهمية المكان والرمز في العمل الروائي السردي ما يلي :
" ... الروي هو انعكاس لعالم لغوي للحياة فوق مساحات الأوراق يشيّده الروائي المتـأرجح بين الواقع والخيال ، فيجعل العالم يتضمّن كلّ المشاعر والتصوّرات التي تستطيع اللغة التعبير عنها ، ويثبت براعته الفكرية في تلك الساحات ، رغم أن المكان في الرواية ليس هو المكان الطبيعي أو الموضوعي ، وإنما هو مكان يخلقه الأديب بمزج مدروس بين الحقيقة والخيال ، فالمكان في النص الروائي مكان متخيَّل ممزوج ببناء لغوي ترفعه الكلمات والتعابير انصياعًا  لأغراض التخييل وحاجته ، فهو نتاج مجموعة من الأساليب اللغوية المختلفة في النص ، والتي تعكس براعة النصّاص في صناعتها، من ذلك نستنتج أن عبقرية الأدب تكمن في حيّزه السردي المدروس فكريًّا وجماليًّا ولغويًّا ، لذلك يكتسب المكان في الرواية أهمية كبيرة ،  لأنّه أحد عناصرها الفنية التي تجري فيه الأحداث ،  وتتحرّك من خلاله الشخصيات....([1])
فيستخدم الروائي الوصف ، ويبذل قصارى الجهد لإثبات إمكانيّته أن يجعل المتلقي يرى الأشياء أكثر وضوحًا وجمالًا من خلال الوصف الذي يخلق فيه فضاءات روائية مشوّقة يقتنص فيها المتلقي لقراءة الأشياء في مظهرها الحسي الموجودة عليه في العالم الخارجي، فالوصف يقدّم الأشياء للعيان بصورة أمينة تحرص على نقل المنظور الخارجي بشكل أدقّ وأوضح ...." ( 1 ) / الصفحة : 102

ثالثا - المدخل البصري لرواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " .

رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " (2 ) رواية جديدة للروائي " المصطفى الزواوي " ، تتألف من ثلاثة فصول توثق لجائحة كورونا ، التي اجتاحت العالم مطلع السنة الجارية ، وغيرت معالم الحياة على كوكب الأرض  .
الرواية من الحجم المتوسط تضم ثلاثة فصول ، غير معنونة . الفصل الأول يمتد من الوحدة السردية ( 1 ) إلى الوحدة السردية ( 7 ) ( الصفحة 74 ) .
الفصل الثاني / الصفحة (  75 )  تتوسطها  لوحة لفيروس كورونا وقد أصابت جسدا إنسانيا  ، ثم يبدأ من الوحدة السردية  ( 8 )  إلى الوحدة السردية ( 14 ) /الصفحة 136 . الفصل الثالث / الصفحة ( 137 )  تتوسطه صورة بالأبيض والأسود لفيروس كورونا منتشرا  في جميع ارجاء الكرة الأرضية ، يمتد الفصل الثالث من الوحدة السردية ( 15 ) إلى الوحدة السردية ( 21 ) /  ( الصفحة 200 .
الواجهة  الأمامية لغلاف الرواية تتوسطها لوحة تشكيلية من إبداع " محمد الرجاوي " . أما الواجهة الخلفية للغلاف فتضم صورة المؤلف وسيرته الذاتية ، إلى جانب اختيار قرائي  من الرواية ، وهو كما ما يلي : " شهد العالم منذ دجنبر 2019 اجتاح فيروس كورونا " كوفيد 19 " انطلاقا من وهان الصينية التي احتجز فيها التاجر رشيد المتزوج بصينية من نفس المدينة واضطر إلى مغادرتها بسبب الحجر الصحي ، الذي فرض بسبب انتشار الوباء في العالم ...
في ظل هذه الجائحة كلف المحقق اسحاق بإنجاز تحقيقات ودراسات على تطور الفيروس والوباء ، وما فرض على الجسد الجريح به ... منه من أصيب به ونجا من الموت زمنه من لقي حتفه ...بسبب هذا الوباء ارتسمت خريطة عالم جديد وتصورات جديدة للعام ...قضي على الفيروس أم لا ... سيظل الجسد القوي والمانع أو الجريح الهش في مواجهة دائمة لخطر الوباء بعد كل فترة من الزمن..." .

رابعا - السيرة الذاتية للمؤلف " المصطفى الزواوي "   :

-  أستاذ علم النفس وعلم الاجتماع والتواصل سابقا .
-  كاتب صحفي في جرائد وطنية ودولية ومدير نشر ورئيس تحرير جريدة جهوية  .
-  صدر له كتاب " الرياضة ورهانات التنمية البشرية سنة 2019 .
- مخرج فيلم وثائقي حول " أوصيكا ورهانات فوسفاط  آخر " / حائز على جائزة المجمع الشريف للفوسفاط  بالمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمدينة خريبكة  سنة  2017 .
-  منشط سوسيو - ثقافي  .

خامسا – العتبة / العنوان  : الجسد الجريح في زمن كورونا :

إن العنونة تتبدى في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " بإيحائيتها وانفتاحها على التأويل ، وابتعادها عن المباشرة ، وارتباطها دلاليا بسياق المتن الروائي ومرجعياته ، وهي بذلك تشير إلى وعي مسبق بأهمية العنوان ، ووظيفته في إغواء القارئ ، وشد انتباهه وإثارة مخيلته . وهذا ما تحاول معظم استراتيجيات العنونة الروائية تحقيقه . ( لكن هل منشأ هذا الفيروس بشري أم طبيعي ...؟ هل يرضى أن يدمر الإنسان أخله الإنسان من لحمه ودمه والعودة بنا إلى بداية الإنسانية وما شهدته من وحشية وسيادة قانون الغاب ..؟ هل الظاهرة من صنع ذوي الرأسمال والنفوذ العالمي بهدف إخضاع الذوات الأخرى المستضعفة بالتالي ترسيخ الهيمنة وكسب أرباح طائلة من خلال بيع اللقاحات ..؟ ) ( 3 ) الصفحة ( 7 و 8 ) .
إن استراتيجية العنونة في الرواية مشحونة بضغوطات عنف الحجر الصحي زمن الجائحة .
فمعظم الأخصائيين في الصحة النفسية يؤكدون أن الحجر الصحي الذي فرض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا ، ليس أمرا سهلا ، ولا موضوعا يستهان به ، إذ أنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد الحريات الفردية ، وهذا الوضع يتسبب بمشاكل نفسية للإنسان عبر أرجاء المعمورة  .

سادسا - الوظائف السردية وعنف الزمن الكوروني في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " .

تعد الأزمات التي تمر منها الإنسانية فرصة حقيقية قادرة على تغيير كل المظاهر السلبية في مختلف المجالات وتحويلها إلى أفضل إيجابي ، ونقصد أن  الابتكار والإبداع متخفية وعلى شكل أزمة ، وعادة تكون كلمة السر الوحيدة وقت الأزمات هي الإبداع ، رغبة في التخلص من كل سلبي تقليدي أوجد وقاد البشرية نحو الأزمة . إن الإبداع والتفكير الجماعي هما السبيل لتجاوز كل أزمة  .
أن الانفتاح على المستقبل هو من بين مقومات شخصية القرن الواحد والعشرين ، وفي ظل الأزمة التي يعيشها العالم خلال هذه الفترة بعد تفشي جائحة كورونا ، تواصل كل الجهات البحثية عبر العالم  ، ومعاملها المركزية الليل بالنهار ،  للخروج بالحلول الإبداعية التي تُساعد في التخلص والخروج  من هذه الأزمة . والرواية واحدة من مجلات الإبداع التي تمثل عنصر الحياة الراغب التجديد والتجدد  .

1 - الفصل الأول : تحولات اللعبة السردية / بين العلامات النصية  والوحدات السردية :

تكشف مجموعة أحداث السرد في الرواية ( الفصل الأول من 1 إلى 7 ) ، عن مستوى حجم التغيير والاختلاف زمن الجائحة ( الجسد الجريح ) ، فتنفتح الوحدات السردية على  لحظات الأمل والحلم والحكي ، تتصارع مع اختلاجات ذائقتها ، اقترابا باختلاف موضوعات الحكايا المنتقاة ، فالعلاقة بين أنا الشخصية وفضاء المكان والذاكرة في الرواية ، هي علاقة الكل بالجزء ( عاد مباشرة بحماسة زائدة من المقهى معرجا على "المارشي " متوجها إلى منزلهم القديم ... ) ، ذلك لأن الفضاء المكاني صار يتسع ويترابط سابقه بلاحقه ( تسلسل الأحداث ) ( ... قبل أن أتزوج بفتاة صينية والدها صاحب وحدة إنتاجية للسيارات في مدينة " ووهان " ...) ، أي أن القائم بالسرد يعرف اعتقادات القارئ ، ويوجه السرد حسب متطاباته ، فتتوضح حدود هذه الذاكرة فتشكل ابعادا جوهرية مؤلفة مزيدا من الإيحاءات والثغرات التبئيرية بكل وصلة ما من وصلات الآصرة المكانية والذاتية لدى الشخصية البطل اسحاق ومساعده رشيد  .
يقول عبدالفتاح كيليطو : " ...إذا سلمنا بأن السرد ، كالسياسة والصدفة ، لعبة ، وجب علينا أن نبحث عن القواعد التي يخضع لها ، إن كانت هناك قواعد اللعب بصورة جلية وصريحة ، بينما يكاد القائم بالسرد والقارئ يجهلان قواعد السرد أو لا يعرفانها إلا بصفة ضمنية غامضة لا تتعدى مرحلة الإحساس المبهم ، وفرق أن تحس بوجود قاعدة وبين أن تعمل عنها بكيفية واضحة ..." ( 4 )
نقرأ في الفصل الأول من الرواية ، الصفحة 34 /  : ( ...  " وأخيرا رشيد أرسل لي عدة ملفات .. ، وضع الكتاب جانبا ، متشوقا ، بدأ في تصفح الإرساليات ، جمل الملف الأول ، فتحه قائلا في نفسه :
-  هذا يتعلق بكتاب معنون هو الآخر بالفرنسية وكأن الغرب وحده من بهتم بالبحث والتأليف في هذا المجال ، قرأ عنوانا مثيرا :
- تقرير جديد لوكالة الاستخبارات الأمريكية كاتبه ، ألكسندر رايس : " le nouveau rapport de la
CIA" ،
موصيا بقراءة بعض الصفحات بعينها ...
فتح الملف وسط دهشة لا نظير لها متسائلا ومتلهفا ذهب مباشرة إلى الصفحة : 203 قرأ باستغراب :
-  حوالي 2020 ، بقدر ما يرتدي الأشخاص بكثرة الكمامات في الشارع العام خوفا من الإصابة بمرض يصيب الرئة .. ، سيصبحون أكثر مقاومة لأي علاج .. ومع أن هذا المرض يبدو أكثر إحباطا لما يزرع الرعب في النفوس في فصل الشتاء سبزول ، لكن سيعود بعد عقد من الزمن ويرمي بالباحثين في دوامة المجهول حول أسبابه وكيفية علاجه ... " ) .
تتدرج العلاقات السردية في العلامات النصية في الرواية أفقيا وعموديا ، عبر عشرات التفاصيل والأحداث الرئيسية والوقائع الثانوية و الجزئية ، المنفتحة والمنقادة استجابة لاشعورية متموقعة في مسرود ذات الشخوص في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " ، فيما يبقى الرصد التصويري للروائي يتشكل بتلقائية في الرواية ، مقترنا بواقع الحجر الصحي ، الذي يظهر ويحضر البطل اسحاق ومساعده رشيد " ، ويظهر كذلك المظاهر السرية ( تحقيقات وتقارير )  ( أهلا أخي إسحاق ، دائما نفس " المونتو " الشبيه بالمحقق " كولومبو " ... ) الصفحة 5
أما " محمد الورداشي "  فيقول في تعريفه لتداخل المظاهر السردية في الرواية  :" ...هو نقل مجموعة من الأحداث من صميم الواقع أو نسج الخيال أو منهما معا، في إطار زماني ومكاني محدد بحبكة فنية متقنة، أي الأحداث لا بد أن تكون محددة في الزمكان، وأن سرد هذه الأحداث لا يكون اعتباطيا أو عبثيا ، بل يستند إلى سلسلة من القواعد الناظمة لسير الأحداث. وغياب هذه القواعد سيجعلنا أمام سلسلة أحداث تملأ مساحة فضائية فقط، وغير قادرة على صنع نص سردي منسجم...." ( 5 ) .
أما علاقة السرد بعنف الزمن الكوروني / زمن الجائحة في الرواية فهي متداخلة ومتشابكة ، وهي تتشابه بمظاهر السردية في الروايات التي كتبت زمن الأوبئة ، مع الاختلاف في قوتها وشهرتها ، ونذكر من هؤلاء ما جسده  الكاتب الإنجليزي دانييل ديفو ، مؤلف ( روبنسون كروزو) ، من عنف لباء  الطاعون في روايته "صحيفة يوم الطاعون" ، فوصف فيها مشاهد الخوف والذعر التي انتاب الجميع إثر تفشي الطاعون ، وغيرها من الروايات الأخرى .
يمكننا القول أن المجال الثقافي والكتابة الأدبية في زمن كورونا ، بحاجة لمزيد من الوقت والمراقبة عن كثب ، لكي يتمكن الكتاب من تقييم الآثار التي ترتبت على إرغام الناس البقاء في بيوتهم ( الحجر الصحي - العزل الإجباري ) خاصة أنها تجارب إنسانية صعبة ، ستترك آثارا كبيرة على الإنتاجات الأدبية والفنية لهذه المرحلة البالغة الأهمية من التاريخ الحديث  .إن استرجاع الماضي في الفصل الأول من رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " يعد وجها من وجوه المفارقات الزمنية ( ربما " أركانة " تلك المقهى التي سبق لها أن انفجرت ..؟ / كيف تعرضت مراكش لحادثين إرهابيين ... / فكيف يتم إذن حدوث مثل هذا القتل الفظيع لقطعتين بشريتين من لحمنا ودمنا كبشر بطريقة الذبح من الوريد إلى الوريد على شاكلة نحر شاة أو إبل من العنق ..." .

2 - الفصل الثاني : المسرود العرضي وكسر وتيرة الزمن في رواية  " الجسد الجريح زمن كورونا "

تتبنى أحداث السرد في الفصل الثاني في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " مسرود عرضي نعاين من خلالها سرد الشخصية المشاركة ، لأحداث استباقية  من زمن الحكي . كما تحتل الشخصية موقعا مهما داخل بنية النص السردي ، فهي من تقود الأحداث وتنظم الأفعال ، وقد تكون رئيسة أو ثانوية أو عابرة ، ثم إنها ، فضلا عن ذلك ، تعتبر العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة الإحداثيات الشكلية الأخرى بما فيها عنصرا الزمان والمكان ، إذ يعدان ضروريين لنمو الخطاب السردي.
وقد نالت الشخصية في الرواية نصيبها من الدراسة ، إذ قدمت حولها أبحاث كثيرة عكست تطور مفهوم الشخصية الذي رافق تطور نظرة النقاد إلى الرواية ، والجدير بالذكر أن الرواية قد أولت اهتماما كبيرا للشخصية لا سيما لملامحها الخارجية وتصوير مظهرها بدقة , ( ... سيكون هذا الحدث ربما هو حدث السنة أو العقد الثاني من الألفية الثانية بامتياز ، وإذا ما صحت التوقعات سيخلق ثورة عالمية متعدد الأبعاد : اقتصاديا اجتماعيا سياسيا استراتجيا فكريا معلوماتيا ...لا غرو ستعصف بكل ما هو قديم وتشيد عالما جديدا بمنظومات جديدة فكريا وسلوكيا وقيميا .. ، ستكرس زعامة من له قوة الذكاء بكل أنواعه : الصناعي ، والاجتماعي ، والعلمي ، والمعرفي ، والذهني ..." الصفحة 81 و 82
تحكم في" المصطفى الزواوي " وتيرة الزمن من خلال منح شخوص روايته ذلك المد التدريجي الخاص من زمن تفاصيل حكايات وربورتاجات وتحقيقات ، نتعرف منها على  ملامح هوية الزمن المضمر والمعلن متمثلا في  ظلال أحداث الرواية ( زمن كورونا ) ، ومن هذا المنطلق بالذات يصير بمقدورنا أن نرى لوحات وإمكانيات التمثيل السردي على أساس التحول من حالة إلى  حالة أخرى في  رؤية الواقع الكوروني والواقع الروائي . ( ...غربت شمس شهر فبراير بتزايد الإصابات في عدد من دول العالم في في مقدمتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية ويم بعد دول عربية كما تبرزها عناوين الصحف الصادرة ... أمام هذا الوضع أصيب الإنسان بوسواس قهري تتجلى أعراضه في التتبع المرضي لما ينشر في القنوات الأجنبية والمحلية وفي الواتساب وشبكات التواصل الاجتماعي ...) الصفحة : ( 91 ) .
يحتوي كل نص سردي على مسرح تقع فيه الأحداث وتتسارع في ميدانه الواسع الأفكار والشخصيات . ويحتل المكان أهمية خاصة في تشكيل فضاء مسرح اللعبة السردية التي ترسم  مظاهره و أبعاده ، فهو يؤلف إطارا مكتوبا ومتفاعلا مع بقية العناصر البنائية الأخرى المكونة للرواية . والمكان لا يقتصر على كونه بعدا  هندسيا  ولكنه ،  فضلا عن ذلك ، نظام من العلاقات المجردة ، أي أنه يتحول وسطا حيويا تتجسد من خلاله حركات الشخصيات ، التي تنسج  مسارها الروائي  في شكل خط مزدوج متناقض ومتشابك ، وهذا ما يجعل الأحداث بدورها  متشابكة ومتداخلة ، وفي أحيان أخرى ، تبدو متنافرة متباعدة ، وهذا ما يقودنا  إلى القول أن البعد النفسي للمكان داخل النص الروائي في ( الفصل الثاني ) من الرواية . لقد  أصبح التركيز ( حاليا )  على المكان من جوانب الاستراتيجيات النصية  الملتحمة بالمظاهر السردية والتكنيك السردي عموما ، وهي المهمة التي تلجأ إليها الكتابات الجديدة في الرواية .  إن البعد النفسي هو أكثر الأبعاد المكانية حميمية وانتشارا .  تقول " الدليمي لطفية : " المكان الذي يثير نوعا ومقدارا من المشاعر تعاطفا أو تنافرا، قلما يستأثر باهتمام الكاتب وإضفاء الصيغة الشعورية عليه تبدأ لحظة اختياره مسرحا للعمل الفني..." ( 6 )
( ... حقا العزل سيطرح أيضا مشكل اللقاء مع الأقارب والأصدقاء وزيارة الفضاءات العمومية ... هذا الوباء اللعين سيشل حركة الجسد ... ) الصفحة ( 106 )
العوالم السردية هي  تمثيل بلاغي مضاعف ، ليس من غاياته الوصف المباشر ،  إنما الإيحاء ، والتلميح ، والترميز ... يقول عبدالرزاق عود الغالبي : " ... فالتصوير اللغوي إيحاءٌ لا نهائي يتجاوز الصور المرئية ،  لكونه صورة فنية تعمل كثمرة انتقاء وتهذيب للمادة المحسوسة ، المستمدة من الطبيعة أو من الحياة الإنسانيـة ، وغاية هذا الانتقاء هو إثارة التأثير أو الانفعـال الجمالي ، فوظيفة الكلمات في المحيط الخارجي لا تعدو أن تكون مجرّد إشارات لأشياء بعينها ، بيد أن وجودها داخل سياق النص الروائي يعطيها بعدًا  دلاليًّا  عميقًا ، حين تتعدّى هذه الكلمات كينونتها كإشارات باتجاه كونها رموزًا  ذات كثافة دلالية ، وهي بذلك تنتقل من معناها الدلالي المباشر إلى مستوى أعلى في الدلالة . وجدير بالذكر أن الكلمات تصبح رموزًا  في سياق النص الروائي حينما تكون موحية ،  وتوعز بمعان كثيرة ،  تلك المعاني التي يمكننا التوصّل إليها من طبيعة الكلمة ذاتها ،  ومن تكرارها داخل النص الروائي ،  ومن كيفية توظيفها في إطار الصورة الفنية ،  فضلًا  عن علاقتها ببقية عناصر الرواية من شخصيات وحدث وزمان … " ( 7 )

3 - الفصل الثالث : الكفاءة السردية في واقع الزمن المروي في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " :

أن مظاهر الكفاءة السردية تتجلى في الرواية  دون سواها من الأنواع الأدبية الأخرى ، لأن هذه الكفاءة السردية قادرة على استيعاب التجارب الإنسانية المختلفة والمتنوعة ذاتا وموضوعا ، فمن خلالها يتم تمثيل الهويات المتباينة ، التي تعبر  الحدود الثقافية لأرجاء المعمور  ، وهي تتخطّى اللغات ، والثقافات و ترافق أحوال الإنسان حيثما وجد ، فمرونتها توفّر لها القدرة على ذلك . (... اقترب من حاجز أمني اعتذر مؤجلا الحديث ... ضغط على الفرامل نقص من السرعة وقف في علامة " قف الشرطة " ... / هنالك أمور لا يمكنك فهمها في إطار فكري منظم تخضع للمنطق ... / ) . الفصل الثالث من الرواية  يلبس لبوس مرجعياتها الثقافية  ( علم النفس وعلم الاجتماع ) ، ولا تنسخان عن بعضها البعض ، بل تتكيف مع التكنيك السردي ومظاهره في الرواية  . " ...أصبحت الرواية سجلا اجتماعيا ، لأنها اقترحت بحثا مجازيا في الصراعات السياسية ، والمذهبية ، والعرقية ، بما في ذلك الهويات ، والآمال ، والحريات ، وانخرطت في معمعة التاريخ الاجتماعي ، وفي كشف مصائر المنفيّين ، والمشرّدين ، والمهجّرين ، والنساء ، وضحايا الحروب الأهلية ، والاستبداد السياسي ، والاجتماعي ، والديني . وأمسى من الضروري ، تغيير موقع الرواية من كونها مدوّنة نصّيّة إلى خطاب تعدّدي ، منشبك بالخلفيّات الحاضنة له  فلا يسجّل السرد واقعا ، أو يعكس حقيقة قائمة بذاتها ، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة .... " ( 8 )
ونقرأ في الصفحة 163 من الرواية ، ما يلي :  " ... انتهى الحجر الصحي أم لا ينتهي ، قائلا في خاطره ، فماهية الإنسان هي - هي .. ، فلا حركة للجسد بدون فكر وروح فالشيء وضده سرمديان وكل شيء في الطبيعة يحمل في طياته ومكوناته جينات تتوالد وخلايا تحيا وتموت ، توقف ألقى بنظرة عميقة في الصابون صدر منه زفيرا وسط صمت المنزل مازال كل أفراد عائلته يغطون في سبات عميق من كثرة السهر في ليالي رمضان ..."
أضحت الرواية سجلّا نتلمس فيه ما يثير الهلع في النفوس زمن الجائحة ، وعنف الحجر الصحي ، وانتشار الفيروس الخانق للأنفس  .وباء كورونا يحضر في الرواية  كحرب عالمية ثالثة ( حرب إنسانية ضد فيروس سريع الانتشار ) ، العالم كله على جبهة محاربة عدو واحد ، بعيدا عن الدين والقومية واللون والجغرافيا ، الجميع مجند ، وهو تجند يذكرنا بما قرأناه وما شاهدناه  في  أفلام وما سمعناه من أجدادنا عن الاستعدادات التي خاضتها البشرية ضد النازية في الحرب العالمية الثانية . لقد خلفت الحرب العالمية الثانية حوالي أزيد من سبعين مليون ضحية ، وها هي كورونا تهدد الحياة من أصلها ، أي محو الحياة من على وجه الأرض .
يدخل المكان في السرد  الرواية فيؤثر على حركة السارد ، فيغير إيقاع السرد بعبور السارد أمكنة مختلفة في الرواية ،  ممّا يؤدي إلى تغير الأمكنة داخل الفضاء الروائي ،  الذي ينتج عنه نقطة تحوّل حاسمة في الحبكة ،  و بالتالي في تركيب السرد والمنحنى الدرامي الذي يتّخذه ، وكذلك علاقة تأثير وتأثّر بين المكان والشخصيات الروائية ،إذ يُعد المكان عنصرًا أساسيًّا في تشكيل بنية هذه الشخصيات ، كما أنّه لا يتشكّل إلّا من خلال اختراق هذه الشخصيات له في رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " .
ونقرأ في الصفحة : 199 ما يلي : " ...ربما استعمال لفظة الحب لا أريده شعورا شكليا ، فالشعور بالحب له عندي معنى وجودي وصوفي أعمق من مجرد قول تتبعه رغبة في الفراش والمضاجعة كما هو معروف في قصدية الزواج أي التوالد من أجل استمرار النشء .. ؟ . فمعنى الحب أن تكون أنت الحبيب " هو – هو " بتعبير منطقي ، فلا يمكن أن نميز بين جسد الاثنين فروح الأول تذوب في الثاني ... " .

خامسا - خاتمة :

هناك روايات استندت إلى التخييل بشكل كبير، وكانت ذات بعد استشرافي ، جعلها تتوقّع حدوث أوبئة استثنائية ، وتصف بدقة مختلف ما يمكن أن يصيب العقول والأجساد  البشرية ، فكانت في مجملها عبارة عن محاكمات أخلاقية قاسية للتوجهات الحضارية الجارية ، وأشهرها رواية “الطاعون” التي كتبها ألبير كامو سنة 1947، أي مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورواية “العمى” التي ألفها البرتغالي جوزيه ساراماغو سنة 1995، والتي تنتهي بقولة عميقة لزوجة الطبيب بطل الرواية، وكانت الوحيدة التي نجت من وباء العمى: " لا أعتقد أننا عمينا ، بل أعتقد أننا عميان يرون ، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون . " . استمرت اهتمام  الأدب بالأوبئة والأمراض المعدية " حتى صار بإمكاننا أن نضيف إلى الجنس الروائي نوعا روائيا سمّي أدب الأوبئة " ، فإلى حدود الألفية الثالثة صدرت العديد من الأعمال الروائية التي تعالج موضوعة الأوبئة وتبدع في تخيل إمكانيات العدوى وانتشارها  وما يتبعها من فقدان للتحكم وانهيار للقيم ، نذكر  رواية " عام الطوفان " التي صدرت عام  2009 ، للكاتبة الكندية مارغريت آتوود ، ورواية " المحطّة الحادية عشرة "  للكندية كذلك ، إيميلي سانت جون مانديل التي نشرتها سنة  2014 ، وهي روايات أستفادت كثيرا من قراءة السيناريوهات السابقة التي ظهرت مع بعض الأوبئة المحدودة الانتشار ، لكنّها أعطتها أبعادا عالمية . ولذلك أعتقد أن الأدب سيظل رفيقا للبشرية كما أشرت في التقديم ، بل وستزداد أهميته  كثيرا ،  بحكم طغيان الجوانب المادية على الحضارة ، وحاجة الإنسان الملحة إلى الأبعاد الوجدانية والروحية ، وهي المجال الحيوي للأدب ، ولذلك ينبغي أن يكون الرهان كبيرا على الأدب والثقافة والفن بشكل عام ، لمن أراد أن يبني نموذجا حضاريا إنسانيا متوازنا ليخلص هذا المجال من جنوحه وزيغه وإفساده للفطرة الخلاّقة التي تميل إلى التعايش والسلام والخير والمحبة ، وتكره الظلم والفساد .

المصادر والمراجع :

1 – دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
2 - رواية " الجسد الجريح في زمن كورونا " / المصطفى الزواوي .
3 – المرجع ( 2) نفسه / الصفحة 7 و 8 .
4- مجلة الآداب / 1980 / السنة الثامنة والعشرون / عدد خاص ( 2 و3 ) الصفحة 83
5– محمد الورداشي / موقع الحوار المتمدن
6 - / الدليمي، لطفيّة /  فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة، دار المدى، بغداد، 2016
7 – المرجع ( 1 ) نفسه / الصفحة : 104
8 - الأدب والإنسان الغربي، ترجمة شكري محمد عياد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000
9 -   المنير في اللغة العربية (الجذع المشترك، والتعليم الأصيل)
10 -  اللغة والحجاج: أبو بكر العزاوي
11 -  المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية: جميل صليبا
12 //- Roland Barthes : introduction à l’analyse Structural des recit, « collectif » édition du Seuil, Paris , 1977, P 32.
13 ///- Voir : R. Barthes : introduction à l’analyse structural des récit, P P 14. 15.